ايلي حنا – الأخبار
في اليوم العاشر للعدوان الإسرائيلي على لبنان (22 تموز 2006)، حاولت إسرائيل أن تعطي دفعاً لعملية عسكرية برية، بعدما تبيّن لها انتفاء صلاحية «بنك الأهداف»، بدليل الصليات الصاروخية التي كانت لا تتوقف بل كانت تنضم إليها أجيال جديدة من الصواريخ. في مارون الراس، كانت أسطورة شبيهة بعيتا الشعب وبنت جبيل. عندما سئل الرئيس نبيه بري من قبل أحد الزوار عن معنوياته في ذلك النهار، قال: «معنوياتي مرتفعة. وحرارتها من حرارة أقدام المقاومين المزروعة في مارون الراس». دولياً، كان قد بدأ العد العكسي لمؤتمر روما، ولاستقبال وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في بيروت. انعقد مجلس الوزراء، في مقره الخاص برئاسة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. مناقشات طويلة، إذا كان يمكن إيجازها، فإنها تدل على إرباك السلطة السياسية في مواجهة أخطر عدوان إسرائيلي تعرض له لبنان. قال سمير جعجع لمحطة «الجزيرة» إن الولايات المتحدة وأوروبا بات لديهما تصور جديد للشرق الأوسط بعد الحادي عشر من أيلول 2001. كانت المقاومة تقوم بواجباتها في الميدان، فيما قررت الولايات المتحدة في هذا اليوم فتح مخازنها لإرسال صواريخ موجهة بالليزر إلى إسرائيل، قادرة على اختراق «أهداف عميقة تحت الأرض»، وأقيم جسر جوي لهذه الغاية
في إطار جلساته المفتوحة، لمتابعة مجريات العدوان الإسرائيلي، ناقش مجلس الوزراء في جلسة مطولة عقدها في الثاني والعشرين من تموز، كيفية مواكبة لبنان للمشاورات الدولية والإقليمية، وقبل الخوض في الشق السياسي، استمعت الحكومة إلى تقارير من قوى الأمن الداخلي ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة تناولت أوضاع النازحين وسبل إيوائهم ومدهم بالضروريات وتوفير المحروقات لمحطات الكهرباء وكيفية التعامل مع ظاهرة سفر مواطنين لبنانيين فقدت أوراقهم في أثناء الحرب. بعد نقاش هذه القضايا الإجرائية، انسحب المشاركون من الجلسة من غير الوزراء، ليتركز النقاش حول إدارة الاتصالات الدولية لوقف الحرب ومسؤولية مجلس الوزراء والمقاومة. في ما يلي الجزء الأول من المحضر غير الرسمي لجلسة الثاني والعشرين من تموز 2006:
مروان حمادة: أتمنى أن يستمع إليّ كل الزملاء، كما كنت أخشى منذ الاجتماع الأول (بعد الحرب)، تحول مجلس الوزراء إلى هيئة عليا للإغاثة، ولم تعد له علاقة بمصير البلد أو الدفاع عنه أو المفاوضات الجارية ولا بما ستؤول إليه الأمور في هذا البلد. أنا لا أقبل أن أستمر في حكومة غائبة عن القرار السياسي والأمني في البلد، أتكلم بصراحة كلية، وما يهمني أن الأطراف الذين بدأوا هذه العملية، عليهم أن ينسقوا معنا تنسيقاً كاملاً وأنا أتوجه إلى طراد (حمادة) وإلى محمد (فنيش). لا نتكلم أشباح مع أشباح، أصبحنا لا نعلم بمن نتصل، ولا من يتصل بنا.
نرى على الشاشات المتلفزة التراشق بين الدول، كوندوليزا (رايس) تتكلم من هنا وإيران تجيب من هناك، سوريا طبعاً، كما كنا نتوقع، السكوت الذي نعرفه، وبالنتيجة دمر البلد، أنا أطلب أن يضع مجلس الوزراء يده على الملف السياسي والأمني في البلد، وأنا أصرّ على ذلك، كما قلت، أصبحنا كلنا يحيى رعد (الهيئة العليا للإغاثة) ونبيل الجسر (مجلس الإنماء والإعمار)، هذا موضوع لا يمكن أن يستمر، ستبدأ اجتماعات روما ولا نعلم ماذا سيكون هناك، أو من سيذهب إليها، ومن سيتوجه إلى هناك، ماذا سيقول، وباسم من سيتكلم؟ هناك فوضى عارمة في البلد لم يعد بمقدور الشعب اللبناني أن يتحملها، ينظر إلينا ويبصق علينا، كفى، نتغنى، من جهة ببطولات، ومن جهة أخرى، نفاوض، لم ننجح بالبطولات ولا بالمفاوضات. نجحنا فقط في تدمير البلد حتى الآن، العامل لا يستطيع إيجاد عمل، المؤسسات تقفل، القطاعات تنتهي الواحدة تلو الأخرى، المصارف اليوم بعد ضرب محطات الـGPS، كنا نعتبر أن المصارف هي القطاع الأنجح في البلد، لم يستطع مصرف الاتصال بالآخر من هنا إلى شمال لبنان، هناك شيء غير طبيعي ونحن نتكلم فقط عن عدد الفرش والبطانيات، الناس الذين يحتاجون إلى فرش يجب أن ننظر إلى أولادهم ومستقبلهم، هذا موضوع إلى الآن ساكت، ولكن سأظل مهتماً بموضوع الوحدة الوطنية إلى أقصى الحدود، ولكن الوحدة الوطنية تقتضي على كل واحد منا أن يحترم الوحدة الوطنية، الوحدة الوطنية هي مستقبل البلد وسيادته وحريته وديموقراطيته. مدير عام قوى الأمن الداخلي (اللواء أشرف ريفي) يقول إننا لامسنا الخط الأحمر، يمكن وزير المالية لا يمكنه الكلام ولكن سيصل إلى الخط الأحمر، كان لديّ قطاع (الاتصالات) يعطي الدولة 1/3 المدخول، لا يمكننا القبض من أي كان الآن، أصدرنا بياناً لأنه لم تعد هناك فواتير، إلى أين نذهب؟ هذا سؤال أوجهه إلى الجميع.
نائلة معوض: برافو مروان.
محمد فنيش: في ما يخصني في هذا النقاش، أنا أعتبر أن زميلنا مروان (حمادة) وجه الكلام لنا بالأسماء.
مروان حمادة: وجهته للجميع.
فنيش: بكل الأحوال، ككل وزير موجود بالحكومة، هناك عدوان، هناك شق يتعلق بنا هو موضوع المقاومة، ما عدا ذلك، كل شيء موجود عند رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، فلا أحد منا يتلقى اتصالات أو يفاوض نهائياً.
مروان حمادة: ولكن نريد أن نعرف إلى أين تقودنا المقاومة؟ هذا سؤال أساسي.
فنيش: ونحن نريد أن نعرف إلى أين تقودنا إسرائيل.
مروان حمادة: نريد أن نواجهها.
فنيش: السؤال المطروح ليس أين تقودنا المقاومة، المقاومة تقوم بالدفاع، والمقاومة قالت بوقف العدوان عند وقف إطلاق النار، موقفها بسيط وواضح، الموضوع الأميركي ــــ الإسرائيلي إلى أين سيأخذ المنطقة؟
مروان حمادة: ما هي شروط المقاومة؟
فنيش: أن يتوقف العدوان على بلدنا، أنا كمقاومة مستعدة لوقف إطلاق النار. في موضوع الأسرى، هناك موضوع تبادل، غير ذلك ليس للمقاومة ما تقوله، وهذا هو موقفها، إذا هناك شيء مطروح فلنناقشه سوياً، إذا كان لا يوجد، فإن المشكلة ليست عند المقاومة، وبلا ما نتفشفش ببعضنا.
مروان حمادة: لا أحد يطرح علينا شيئاً، لا من الخارج ولا من الداخل.
فنيش: هذا موضوع أبعاده واضحة بالسياسة الدولية. سمعنا كوندوليزا رايس ماذا تريد، لا تريد وقفاً لإطلاق النار، تريد أن تبني شرق أوسط جديداً على حساب تدمير البلد، على حساب أشلاء أطفالنا، ونسمع الإسرائيليين ماذا يقولون، هذا موضوع أبعد من أن نبسطه بأن هناك خلافاً بين من قام بهذه العملية وكيف كان توقيتها، لقد تجاوزناه.
مروان حمادة: إذاً، أين أصبحنا وإلى أين نحن ذاهبون؟
فنيش: هذا الموضوع يجب أن نتناقش به جميعاً، لا أحد لديه خصوصية أكثر من الآخر.
بيار الجميل: نحن في مجلس الوزراء، أنا أول مرة أكون وزيراً في الحكومة، قبل أن أكون وزيراً كنت أتكلم بالسياسة، ولكن عندما أصبحت وزيراً لم أعد أتكلم بالسياسة، أصبحنا تقنيين، وظننت في وقت من الأوقات أن هذه هي العادة هنا. زوجتي تسألني ومحيطي يسألونني ماذا تعرف، فيكون جوابي لا أعرف. عندما نشبت الحرب، عام 1967 في عهد الرئيس شارل حلو، كانوا يعقدون مجلس وزراء . لا أحد يتفرد ويأخذ البلد وحده، هذا بلد علينا أن نعيش فيه، اللبنانيون دفعوا ثمناً باهظاً من حياتهم ومن حاضرهم ومن مستقبلهم، وبالتالي آن الأوان أن نقف وقفة متراصة وأن نحافظ على تضامننا، ونحاول أن ننقذ بلدنا. ومن سمع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لا يوجد في قاموسه إلا أسرى إسرائيل.
فوزي صلوخ: كله لمصلحة إسرائيل (كلام كوفي أنان).
حمادة: الأطراف الذين بدأوا هذه العملية (الأسر)، عليهم أن ينسقوا معنا، وأنا أتوجه إلى طراد وإلى محمد
فؤاد السنيورة: كله لمصلحة إسرائيل، ماشي الحال، إذا أردنا أن نتخذ قراراً بالانتحار الجماعي، أيضاً هذا جيد، نتخذه هنا، فهذا الأمر…
فنيش مقاطعاً: من يناقش من؟
السنيورة: أنا لم أعط الإذن لك بالكلام، وعندما تتكلم يا محمد (فنيش) أنا أسمعك طوال الوقت.
فنيش: أنا لا أستطيع أن أسمع.
إميل لحود: تابع دولة الرئيس.
السنيورة: هذه هي الصورة أمامنا وأتمنى أن ننظر فيها بكل موضوعية لكي تكون بأيدينا مادة نتحاور فيها ونتفاوض، وهذا ما يوصلنا إلى أهدافنا. أنا أتفاوض وأنسق بكل ما هو بين يديّ، كل شيء، مع الرئيس نبيه بري، وبالتالي أكثر مما أسمعه من الرئيس بري ليس لديّ أي شيء آخر، أنا وددت أن أقول ما لديّ، وهناك أشياء عدة يمكن أن نتكلم بها بهذا الموضوع، وبالتالي النقاش السياسي مفتوح.
طراد حمادة: هناك مخطط كبير في المنطقة يبدأ في الحرب على لبنان، وهذه الحرب قد بدأت، كل الرسل والسفراء والمبعوثين جاؤوا يستمعون إلينا ثم يديرون ظهورهم ويذهبون ويبعثون لنا بمطالب الإسرائيليين التي ليس فيها أي مجال أو بنود للبحث فيها، سوى التسليم التام بما عبرت عنه كوندوليزا رايس، بالنهاية أن حرب لبنان هي بداية تشكل الشرق الأوسط، هذا مخطط معروف إذا تم ربطه بالمشروع الأميركي في المنطقة بعد الحادي عشر من أيلول. هذه الحرب، تبين أنها من أقسى الحروب التي يمكن أن يواجهها بلد في العالم. حرب إبادة للوطن وللبشر وللبنان، وبالتالي من أجل أن تتمكن إسرائيل من التحكم بفلسطين وبالدول المحيطة بفلسطين، أريد أن أقول شيئاً، إن المقاومة في هذه المرحلة قامت بواجبها والجيش قام بواجبه، ولكن بكل صراحة مجلس الوزراء لم يذهب إلى ممارسة ديبلوماسية شجاعة.
السنيورة: ما معنى ذلك؟
طراد حمادة: نعم، بدلاً من أن تقوم الحكومة اللبنانية باعتبار هذه الحرب حرباً على لبنان، والحديث بهذا المنطق مع كل دول العالم والاعتماد على عناصر القوة الموجودة ومنها موقف المقاومة، والصداقات الدولية، ووقوف الناس ضد الحرب، وظلم هذه الحرب، والاستفادة من الوضعين العربي والدولي، رأينا بدلاً من ذلك، أن حركة التفاوض الحكومي كانت بشكل أو بآخر تحمل نوعاً من الضغوط على الأطراف السياسية اللبنانية، وبشكل خاص على المقاومة وعلى حزب الله. المقاومة هي لكل لبنان، وحزب الله يقود المقاومة، إما القبول بهذه الشروط وإما البلد متوجه نحو الدمار وأنتم مسؤولون عنه. دولة الرئيس، إذا لديك مشروع أو اقتراح، تفضل وصرح أنه لديك هذا الاقتراح، وهذا اقتراح مطروح على الحكومة اللبنانية وتقبل به، بمعنى تقبل أن تناقشه الحكومة اللبنانية، لأن هناك دولة الرئيس اقتراحات لا أحد يقبل بمناقشتها. أنا سمعت كلاماً على هذه الطاولة بجلسة عادية لا يقبل لبناني أن يسمعه. حتى الآن، لا يستطيع الإسرائيلي الدخول إلى قرية صغيرة من قرانا، صحيح أنه لدينا قدرة على تحمل التضحيات أكثر منهم. يجب أن تكون هناك حركة داخل الوضع العربي لكي يحرك بدوره الوضع الدولي. يجب أن نضيف كل هذه العناصر لنمارس الديبلوماسية الحقيقية التي تكون على مستوى التضحيات التي يقدمها المقاومون ومئات الشهداء وآلاف الجرحى، ومئات آلاف المهجرين، وما حصل في الضاحية لا يشبه الدمار، لا في برلين ولا ستالينغراد، ولا هيروشيما، ولا في أي منطقة في العالم، يا دولة الرئيس إذا كان بين يديك مشروع، تفضل واطرحه على مجلس الوزراء لكي نستمع إليه، هذه النقاط الثلاث التي ذكرتها، وهي وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى والانسحاب من مزارع شبعا وإعطاء خرائط الألغام.
السنيورة: قلت سابقاً أن الحرب هدفها شرق أوسط جديد؟
طراد حمادة: أنت قلت في المرة الماضية أن الأوراق في يد أميركا، حتى عندما سألتك عن خافيير سولانا قلت لي أن الأوروبيين لا يستطيعون القيام بشيء، فكيف العرب، إذا العرب لم يستطيعوا القيام بشيء ولا الأوروبيون، هل كوفي أنان يستطيع القيام بشيء، هل هذا القرار هو قرار كوفي أنان، أم أن القرار عند رايس التي تقول أنه لا يوجد وقف لإطلاق النار، الفرنسيون يقولون أن أميركا لن تقبل بوقف إطلاق النار، كوندوليزا تريد تحرير العالم من هنا.
السنيورة: حتى هذه اللحظة، ليس هناك من عرض متكامل لصيغة محددة، هناك أفكار يجري تداولها، وهذه الأفكار التي يجري تداولها أظهرت أن جميع الوفود التي زارت لبنان، لم يكن لديها أي أفكار، بل جاءت لأخذ أفكار من لبنان وطورتها لكي تبني عليها خطة مستقبلية. في الفترة الأخيرة، بدأت المواقف في فرنسا وإسبانيا تتحول إلى مطلبنا الأساسي في محادثاتنا مع الوفود الزائرة، أي وقف العدوان، وقف إطلاق النار فوراً، وبعد ذلك يصار إلى بحث بقية المواضيع.