الرمزية الوطنية لعيد الجيش اللبناني لم تقو على كبح جماح التناقضات السياسية التي شهدها اللبنانيون عبر الشاشات المفتوحة، بالمصافحة الشكلية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ، مقرونة بوجوه متجهمة، وصمت امس مدقع، كل شيء بدا خارج المألوف المفترض، ما عكس حجم التباعد السياسي بين الجالسين على المنصة الواحدة.
المشهد كان عابرا، لكنّ تداعياته استقرت في العيون والاذهان، لتبرر حالة القنوط الشعبية الذاهبة الى حد تمني مبادرات دولية ضاغطة تخرج نواة الحكومة من غلافها الشائك كما ألمحت مراجع دينية بدأت تقلق جديا من انحدار الامور الى مستوى مقاربة المسلمات الوطنية كالحديث عن الغاء “لبنان الكبير” اي الكيان الحالي الذي قارب المائة سنة من عمره والعودة الى “سوريا الكبرى” وهو ما لوّح به وليد جنبلاط ، في اشارة اكثر ما يفهم معانيها اركان المارونية السياسية.
في المقابل، يركز “التيار الوطني الحر” على تظهير التناقضات مع جنبلاط، كقول القناة البرتقالية امس: تناقضان لا يصنعان مصالحة، مع التذكير بالمعركتين العسكريتين بين الجيش بقيادة ميشال عون والجيش الشعبي بقيادة وليد جنبلاط في سوق الغرب في أيلول 1983، والثانية في اغسطس 1989، حيث يقول جنبلاط إن المعركة الاخيرة فتحت باب الحل السياسي بينما يتحدث التيار عن انتصار الجيش في المعركتين.
جانب من هذه الصورة يعكس موقف “التيار” ومعه الرئيس عون عن “مصالحة الجبل” التي عقدها البطريرك الماروني السابق الكاردينال نصرالله صفير مع وليد جنبلاط في عهد الرئيس ميشال سليمان ، وبقبول من رئيس “القوات اللبنانية” د. سمير جعجع وفي غياب العماد عون وتياره.
مصادر سياسية مطلعة أعربت لصحيفة “الأنباء” الكويتية، عن خشيتها من ان يطيح الصراع الخفي حول مصالحة الجبل بـ”التسوية السياسية” التي أتت بميشال عون لرئاسة الجمهورية وسعد الحريري لرئاسة مجلس الوزراء ، وان يتحول العهد كما الحكومة الى “عهد تصريف أعمال”، حيث لا انتصار في معركة ضاع فيها الهدف، كما يقول الرئيس عون نفسه.
عمليا، الأمل بتشكيل الحكومة سريعا تبدد، وسقطت المواعيد التي ضربت لذلك، الواحد تلو الاخر، ولم يبق في الميدان سوى تبادل الاتهامات بالمسؤولية، فريق العهد يتهم الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط ورئيس “القوات” د. سمير جعجع بالتحضير منذ اليوم لإنتخابات الرئاسة المقبلة عبر تكبير حجم قواها وزاريا، وهذا الفريق يتهم فريق العهد او الممانعة بمحاولة السيطرة على الحكومة لاعادة التطبيع مع النظام السوري، من خلال رفض إعطاء فريق الحريري ـ جنبلاط ـ جعجع 13 وزيرا.
اما وزير الخارجية جبران باسيل المنسوب اليه الوقوف وراء معظم التعقيدات الوزارية الحاصلة فهو المتهم الاساسي بفتح معركة رئاسة الجمهورية المقبلة منذ اليوم.
مجمل هذه التطورات عرضها الحريري مع رئيس “القوات اللبنانية” د. سمير جعجع في بيت الوسط، وتولى وزير الاعلام ملحم الرياشي نقل الاجواء الحكومية لهذا الاجتماع الى الرئيس ميشال عون الذي اعتبرت مصادره انه وضع في خطاب عيد الجيش سقف الحلول بحديثه بعد الإنتخابات عن حكومة وحدة وطنية، كما يطالب الحريري وجعجع ، اما الكلام عن حكومة اكثرية ومعارضة فهو خيار مطروح، وان لا غلبة لفريق على آخر، وان تكون الحكومة جامعة لكل المكونات اللبنانية ورفض احتكار اي طرف سياسي التمثيل الوزاري لأي طائفة.
مصادر بعبدا لاحظت ان حركة الرئيس المكلف لا توحي باستعجال التأليف، وانه يتعمد التأخير لاسباب مجهولة قد تكون خارجية.
بدوره، الرئيس الحريري أكد لقريبين منه انه لن يقبل أبدا ان يهزم وليد جنبلاط حكوميا.
هذا وعاد تيمور جنبلاط رئيس “اللقاء الديموقراطي” الى موسكو يرافقه النائب وائل أبو فاعور ، في زيارة اساسها بحث الوضع في محافظة السويداء السورية التي تتعرض لضغوط النظام لإجبار اهلها على اداء الخدمة العسكرية في جيش النظام.
في غضون ذلك، نقل وزير الاعلام ملحم رياشي الى الرئيس عون رسالة من رئيس “القوات اللبنانية” د. سمير جعجع حول موقف “القوات” من تشكيل الحكومة واستعدادها لتسهيل مهمة الرئيس المكلف، لكن ضمن الحد الادنى المقبول للحجم الانتخابي والوزن السياسي، وقد ابلغني الرئيس عون بان منح “القوات” حقيبة سيادية (الدفاع او الخارجية) يتم بحثه مع الرئيس المكلف، وقد فسرت الأوساط السياسية هذا الموقف باللاموقف، ما يشكل ردا سلبيا.