خبر

الخصوصية المسيحية ــــ الدرزية أكبر من توزيع حقائب

هيام القصيفي – الاخبار

افتعال مشكلة مع النائب السابق وليد جنبلاط، يتعدى الحقائب الوزارية. من كلام قبل الانتخابات النيابية حول المصالحة، وعوامل الثقة المفقودة، ورفض إعطاء جنبلاط حصته الوزارية، ثمة خطر جدي على العلاقة التاريخية بين الموارنة والدروز

لم تكن الحرب قد انتهت عندما زار الراحل داني كميل شمعون دير القمر والتقى وليد جنبلاط. الحرب كانت انتهت بمعناها العسكري فحسب، عندما زار البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير الشوف والتقى جنبلاط، وقبله عقدت مؤتمرات العودة في بيت الدين بالتنسيق مع الراحل جورج سعادة والكتائب، وأعادت قرنة شهوان (سمير فرنجيه وفارس سعيد) وصل ما انقطع مع جنبلاط، ولاحقاً عادت القوات اللبنانية الى الجبل. كل ذلك، كان تتمة لمسار تاريخي عرف، كما يقول احد السياسيين المطلعين، مراحل قاسية ودموية، لكنه أيضاً شكل البنية الاساسية لطائفتين مساهمتين بفاعلية في أول شكل للبنان الدولة.
لا يمكن التفرج على ما يحصل اليوم حول الحقائب الدرزية في الحكومة، كموضوع آنيّ وإداريّ بحت، لأنه ليس كذلك، ولأنه سيكون له انعكاس مباشر عل شريحتين محكومتين بالتاريخ والجغرافيا أن تعيشا معاً. خلافهما يتخطى توزع الوزارات وعددها، وبدأ يمس جوهر العلاقة الخاصة بين الموارنة دون غيرهم من المسيحيين في علاقتهم مع الدروز التي ترجمت على مدى سنوات طويلة باتفاق على تنظيم الخلافات. لم يكن كميل شمعون، في عز خلافه مع كمال جنبلاط، يحيد عن هذا المسار، مهما تعاظمت خلافاتهما. وإذا كان لا يمكن تبرير حرب الجبل وما حصل فيها مهما كانت أسبابها، فإن وليد جنبلاط اعتذر واعتبر أكثر من مرة أن ما حصل في الجبل، وبعد اغتيال كمال جنبلاط، جريمة. رفع جنبلاط شعارات مصالحة كثيرة وكبيرة، اعترفت له بها الكنيسة والقيادات السياسية… ما عدا التيار الوطني الحر.
منذ عام 2005 والقوى المسيحية تطالب بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ومنذ عام 1990 وهذه القوى تطالب بأن يكون لها ممثلوها الحقيقيون، وتعتبر أن الشخصيات المسيحية التي وصلت الى البرلمان عبر الانتخابات، لا تمثل الشارع المسيحي. ومنذ الفراغ الرئاسي والقوى المسيحية تتحدث، ولا سيما التيار الوطني الحر، عن «تمثيل الاقوياء في طوائفهم»، وعن ضرورة أن يختار المسيحيون نوابهم ووزراءهم.
في إحدى الجلسات «الرسمية» حول تشكيل الحكومة، كان تشديد على ضرورة حل العقدتين السنية والدرزية، على أن يترك لرئيس الجمهورية حل العقدة المسيحية. وفق ذلك، بدأت حملة التيار الحر المضادة للتركيز على مشكلة التمثيل السنّي والدرزي، ومنها نفي عدم رغبة التيار في تولي القوات اللبنانية حقيبة سيادية. رغم أن كثيرين سمعوا كلاماً واضحاً عن أن التيار لا يرغب في إعطاء القوات حقيبة وزارة الدفاع، إلا إذا كان التيار يرغب في التخلي عن الخارجية لمصلحة القوات!.

يتولى الرئيس سعد الحريري معالجة عقدة التمثيل السنّي، رغم أنه لا يعتبرها مشكلة، لأنه حاسم في خياره أن لا تمثيل إلا لفريقه. ويحسم وليد جنبلاط خياره بأن لا تمثيل درزياً إلا من حصته، إذا كان القرار بتوزير ثلاثة دروز. أما أي وزير رابع، فيعطى من حصة رئيس الجمهورية. المعطيات والمعلومات تؤكد أن الطرفين لن يحيدا عن موقفيهما، وأن جنبلاط لن يقبل بأن تمس حصته، وأن يتدخل أي طرف في تحديد حجمه.

الى هذا الحد، كان يمكن حصر النقاش السياسي بمناورات تكتيكية وظرفية تتعلق بتأليف الحكومة. إلا أن مسار الأمور والتصريحات والتصرفات بدأ يأخذ منحى أكثر خطورة، لأنه يتعلق بخصوصية العلاقة المسيحية ــــ الدرزية، وهذا الأمر لا يختزله التيار الوطني الحر ولا نوابه الجدد في الشوف وعاليه.

لا يمكن أن يتخطى تيار سياسي ما وصلت اليه القيادات المارونية قبل الحرب وبعدها في طريقة تعاطيها مع الدروز، باحترام خصوصيتهم الدينية والسياسية. تدخل الموارنة أحياناً في البيوت الارثوذكسية والكاثوليكية، كما السنية والشيعية، لكنهم لم يقتربوا من البيت الدرزي، وحافظوا على تعاملهم معه، من زاويته، سواء كان بيتاً واحداً، أو زعامة ثنائية (جنبلاطية وأرسلانية). أما اليوم، فللمرة الاولى ينقل الصراع الى حد المواجهة بين تيار مسيحي (ماروني) والدروز، بغض النظر عن الاحجام والتمثيل الحقيقي أو عدمه، لا سيما أننا شهدنا مؤخراً تحويراً لنتائج الانتخابات ومغالطات في الارقام وتحليلها. وخطورة هذا الصراع أنه تدخل مباشر في أحجام الطوائف وتمثيلها، وبالشكل الذي كان التيار يرفضه سابقاً. وهو يعيد فتح جروح الحرب والحساسيات، تارة بالكلام حول المصالحة وتارة بنبش قبور الحرب، وطوراً حول الأحجام والتمثيل الدرزي، ومحاولة حجز مشكلة تؤسّس لمستقبل متوتر.

قلة ترى أن ما يقوم به التيار اليوم مفيد، وكثر يرون أنه خطر على العلاقة بين الموارنة والدروز، ولا سيما أن التيار، ووفق نتائج الانتخابات، لا يحتكر التمثيل المسيحي، من دون حسبان الذي قاطعوا الانتخابات. والقوى السياسية المسيحية، والدينية، وفي طليعتها بكركي في ظل البطريرك بشارة الراعي، لا تؤيد أي توجه لضرب العلاقة مع الدروز. ووجود التيار في السلطة، اليوم، لا يخوّله تحوير العلاقة التاريخية بين الطرفين وتقزيمها الى حدّ استهدافها، ليس في توزيع الحقائب فحسب بل في صميم قيادتها.

ثمة لافتة رفعت على السراي الحكومي تقول لو دامت لغيرك لما آلت اليك. قد يكون مفيداً تعميم رفع هذه اللافتة في الكثير من الأماكن.