حاول النائب القواتي جورج عدوان، أمس تأطير خيار الورقة البيضاء، في انتخاب رئاسة المجلس النيابي، في خانة «المبدئية»، متحدّثاً في السياق ذاته عن محاولات لـ«عزل القوات». هي ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها «الآخرون» عزل القوات، لكن، على الأقل خلال العام الأخير، لم يكن نبيه بري ولا حتى حزب الله، في خانة أولئك «الآخرين».
قبل أشهر، وعطفاً على ما تردد عن «مساهمة ما» لرئيس حزب القوات سمير جعجع في «واقعة الرياض»، لا بل قبل ذلك بقليل، تبدّت رغبة جدّية لدى كل من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والرئيس سعد الحريري، بإجراء تعديل حكومي، يستهدف إخراج القوات اللبنانية من الحكومة، مع إخراج بعض «المزعجين» أو «الفاشلين» من وزراء «التيار». لكن المفاجأة التي واجهت الحريري وباسيل، جاءتهما من حيث لا يتوقعان. اعترض بري وحزب الله ووقفا في وجه محاولات «عزل القوات»، لا حبّاً بجعجع طبعاً، بل حرصاً على الحكومة والاستقرار ورفضاً لعزل أي مكوّن في البلد.
بعد الانتخابات النيابية، بدا بري عازماً على تشكيل ائتلاف نيابي كبير مع حلفائه، يهدف إلى حفظ الاستقرار بكل مندرجاته، وتوجيه رسالة لمن يظنّ أن باستطاعته التفرّد في الحكم، سواء وحده بإعادته عقارب الساعة إلى الوراء أو من خلال «ثنائية سياسية جديدة» (تحالف الحريري وباسيل). بدا في مناخ الانتخابات الرئاسية أولاً والنيابية ثانياً، أن المواجهة غير المحسوبة، التي افتعلها باسيل مع بري، أعطت جعجع هامشاً للتمدد.
في الأسبوعين الماضيين، استشعر الرئيس ميشال عون خطر «التطويق» الذي جناه باسيل على العهد. لمسات الأمين العام السيد حسن نصرالله و«أطيافه» بدت واضحة، من زيارة بري لبعبدا، كما في إفطار أمس الرئاسي في القصر الجمهوري، وأيضاً في الأجواء الإيجابية بين الرئيسين عون وبري. انعكس ذلك ارتفاعاً في عدد نوّاب كتلة لبنان القوي الذين اقترعوا لبري في جلسة الانتخاب. كلّما اقترب بري وعون، ابتعد جعجع. وبدل أن يطوّق جعجع برّي «أخلاقياً» بمنحه أصوات كتلته، قرّر، خلافاً لرأي عددٍ لا بأس به من نوابه، السير بالخيار السعودي، واللجوء إلى ما سمّاها جورج عدوان «مبادئ»، الأرجح أنها لن تنفع، حين يقرّر عون والحريري عزل القوات جديّاً في الحكومة المنتظرة. ربّما، شرح النائب أنيس نصّار أول من أمس لبري، سبب خيار القوات، التي بدل أن تواجه عزلها في تشكيلة هيئة مكتب المجلس بالانفتاح، قررت أن تخسر آخر الرافضين لعزلها. غداً، باستطاعة الحريري أن يتذرّع أمام السعوديين بمواقف «الآخرين»، ولو كان هو منهم.
وبالمناسبة، السعودية خاسر آخر غير جعجع في مشهد أمس. على المستوى الإقليمي، قال بري إن لبنان سيواجه «صفقة العصر»، وعلى المستوى المحلّي، شاهد القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري كل الذين سعت السعودية طوال السنوات الماضية إلى إبعادهم عن المجلس النيابي من حلفاء سوريا، يسرحون ويمرحون في مجلس النواب. وبين القبل التي طبعتها النائبة بولا يعقوبيان على خدّ النائب جميل السيد، والسفير السوري علي عبد الكريم علي في إفطار بعبدا، حضر نادر الحريري وغاب جعجع، الذي أُعد الإفطار السعودي في اليرزة «على شرفه» قبل أيام، فجلس في منصة لم يكن فيها من اللبنانيين إلا «الرؤساء»… وهو منهم!