خبر

عقد داخلية أمام الحكومة بعد هلسنكي والتفاهمات حول نصر سورية وملف النازحين

غارة مصياف تكشف حدود القدرة «الإسرائيلية»… والفشل بإخراج إيران وحزب الله
عقد داخلية أمام الحكومة بعد هلسنكي والتفاهمات حول نصر سورية وملف النازحين
هجوم أرسلاني عنيف على جنبلاط… وجعجع يحاول تخفيف وهج انتصار باسيل في قضية النزوح

كتب المحرّر السياسيّ – البناء

 

بدأت معالم ما رُسم في قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بالظهور في انعكاساتها على لبنان وسورية، حيث التطبيع في العلاقة مع الدولة السورية سيتمّ غربياً وأميركياً من بوابة التعاون في ملف عودة النازحين، الذي يمكن توظيفه كعنوان إنساني يبرّر الكثير في السياسة، وبدا أنّ تفكيك جهاز المخابرات البريطانية لمنظمة التجسّس التي شكلت عصب التدخل الخارجي في الحرب على سورية، والمسمّاة بالخوذ البيضاء تحت العنوان الإنساني، والدور «الإسرائيلي» والأردني في إجلاء عناصرها من سورية، علامات واضحة على مرحلة جديدة تدخلها سورية. وبالتوازي جاءت الغارة «الإسرائيلية» على موقع سوري قرب بلدة مصياف بريف حماة من الأجواء اللبنانية، تأكيداً لمعادلة الردع التي رسمتها الدفاعات الجوية السورية لمنع انتهاك الطائرات «الإسرائيلية» أجواءها منذ إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» «أف 16»، وهي الدفاعات التي تصدّت للصواريخ التي أطلقتها الطائرات هذه المرة ونجحت في إسقاط ثلاثة من أربعة منها، وفقاً لما قاله مصدر عسكري سوري، بينما كشفت الغارة التي قال «الإسرائيليون» إنها استهدفت موقعاً لإيران وحزب الله، إنّ الرهان على نجاح قمة هلسنكي بالتفاهم على انسحاب إيران وحزب الله من سورية قد أصيب بالخيبة.

الانعكاس اللبناني لقمة هلسنكي يتمثل مباشرة بزوال الوظيفة المنوطة بحلفاء واشنطن باستخدامه في المواجهة مع الدولة السورية، بعدما قرّر الأميركي الذهاب للتطبيع مع هذه الدولة تحت شعار تسهيل عودة النازحين، ما يعني زوال واحدة من العقد الرئيسية في طريق تشكيل الحكومة كان يمثلها الخلاف على ملف النازحين وربط أيّ عودة بالحلّ السياسي وفقاً للشروط التي وضعتها واشنطن والتزمتها أوروبا والأمم المتحدة، وكان يستدعي سعياً لتكبير الحصص من الفريق الملتزم بالضوابط الأميركية، لمنع أيّ قرارات لا ترتضيها واشنطن وحلفاؤها في ملف النازحين والعلاقة بالدولة السورية.

محاولات التموضع من حلفاء واشنطن جاءت باهتة، ومحكومة بحفظ ماء الوجه، وتصوير التفاهم الروسي الأميركي انتصاراً لطلبهم بضمانات دولية لعودة النازحين، كما حاول القول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وجورج شعبان مستشار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وكأنّ التفاهم الروسي الأميركي الذي جاء بقبول أميركي لخطة روسية سيتمّ تنفيذه دون التعاون مع الحكومة السورية، فيما هو البوابة لتبرير هذا التعاون، الذي لا يزال مجرّد التفكير بحدوثه يثير الذعر لدى بعض الأطراف اللبنانية، رغم كونه حاجة ومصلحة يومية تتزايد الحاجة إليها سواء في ملف النازحين أو في ملف تسويق الإنتاج اللبناني وتنشيط تجارة الترانزيت عبر المعابر التي تربط سورية بالعراق والأردن، بعدما صارت تحت سيطرة الدولة السورية.

العقد التي تحول دون ولادة الحكومة هي محلية ما بعد قمة هلسنكي، وفقاً لمصادر متابعة، وهي ليست شكلية، ففيها مستقبل صورة الجبل والعلاقات بين القوتين الرئيسيتين في تمثيل جناحيه الدرزي والمسيحي، تمثلها العلاقة بين الحزب التقدمي الإشتراكي والتيار الوطني الحر، التي باتت مربوطة بعلاقة زعيم الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بالنائب طلال أرسلان، وهي علاقة تتدهور وتعيش أسوأ مراحلها في ضوء سجالات متبادلة كان آخرها هجوم عنيف شنّه أرسلان على جنبلاط وأركانه، وفيها مستقبل الزعامة المسيحية بين الطرفين الرئيسين في الشارع المسيحي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وقواعد التقاسم السياسي لهذه الزعامة من البوابة الحكومية، ومن بوابة التنافس الرئاسي المقبل الذي يبدو حاضراً في حسابات الطرفين.

يبدو أن الخرق في عملية التشكيل الحكومي مفقود. فما يجري أشبه بالقطبة المخفية لا سيما في ضوء ما نشهده ونسمعه من مواقف باتت أشبه بتبادل الأدوار بين الأطراف المعطلة. وفيما لا يزال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة خارج لبنان مصراً على تفاؤله بالتأليف القريب، رغم ان الاجواء كلها تشير الى ان الامور تراوح مكانها، يتوجه الوزير في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل الى نيويورك اليوم للمشاركة في المؤتمر الذي تعقده وزارة الخارجية الاميركية حول الحرية الدينية، حيث سيلتقي باسيل على هامش المؤتمر نظيره الاميركي مايك بومبيو وسيلتقي ايضاً الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس وسيتناول اللقاء بين باسيل والمسؤول الاممي ملف النازحين السوريين.

وبينما يُجمع كل من الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات على أن اداء الوزير باسيل وسياسته هادفة الى إلغاء الآخرين يقفان عائقاً امام التشكيل، تشدد مصادر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» على أن باسيل يقوم بدوره كرئيس حزب ورئيس أكبر كتلة نيابية.

وهو يتعاطى بموضوع تأليف الحكومة انطلاقاً من هذه الصفة وهذا الموقع، كما يفعل سائر رؤساء الكتل النيابية. فلماذا يحق لرؤساء الكتل المكوّنة من ثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وخمسة عشر نائباً التعاطي في التأليف ووضع الشروط ورفع المطالب، ولا يحقّ لرئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان والزعيم المسيحي الأول أن يعلن تصوّره ومطالب تكتله من التأليف، مشدّدة على أن لا أحد مختلف أن التأليف منوط بالرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.

وتشدد المصادر على ضرورة أن يعتمد الرئيس المكلف قاعدة ثابتة وفق معيار واحد في موضوع الحكومة، مشددة على ان تكتل لبنان القوي متمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية القوي في دوره بالتأليف.

وأكد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي في حديث تلفزيوني، أن الحكومة المرتقبة ستؤمن نوعاً من الاستقرار والثقة، لافتاً إلى أن العراقيل المصطنعة يجب أن تصطدم بإرادة قوية لتأليف الحكومة بأسرع وقت وهذه الارادة موجودة لدى رئيس الجمهورية.

وأمام هذه الأجواء الملبّدة الحكومية، فإن الرئيس بري لن يتراجع عن عقد جلسة تشاور للبحث في الوضع الحكومي. وبينما يحاول البعض التصويب على الجلسة من منظار أن المجلس في دورة استثنائية، فإن مصادر دستورية، تقول لـ»البناء» ما دامت الحكومة معتبرة مستقيلة في ضوء بدء ولاية مجلس النواب، فإن البرلمان يكون بحالة انعقاد حكمية لغاية تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، الأمر الذي يعني أن الاجتماعات التي يعقدها مجلس النواب راهناً هي قانونية، وجلسة التشاور التي سيدعو إليها بري هي للتداول في موضوع مآل تأليف الحكومة، ولكن لا يبدو أنّها تتجه إلى اتخاذ قرارات معينة في ضوء نفي رئيس المجلس أن يكون هدفها الضغط على رئيس الحكومة المكلّف أو سواه، او أن يكون هدفها بحث مصير تكليف الحريري. وتشدّد مصادر كتلة التحرير والتنمية على أن الرئيس بري يعي جيداً الوضع الاقتصادي غير المريح. ومن هذا المنطلق سيدعو الى الجلسة التشاورية التي ستضع الجميع أمام مسؤولياتهم في ضوء الأزمة الاجتماعية والمعيشية والحياتية التي يواجهها المواطن.

وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي أليس من المريب، أمام الأزمات الاجتماعية، المعيشية والسكنية والتربوية والاستشفائية والبنى التحتية ولا سيما الماء والكهرباء والطرقات وأزمة الفساد الأخلاقي والسياسي والإداري، أن تكون عقدة تأليف الحكومة الجديدة محصورة بتوزيع الحصص من أجل المغانم والمكاسب بدلاً من إيجاد حكومة تضم خبراء تكنوقراط يحققون الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات كما حدّدها مؤتمر باريس CEDRE، ويوظفون المساعدات المالية الموعودة بين قروض ميسّرة وهبات بقيمة أحد عشر مليار ونصف المليار دولار أميركي!؟

وعلى صعيد الجهد اللبناني الرسمي لعودة النازحين السوريين لا سيما أن لبنان يُعدّ من بين أكثر الدول في الشرق الأوسط تضرراً من أزمة تدفق النازحين على أراضيه تقوم المديرية العامة للأمن العام بتأمين العودة الطوعية لمئات النازحين السوريين من منطقة عرسال الى سورية عبر حاجز وادي حميد اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً.

وفي السياق، التقى نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، جورج شعبان، بطلب من الأخير، وبحثا الأوضاع الاجتماعية السياسية المترتبة في لبنان عقب الانتخابات البرلمانية في البلاد والتي جرت في أيار من العام الحالي، في إطار تشكيل حكومة لبنانية جديدة، تم التطرق أيضاً لمهمة توفير الظروف اللازمة لعودة النازحين السوريين إلى وطنهم، والبالغ عددهم نحو مليون واحد في لبنان وحده، في ظل الجهود المبذولة لتسوية الأزمة السورية في أسرع وقت». ويأتي هذا اللقاء مع إنشاء روسيا مؤخراً مركزاً لاستقبال وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وشدّدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» على أن اللجنة ستكون لجنة أمنية، بالتعاون والتنسيق مع الأمن العام بشخص مديره اللواء إبراهيم.

واعتبر وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال غازي زعيتر، أن خطوة الحريري تعد أمراً إيجابياً. ورأى ضرورة أن يكون هناك موقف لبناني موحّد حول استخدام «إسرائيل» الأجواء اللبنانية من أجل الاعتداء على سورية، معتبراً أن على الدولة اللبنانية حماية أجوائها من خرق أي طيران معادٍ، لافتاً إلى أن هناك وسائل متعددة منها المثلث الذهبي «الجيش والشعب والمقاومة». وشدّد وزير الزراعة على أن مختلف الاتفاقيات بين لبنان وسورية لا تزال قائمة، مشيراً إلى أن هناك مقاطعة من قبل بعض اللبنانيين لسورية، مؤكداً أن هذا الأمر لا يخدم المصلحة اللبنانية.

واعتبرت مصادر وزارية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن خطوة الحريري مهمة وإيجابية ولو أتت متأخرة، مشددة على ان اللجنة التي شكلها التيار الوطني الحر لمتابعة ملف النازحين هدفت الى مساعدة النازحين لتسهيل عودتهم الى بلدهم. وفي الوقت نفسه هدفت الى العمل من اجل تخفيف الأعباء عن الاقتصاد اللبناني.