قذفت قمة هلسنكي الأميركية الروسية كرة النار السورية إلى ملعب موسكو لإعداد الأرضية الصالحة لانطلاق قطار تسوية تضع حدًا للنزاع الدامي في هذا البلد، وهو ما لم تتأخر روسيا في ترجمته خطة لإعادة اللاجئين السوريين، وضعها لبنان والأردن وتركيا تحت مجهر الدراسة والتمحيص لإقفال هذا الملف وتداعياته الثقيلة على مختلف المستويات.
وفي هذه الخانة أيضا، يدرج تصريح سفير سوريا في بيروت علي عبد الكريم علي بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل. ذلك أنه بدا حريصا على تأكيد ترحيب القيادة السورية بعودة من سماهم “أبناءها” إلى وطنهم الأم. غير أن بعض الأوساط اللبنانية المعارضة للنظام تقرأ بين سطور هذا التصريح دعوة متأخرة إلى إنهاء مأساة سببها النظام السوري نفسه، داعية العهد والدائرين في فلكه إلى العودة إلى إعلان بعبدا والاعتراف به إنجازا للرئيس ميشال سليمان، بعيدا من منطق المناكفات السياسية، وصونا لحياد لبنان.
وفي السياق، اعتبر رئيس “حركة التغيير” ايلي محفوض عبر “المركزية” أن “الدعوات المتكررة في الآونة الأخيرة إلى عودة اللاجئين السوريين متأخرة، وفي غير موقعها الصحيح لأسباب عدة، ليس أقلها أن من دفع اللاجئين إلى مغادرة سوريا هو النظام الذي ينتمي إليه السفير علي. ثم إنني لم أر هذا السفير يوما في زيارة إلى مخيمات اللاجئين، حاملا إليهم خبزا أو ماء أو دواء. لذلك، فإن كلامه ليس إلا ذرا للرماد في العيون، ونوعا من تبرير ما أقدم عليه هذا النظام من مجازر وارتكابات، لولاها لما اضطر السوريون إلى ترك بيوتهم وقراهم، علما أن جزءا كبيرا من التدمير الذي أصاب سوريا سببه من يمثل هذا السفير في لبنان”.
وتساءل محفوض: “لماذا يختار هذا السفير وزارة الخارجية لإطلاق مواقف من هذا النوع؟”، مشددا على “أننا متمسكون بالمؤسسات وبالإطار الدستوري والقانوني في سلوك الدولة اللبنانية”.
وإذ أشار إلى أن السفير السوري يحاول دوما زج المؤسسات اللبنانية في أتون لا علاقة للبنان به، شدد على أن “إذا كنا قد تعاطينا مع ملف اللاجئين من منطلق إنساني، فهذا لا يبدل موقفنا لجهة ضرورة عدم بقاء أي سوري على أرضنا، وهو موقف سبقنا إليه أسلافنا وكبارنا إبان اللجوء الفلسطيني في لبنان. فحري بجميع المسؤولين، وعلى رأسهم وزير الخارجية، عدم السماح لأحد بزج لبنان في لعبة لا علاقة له بها. وأتمنى على الخارجية ألا تسمح لا للسفير السوري ولا لغيره باستخدام منبرها لإطلاق مواقف لا تتوافق مع سلوكياتنا وأدبياتنا ودستورنا ومواقفنا”، علما أن لبنان محايد إزاء ما يجري في سوريا وقد اتخذ قرارات في هذا الشأن يجب أن تترجم عمليا.
ونبه إلى أن “قرار عودة اللاجئين ليس سورياً، بل إنه أميركي- روسي ترجم في قمة هلسينكي. ثم إن السوري اليوم ليس لاعبا ولا مقررا بل يتلقى القرارات الدولية الكبيرة”.
وعن ربط السجال الدائر بأهمية تطبيق حياد لبنان، وإعلان بعبدا، وإن كان حزب الله وحلفاؤه من أشرس المعارضين له، اعتبر محفوض أنهم “يحورون ويدورون ويعودون إلى ثقافة إعلان بعبدا، وكأنهم يخجلون به لأنه أقر في عهد الرئيس ميشال سليمان، فيما يسجل إجماع على أن هذا الاعلان أهم انجاز (أو أحد الانجازات المهمة) التي حصلت في عهد سليمان. وأذكّرالجميع أن سليمان سبق أن خاض معركة ضد الارهاب عندما كان قائدا للجيش. لذلك، لا يجوز أن تمنعنا النكايات السياسية من الاعتراف بهذا الانجاز المهم لسليمان، وهو إعلان بات وثيقة دولية سبق أن وقع عليها حزب الله بشخص النائب محمد رعد”.