محمد ملص – الأخبار
أكثر من مليوني متر مربع تقريباً، تضع الدولة اللبنانية يدها عليها وتضم كلاً من منطقة دير عمار وبرج اليهودية والمنية. لهذه الأراضي الزراعية واجهة بحرية طويلة، ويبلغ عدد العقارات فيها 146 عقارا، ولكن لا يحق لأي من قاطنيها (500 عائلة) استعمالها أو استثمارها، كونها أرض تابعة لـ «الجمهورية اللبنانية» (أرض الشلبة)
ينتظر بعض أبناء “أرض الشلبة” في المنية كل موسم انتخابي، حتى يتمكنوا من تيسير أمورهم، وتشييد بناء يؤويهم. هم تمكنوا إبان الانتخابات النيابية الأخيرة من ذلك، لكن هذه المرة برعاية مباشرة من تيار المستقبل الذي وعد الأهالي بمنحهم مهلة ثلاثة أيام قبيل الانتخابات لتشييد أبنيتهم وسطوحهم، ليعود اليوم ويسحب يده، في ضوء التوقيفات التي شملت عدداً كبيراً من المواطنين في المنية.
«أرض الشلبة» لها حكاية طويلة، بدأت منذ عام 1936، بعدما تقدمت شركة “نفط العراق – IPC” بعروض لشراء أرض لإقامة منشآت نفطية عليها. رفض حينها المزارعون التخلي عن أرضهم. وعندما فشلت الشركة في استملاك الأرض، أصدرت الدولة اللبنانية قراراً باستملاكها جميعها للمصلحة العامة، وانتقلت من أيدي الأهالي إلى يد الشركة، لكن نتيجة عدم استخدام الشركة للأرض وفقاً لقانون الاستملاك، ومع توقف أعمال الشركة قبل أكثر من نصف قرن، عادت الدولة اللبنانية واشترت الأرض المذكورة، ونقلت ملكيتها بموجب المرسوم 784 والمؤرخ في 8-1-1965.
بعد استعادة الدولة اللبنانية ملكية هذه العقارات، من الشركة المذكورة، حاول العديد من الأهالي اللجوء الى القضاء لاستعادة أراضيهم، والمطالبة بالتعويضات. بعد ذلك، حاولت الدولة في أكثر من مناسبة إخراج الأهالي بالقوة من أراضيهم، ما أدى الى وقوع أكثر من إشكال مسلح، واتخذت الدولة اللبنانية بعدها قراراً يقضي بتأجير الأراضي لأصحابها مع الوعد ببيعها، واستناداً إلى هذا القرار، وبعد موافقة المزارعين وأصحاب العقارات، قامت لجنة مؤلفة من وزارة المالية وإدارة أملاك الدولة والسجل العقاري في الشمال بتخمين العقارات بموجب محضر التخمين المسجل برقم 6516 والمؤرخ في طرابلس في عام 1973.
تعود اليوم قصة “أرض الشلبة” الى الواجهة، بعد أن شيّد أبناؤها أكثر من 350 بناءً، بين منزل وسطح ومحل تجاري، على مرأى من أجهزة الدولة، الى أن قرر المدعي العام المالي علي إبراهيم، في شهر حزيران الماضي، تسطير استنابات قضائية بحق الأهالي، حوّلها الى فصيلة المنية، التي استدعت بعضهم عبر الهاتف، «بحجة توقيع تعهّد بعدم استكمال أعمال البناء»، وبالفعل، توجه عدد من الأهالي إلى المخفر، ومنهم المواطن أسامة جلول الذي لا يزال موقوفاً في زنزانة مخفر المنية منذ ما يزيد على 20 يوماً. وبحسب مصادر أمنية، فإن المدعي المالي يرفض تحويل ملفات هؤلاء الموقوفين الى قاضي التحقيق، وبالتالي سيستمر توقيفهم في زنزانة مخفر المنية إلى حين بتّ المدعي المالي أمرهم، وهو ما يعدّ «أمراً مخالفاً للقانون»، على حدّ تعبير وكيل الموقوف جلول، المحامي محمود الماروق. وقال لـ”الأخبار” إنه «لا يحق للقاضي ابراهيم إبقاء الموقوف أكثر من المهلة المحددة قانوناً، وهي 48 ساعة تمدّد لمرة واحدة لأسباب موجبة ومعللة، والا اعتبر الموقوف في حالة «توقيف اعتباطي»، وهو ما يحصل مع موكلي، حيث يصرّ المدعي المالي على إبقاء الملف مفتوحاً، ما يحول دون تحويله الى قاضي التحقيق، وهو أمر يعدّ مخالفة قانونية واضحة، إذ يجب على المدعي المالي تحويله فوراً الى قاضي التحقيق ومن دون أي تأخير».
قبيل السادس من أيار (موعد الانتخابات)، حاول مقرّبون من تيار المستقبل إشاعة خبر مفاده أن المرشح عن تيار المستقبل عثمان علم الدين (النائب حالياً) يسعى لدى الجهات الأمنية والسياسية لتغطية البناءات المشيدة، لكن علم الدين ينفي ذلك جملة وتفصيلاً، ويقول «حين سألني الناس كنت أقول لهم إنه في المنطق الطبيعي في لبنان، تحصل مخالفات بناء، عند كل موسم انتخابي أو خضة أمنية، ولكن لم أتبنَّ أي مخالفة حصلت”، وأشار إلى أن مجموعة من المحامين بدأت بإعداد ملف قانوني عن هذه الأرض لمتابعتها مع الجهات القضائية، حتى تعود ملكيتها لأصحابها.
وكشف علم الدين أن القاضي علي إبراهيم أبلغه أن القضية تحل فقط حين تزال المخالفات، فردّ علم الدين: “إذا فلتتساوَ جميع المناطق في إزالة المخالفات، ما خلق جواً من التشنّج في الجلسة، دفع علم الدين الى مغادرتها.
وعلمت “الأخبار” أن عدداً كبيراً من أهالي المنية سيعمدون يوم الجمعة المقبل الى قطع الاوتوستراد الذي يصل طرابلس بالمنية وعكار، وسينفذون اعتصاماً حتى إخراج الموقوفين من السجن.