خبر

«انتحاريان» في الضنية وصيدا

ليا القزي – الاخبار

 

 

جهاد الصمد وأسامة سعد، هما النائبان «السُنيان» الوحيدان اللذان لم يُسميا سعد الحريري رئيساً للحكومة. خاصما تيار المستقبل، قبل وبعد الانتخابات النيابية، وبقيا مُتجانسين مع خياراتهما السياسية، بعكس «زملاء» آخرين لهما، يعودون في كلّ مرة إلى تبنّي خيار الحريري، بحجّة «وحدة الصفّ»

«هيدا الرجل يللّي بيلبس قميص نصّ كمّ، وعندو ذقن. عرفتو؟». السؤال، سَبَق الدعوة «التحريضية»، لعدم الاقتراع لهذا «الرجل» خلال الانتخابات النيابية. الجُملة لسعد الحريري، حين توجّه إلى أبناء الضنية، في الـ2005، داعياً إيّاهم إلى حجب أصواتهم عن جهاد الصمد. منذ سنوات، وتيار المستقبل يُصوّب على «زعيم الضنّية»، الذي نال 11897 من أصوات منطقته في 6 أيار 2018. هو، بلغة «المستقبل»، سوري الخيارات السياسية، وجزءٌ من «سنّة 8 آذار». رُبط اسمه بالحقبة السورية، على رغم أنّه خلال الانتخابات النيابية في الـ2000، واجه خيار غازي كنعان، وترشح ضدّ اللائحة التي ترأسها النائب السابق عصام فارس… ونجح. الصمد ليس وحيداً. «الحرب» نفسها، يتعرّض لها باستمرار أسامة سعد في صيدا. حُجّة آل الحريري لتجييش الناس ضدّه، أنّه يُريد بتحالفه مع المقاومة، تغيير هويّة صيدا. تهويل طائفي ضدّ ابن العائلة الوطنية. قَبلَ الدكتور أسامة، كان شقيقه الراحل مصطفى سعد، عرضةً لسهام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. في دورتَي الـ1992 والـ1996، لم يُوفّر رفيق الحريري جُهداً إلّا وبذله مع «حلفائه» السوريين، من أجل حرمان مصطفى سعد من النيابة، بذريعة أنّه «عرفاتي». سعد ليس الأول انتخابياً في صيدا، كما هو الصمد في الضنية، ولكن لا يُمكن القفز فوق الـ9880 صوتاً التي نالها خلال الانتخابات الأخيرة (مُقابل 13739 لبهية الحريري)، والحالة الشعبية التي حافظ عليها، على رغم التضييق والتجييش اللذين يمارسان ضدّه.

أمورٌ عدة، أخرى، تجمع بين الصمد وسعد. هما سليلا عائلتين، وصلتا إلى البرلمان عام 1957 بعد تغلبهما على البكوات والملّاكين في الضنية وصيدا. أسامة سعد نجل «البستانجي» معروف سعد، لم يشذّ يوماً عن نصرة الفقراء، ولم تكن النيابة إلا وسيلةً لخدمة «بلده». جهاد الصمد، ابن «الفلاح» مرشد الصمد، «كاسر» إقطاع آل الفاضل في الضنية، بالتعاون مع والد أحمد فتفت. لم يرث جهاد النيابة فقط، بل راكم حضوراً خدماتياً وتواصلاً مع أبناء الضنية، عزّزا رصيده الشعبي. حالاتان مناطقيتان، تؤرقان تياراً سياسياً يمتد على كامل الأراضي اللبنانية. صلابتهما وثباتهما على موقفيهما، أبرز نقاط قوتهما. فضلاً عن أخلاقهما السياسية، ومواقفهما الوطنية الواضحة والصادقة.

الخلاف بين الصمد وسعد من جهة، وتيار المستقبل من جهة أخرى، لا يرتبط فقط بـ«الزعامة المناطقية»، ورغبة آل الحريري بـ«الاستئثار» بتمثيل الطائفة السنية. العروبة، سبب «جوهري» أيضاً. عنوان العروبة، كما يراه سعد والصمد، ليس إلا فلسطين والمقاومة. في حين أنّ تيار المستقبل، وحتّى بقية «المُستقلين» داخل الطائفة السنية المُعارضين للتيار الأزرق، يعتبرون أنّ عروبتهم تمرّ من البوابة السعودية الإلزامية. بعد أن «سيطرت» الرياض على القرار السياسي «السنّي» – العربي، خلفاً لمصر عبد الناصر، أصبحت ملاذاً وسقفاً سياسياً، لمعظم العائلات والأحزاب اللبنانية، ذات الغالبية السنيّة. قد يكون آل كرامي وعبد الرحيم مراد، استثناءً في ذلك. فهما يعتبران سوريا والمقاومة وفلسطين، عنواناً لهذه العروبة، من دون أن يقطعوا شعرة معاوية مع السعودية.

لا يعني ذلك، وجود تكاملٍ في الموقف السياسي بين سعد والصمد. الأخير، مؤمن بـ«الخطّ» من خلال عنوانه العريض. يُعتبر حليفاً للقيادة السورية ولحزب الله، ولكنّه لا يخوض حرباً «أيديولوجية» ضدّ الحريرية السياسية. همّه الأكبر أن ينال أبناء الضنية حقوقهم. ولا مشكلة لديه، في نسج علاقة «طبيعية» مع سعد الحريري، شرط أن تكون من الندّ إلى الندّ. فلا يسمح لرئيس الحكومة، أن يتعدّى على كرامته، ويُقلّل من «قيمته». في المقابل، يأخذ الخلاف بين أسامة سعد وتيار المستقبل، بُعداً «عقائدياً». نجل معروف سعد عزّز زعامة، وُلدت من رحم قومي – اجتماعي، مُلتصقة بمشروع الفقراء. وهو ما يضع سعد، حتماً، بمواجهة رفيق الحريري، وورثته. مِن الهمّ الاجتماعي ينطلق سعد، نحو الهدف الأسمى: العروبة والفكرة الوطنية الجامعة. هو حليف المقاومة، من دون أن يجعله ذلك مُلتصقاً بها أو بالقيادتين السورية أو الإيرانية. سعد مُتفلّت من أي إطار ديني، لا بل ينبذ كلّ محاولات التأطير السني أو جعل «السنّة» كتلة مجموعة على أساس طائفي. إنّه سببٌ إضافي ليكون سعد «مؤدلجاً» ضدّ ما، ومن تُمثّله سياسة الحريري، وصولاً إلى المناداة بالتغيير الديموقراطي.

يوم الجمعة الماضي، تقاربت مواقف الصمد وسعد، حدّ التقائهما في نقطة مُعينة. أحجما، خلال الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة، عن تسمية سعد الحريري. غرّدا بعيداً عن النواب الثمانية الآخرين، الذين يُمثلون الطائفة السنية، من خارج حصّة تيار المستقبل. قرار «انتحاري»، في لحظة «توافق وطني». نائب الضنية، أدار الأذن لكلّ النصائح التي وُجّهت إليه، بأن لا يُقدم على خطوةٍ قد تكون حائلاً أمام تسميته وزيراً في الحكومة العتيدة. ولكن بالنسبة إلى الصمد، هو خاض معركة انتخابية ضدّ تيار المستقبل، أثبت خلالها «جدارته». نتيجةٌ دفعت فؤاد السنيورة إلى الاتصال به للتهنئة، مثل سياسيين آخرين… باستثناء الحريري. فلماذا نُسلّف رئيس تيار المستقبل موقفاً إيجابياً، فيما هو يسعى إلى تغييبنا ولا يعترف بحجمنا ولا يقف على خاطرنا؟ هذا كان رأي الصمد من تسمية الحريري. أمّا أسامة سعد، فلم يترك مرّة «المنطق السنّي» يتحكّم بخياراته وقناعاته الوطنية. رفض سابقاً الانتماء إلى أي تكتل عنوانه طائفي، وبالتأكيد لن يُسمّي خصمه السياسي، رئيساً للحكومة، تحت أي حجّة طائفية. موقفٌ ينسجم مع تاريخ الرجل، إلا أنّه لم يمرّ على سلام. سريعاً، انطلقت حملة مُنظمة من تيار المستقبل – صيدا ضدّه، لا تستهدف أسامة فقط، بل تتطاول على الشهيد معروف سعد.

أهمية خطوة الصمد وسعد، أنّهما يواجهان خياراً محلياً – إقليمياً. في حين برزت ازدواجية في مواقف نجيب ميقاتي، عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي… وكلّ «المُستقلين السنّة» الآخرين. يُريدون مُحاربة آل الحريري وفرض «الشراكة» على الساحة «السنّية». يطرحون أنفسهم «زعماء»، يصل طموحهم إلى مستوى رئاسة الحكومة. ولكنّهم، عند أول استحقاق، لا يشذّون عن «الصف السعودي»، كلّ لحساباته الخاصة به… يُعيدون تسمية الحريري، مُعززين دعائم «زعامته» عليهم، إلى حد إنكاره لهم ولأصل وجودهم!