خبر

عون يدعو في عيد الجيش للتواضع في المطالب وإنصاف في التمثيل لتسريع الحكومة

سورية تستعد عسكرياً لتحرير الطريق الدولي إلى حلب… وصولاً إلى إدلب لأن لا ثقة بتركيا
عون يدعو في عيد الجيش للتواضع في المطالب وإنصاف في التمثيل لتسريع الحكومة
بري يسعى لتدوير الزوايا الحكومية… كزعيم للأغلبية النيابية بعد التفاهم مع باسيل!

كتب المحرّر السياسيّ – البناء

أكدت مصادر سورية واسعة الإطلاع لـ«البناء» أن الاستعدادات العسكرية لحسم وضع إدلب وريفها، بدءاً من فتح طريق حلب الدولي، تسير بتسارع ولا تزال هي الوجهة الرئيسية للدولة السورية، رغم التعهدات التركية المتجددة في سوتشي حول الإيفاء بالالتزامات التي سبق التفاهم حولها منذ ولادة مسار أستانة، لجهة تولي تركيا رعاية إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في منطقة إدلب، وتسهيل انضواء الجماعات الباقية في إطار العملية السياسية التي صارت شروطها واضحة في مؤتمر سوتشي ولم يعد فيها مجال للحديث عن مستقبل الرئاسة السورية خارج الانتخابات التي ستتم بعد حكومة موحّدة تضع دستوراً جديداً تجري الانتخابات النيابية والرئاسية على أساسه. فالتجربة المريرة مع تركيا لجهة كثرة التعهّدات الكلامية، وندرة الوفاء بالالتزامات العملية، تدفع دمشق للاعتماد على جيشها في تحقيق مهمة القضاء على الإرهاب وتحرير الأراضي السورية التي يحتلها، ووضع الجميع أمام الخيارات عملياً، بين الوقوف مع الإرهاب، أو الانكفاء أمام الجيش السوري. وعلى الطريقة ذاتها التي جرت فيها معارك الجنوب، سيبقى المجال مفتوحاً للتسويات أمام الراغبين قبل بدء المعركة أو اثناءها. واستبعدت المصادر حصول تصادم سوري تركي، أولاً لأن المناطق المستهدفة في بداية العملية العسكرية خالية عملياً من التمركز التركي، سواء ما يخصّ أرياف حماة أو اللاذقية أو حلب، وخصوصاً طريق حماة حلب، وثانياً لأن تجربة الجنوب ماثلة لجهة تفادي الإسرائيليين مثل هذا التصادم في ظل ظروف أشدّ حرجاً لـ«إسرائيل». ومعلوم أنه حيث لا يجرؤ الإسرائيليون لا يجرؤ سواهم، وثالثاً لأن الدولة السورية لم تقم حساباً لفرضية التصادم مع إسرائيل فيصيبها التردّد في الإقدام، بل أقدمت وتحملت تبعات ما يترتب على قرار استعادة السيادة على أراضيها، ومن لم يقم حساباً لما ستفعله «إسرائيل» وتركها تتدبّر أمرها مستعد لكل الاحتمالات، فلن يقيم حساباً لسواها.

في لبنان تقدم الملف الحكومي نحو عنق الزجاجة مع وضوح المواجهة بين منطقين، واحد يتبناه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والتيار الوطني الحر وقوى الثامن من آذار يقوم على ترجمة حكومة الوحدة الوطنية في كل نسخة من نسخاتها للتوازنات التي يجسدها المجلس النيابي أسوة بما حصل في الحكومات السابقة، خصوصاً بعد انتخابات 2009، عندما كانت الأغلبية مع قوى الرابع عشر من آذار، وكان تمثيلها النيابي يعادل ضعف تمثيل كل من قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر كل على حدة، فنالت تمثيلاً وزارياً يعكس هذا الوزن الوزاري، واستحالة أن تحتفظ بالوزن ذاته بعد أن انقلبت موازين التمثيل في المجلس النيابي، وصارت الأغلبية النيابية في صف ثنائي قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر، وخصوصاً بعدما رمم هذا الثنائي صفوفه التي عانت شقوقاً أدت إلى تسلل قوى الرابع عشر من آذار، عبر اللقاء الذي جمع رئيس المجلس النيابي ورئيس التيار الوطني الحر.

مصادر متابعة وصفت مساعي رئيس المجلس النيابي نبيه بري بمحاولة تدوير الزوايا لمساعدة رئيس الحكومة على المزيد من المرونة، لكن مع فارق أن الرئيس بري يتصرف كزعيم للأغلبية النيابية عملياً بعد التفاهم مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وأن على رئيس الحكومة الانتباه لهذه الزاوية التي لا تعني دعوة لحكومة أغلبية، بل لتمييز رأي الأغلبية النيابية كشريك كامل في عملية تشكيل الحكومة بالمعنى السياسي من دون النيل من الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة.

الجيش احتفل بعيده بلا حكومة

لم تكتمل فرحة الاحتفال بالعيد الـ73 للجيش وتخريج دورة ضباط «فجر الجرود» في الكلية الحربية في اليرزة، إذ حضر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وإلى جانبهما رئيس حكومة تصريف أعمال ومكلّف وبلا حكومة أصيلة وشرعية تقف الى جانب جيشها وشعبها لمواجهة الأخطار المحدقة بالوطن والأزمات التي قد تضعه على حافة الانهيار، إذ إن قوى سياسية تقف بمصالحها الشخصية وتبعيتها للخارج حجر عثرة أمام تأليف الحكومة العتيدة محاولة بشتى الطرق إجهاض نتائج الانتخابات النيابية وصوت اللبنانيين، كما قال الرئيس عون في كلمته، الذي حسم موقفه بأن «صوت اللبنانيين الذي تمثل في مجلس النواب، يجب أن ينعكس على تشكيل الحكومة العتيدة، وكلنا تصميم في هذا الإطار على ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر، وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطل مسيرة الدولة».

وأضاف عون: «عزمنا واضح، وهو أن تكون هذه الحكومة جامعة للمكوِّنات اللبنانية، من دون تهميش أي مكوِّن، أو إلغاء دوره، ومن دون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف. وإذا كان بعض المطالب قد أخَّر حتى الآن تشكيل الحكومة، في مرحلة دقيقة ومليئة بالتحديات بالنسبة إلى لبنان، فأودّ هنا أن أجدِّد تأكيد عزمي، بالتعاون مع الرئيس المكلف، على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة الحكومة، مراهناً على تعاون جميع الأطراف وحسهم الوطني، لأن أي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا المحاطة بالأعاصير وصفقات القرن، خيانة للوطن وآمال الناس الذين عبَّروا في صناديق الاقتراع عن خياراتهم وتطلعاتهم. وأنا ملزم بحكم مسؤولياتي كرئيس للجمهورية، باحترامها وعدم السماح بالتنكّر لها».

موقف الرئاسة الأولى أعاد عملية التأليف الى نصابها عبر التمسك بمعايير ومقاييس جديدة سبق أن وضعها عون في التداول منذ أن بدء الرئيس المكلف جولة مشاوراته الأولى مع الكتل النيابية.

وبحسب ما تقول مصادر نيابية لـ «البناء» فإن التفسير السياسي والعملي للموقف الرئاسي المتقدم، هو أن الحكومة يجب أن تُمثل مختلف الشرائح النيابية من دون أن يحتكر أي طرف تمثيل طائفته أو مذهبه، وفي هذا رسائل مبطنة وجّهها الرئيس عون للرئيس المكلف والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، وما كشف أكثر الفتور في العلاقة بين بعبدا وبيت الوسط هو مصافحة عون للحريري ببرودة خلال وصوله الى المنصة الرئيسية للاحتفال، مقابل المصافحة الحارة للرئيس بري، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية، بحسب المصادر من دون تمثيل النائب طلال أرسلان أو من يسمّيه كما تمثيل سنة «اللقاء التشاوري» أو سنة المعارضة، الى جانب تخفيض حصة حزب القوات اللبنانية الى 3 وزراء من دون حقيبة سيادية ونيابة رئاسة الحكومة.

وفي سياق ذلك، تؤكد مصادر مطلعة في تكتل لبنان القوي لـ«البناء» أن «رئيس الجمهورية متمسك بالمعايير التي اتفق والرئيس المكلف على اعتمادها منذ بداية التكليف وهي نتائج الانتخابات النيابية»، مشيرة الى أن العودة الى نتائج الانتخابات كفيلة بحل العقد، موضحة أن التكتل ورئيسه لا يتدخلان بعملية التأليف لكن الرئيس عون لن يقبل بتشكيلة لا تحترم المعايير الموحدة. ورجحت المصادر أن يقبل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في نهاية المطاف بحل وسطي يقضي بمنحه وزيرين اشتراكيين درزيين ووزير درزي ثالث يتمّ اختياره بالتوافق بين الرئيسين عون والحريري وجنبلاط. غير أن أوساط الحزب الديمقراطي اللبناني نفت لـ «البناء» أن يكون الحزب قد تلقى عرضاً من هذا القبيل مشدّدة على أن «الحزب الديمقراطي مصرّ على تمثيله في الحكومة بالموقع الدرزي وليس في مواقع أخرى»، ووفقاً للمعايير المعتمدة في التأليف، ورأت في كلام الرئيس عون «كل الحرص الوطني على اللبنانيين واحترام نتائج الانتخابات وتكريس التنوّع داخل الطوائف وكسر الميثاقيات الطوائفية والمذهبية وتغليب المصلحة الوطنية. وأكدت بأننا لن نسمح لجنبلاط باحتكار تمثيل طائفة الموحدين الدروز مهما كان الثمن».

برّي على خط الوساطة بين الحريري وباسيل

إلى ذلك بقيت الزيارة المفاجئة للوزير جبران باسيل الى عين التينة محل اهتمام سياسي، لما يمكن أن يترتب عليها من مفاعيل سياسية في مراحل لاحقة قد تخلط الأوراق والتحالفات التي اهتز بعضها، ونقلت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» «ارتياح رئيس الجمهورية ورئيس التكتل لنتائج زيارة الوزير جبران باسيل الى عين التينة، إن على مستوى العلاقة بين التيار الحر والرئيس بري، وإن على المستوى الوطني حيث تم فتح صفحة جديدة من التعاون في المرحلة المقبلة للتصدي للأزمات القائمة».

وجدّد الرئيس بري خلال لقاء الأربعاء النيابي الذي سجل حضوراً ثانياً للتيار الوطني الحر، تأكيد العمل بكل الطاقات للإسراع في تشكيل الحكومة نظراً لدقة الوضع الذي نعيشه جميعاً. وأمل من الجميع التعامل بمرونة ومسؤولية في التعاطي مع هذا الموضوع لتسهيل عملية التأليف والخروج من حال المراوحة التي تمرّ بها البلاد.

وعن موضوع التشريع نقل النواب عن رئيس المجلس قوله «إن المادة 69 من الدستور واضحة لجهة حق المجلس النيابي بالتشريع في مثل الوضع الذي نحن فيه الآن، وإن هناك أعرافاً سابقة حصلت حين كانت حكومات تصريف الأعمال، عدا عن آراء الخبراء وكبار الفقهاء مثل الدكتور ادمون رباط وغيره». وأضاف: انه رغم هذا الحق الذي لا لبس فيه وفق نص الدستور إلا أنني أفضل اتباع سياسة التروّي كي لا تفسَّر الأمور على غير محملها.

ونفى زوار بري لـ«البناء» أن يكون قد تبنّى مطالب القوات والاشتراكي خلال لقائه باسيل، مشيرين الى أن «بري أوضح لضيفه بأنه مع وضع معيار موحّد وتوزيع الحصص على أساسه»، وشجّع باسيل على استكمال التواصل والحوار مع الرئيس المكلف حتى التوصل الى حلّ». وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إن «بري يعمل على تقريب وجهات النظر بين باسيل والرئيس المكلف، ولهذا الهدف أرسل موفده الوزير علي حسن خليل الى بيت الوسط لاطلاعه على نتائج اللقاء وتشجيع الحريري على المبادرة والتواصل مع الجميع وحمل إليه رسالة إيجابية من باسيل». وأشارت المصادر الى أن «الحريري بدوره حمّل خليل رسالة شكر لبري على المساعدة لحل العقد، واعداً باستئناف المفاوضات في وقت قريب. ورجحت المصادر أن يبادر الحريري «خلال الساعات المقبلة للاتصال بباسيل والاتفاق على عقد لقاء لاستكمال التشاور». ولفتت المصادر الى أن «بري يعارض حكومة الأكثرية في هذه الظروف بالذات»، لكنه أشار الى أن «إطالة أمد التأليف أكثر من شهر نكون قد دخلنا في المجهول ما يصعب مهمة التأليف ويبدأ البحث بخيارات أخرى قد تكون صعبة، إذ إن الأزمات الوطنية والمستجدات في المنطقة قد لا تنتظران تأليف الحكومة».

واستقبل الرئيس المكلف سعد الحريري مساء أمس في «بيت الوسط» رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، يرافقه الوزير ملحم الرياشي، بحضور الوزير غطاس خوري، وجرى استعراض آخر المستجدّات السياسية، ولا سيما ملف تشكيل الحكومة. ثم أقام الرئيس الحريري مأدبة عشاء على شرف الدكتور جعجع، جرى خلالها استكمال مواضيع البحث.

وانتقدت مصادر 8 آذار مسار التأليف منذ البداية، حيث إن «الرئيس المكلف يحاول القفز على التوازنات النيابية الجديدة، ولفتت لـ«البناء» الى أن «فريق 8 آذار ليس بوارد القبول بعد الآن بـ 7 وزراء مقابل 11 وزيراً لـ 14 آذار، ولن يسمح بأن ينال هذا الفريق بالحيلة الثلث المعطل لتعطيل قرارات الحكومة المقبلة، خصوصاً تلك المتعلقة بالعلاقة مع سورية وأزمة النازحين».

وردت المصادر على قول الرئيس المكلف بأنه ليس بوارد زيارة سورية وإن اقتضت المصلحة الوطنية ذلك بالقول: «لم يطلب أحد من الحريري زيارة سورية وتساءلت هل يوافق السوريون أولاً على استقبال الحريري؟ وهل وجّهوا له دعوة كي يرفضها؟». وأوضحت المصادر بأن «التواصل بين لبنان وسورية ليس بالضرورة أن يتمّ على مستوى رئيس الحكومة بل على مستوى الحكومة مجتمعة والوزراء»، مؤكدة بأن «التواصل قائم عبر قنوات عدة لا سيما اللواء عباس إبراهيم».

الى ذلك، من المتوقع أن تعود دفعة جديدة من النازحين السوريين الى سورية خلال الأيام القليلة المقبلة.

جنبلاط يحرّض دروز سورية على الانفصال…

في غضون ذلك، وفيما يشكل الموقف الجنبلاطي أحد العقد أمام تأليف الحكومة، واصل رئيس الاشتراكي هجومه المنظّم والموجّه خارجياً ضد الدولة السورية في تدخل فاضح في الشؤون الداخلية السورية وخرق جديد لسياسة النأي بالنفس، وسط صمت مريب للرئيس المكلف، فيما ردت مصادر مطلعة في الحزب الديمقراطي عبر «البناء» على جنبلاط مبدية استغرابها كيف يُسمح لرئيس حزب أن يهدّد العلاقة بين لبنان وسورية ويمسّ بالمصالح المشتركة بين الدولتين وبالمصلحة اللبنانية تحديداً، ولفتت الى أن «أهالي السويداء وجبل العرب يعرفون مصلحتهم وليسوا بحاجة الى أمثال جنبلاط ليدلهم إلى خياراتهم»، مشددة على أن «أهالي جبل العرب هم وطنيون وقوميون منخرطون بجسد الدولة السورية ومكوّن رئيسي فيها وبجيشها المدافع عن وحدة أراضيها». وشدّدت على أن «جبل العرب قدّم نموذجاً في مواجهة الانتداب الفرنسي وواجه التنظيمات الإرهابية على حدود الجولان المحتل والآن يقدم نموذجاً جديداً بالوقوف الى جانب الدولة والجيش في وجه داعش». ورأت المصادر في كلام جنبلاط «محاولة لتحريض الدروز للانفصال عن دولتهم»، مشيرة الى أنه «تدخل سافر في شؤون الدولة السورية وإعاقة لتطور العلاقة بين لبنان وسورية»، وأكدت بأن «محاولات جنبلاط لن تمرّ، وذكّرت بالوثيقة التي وقعها أرسلان وشيخ عقل الموحّدين في سورية التي حددت وحسمت موقع الدروز في سورية».