خبر

«زلغوطة» لبري… وسلفي مع حفيده

إيلي الفرزلي – الاخبار

مُحبّو الرئيس نبيه بري ليسوا مضطرين إلى كبت فرحهم بانتخابه. الأغلبية الساحقة من موظفي مجلس النواب أو شرطة المجلس يدينون بالولاء له. أمر لا يخجلون بالمجاهرة به، ولا يعدّونه متناقضاً مع وظائفهم. لذلك، يكون طبيعياً أن تعمد موظفة إلى حشر نفسها حشراً بين الجموع المحتشدة على أحد الأبواب المطلة على القاعة العامة لمجلس النواب، علّها تشهد لحظة انتخاب «الرئيس» للمرة السادسة.

ما كاد رئيس السن النائب ميشال المر، يُعلن فوز بري برئاسة المجلس، حتى خرجت «الزلغوطة» عفواً من فم الموظفة هلا شميس. حاول أحد زملائها أن يضبط انفعالها، وهو من المعنيين بحفظ الهدوء عند ذلك الباب، لكنها عاجلته بعبارة: هيدا الرئيس. كررت «الرئيس» مراراً وتكراراً بفرح لا تتسع له قاعة المجلس، فما كان من زميلها إلا أن بادلها بالتهنئة والفرح. لم يتأخر زملاء آخرون في السير بركبهما. صور الرئيس العائد إلى مقعده زيّنت هواتفهم من دون أن ينسوا أخذ السلفيات مع المجلس، إن لم يستطيعوا إدخال بري في الكادر.

كاد فرح هلا شميس ينتشر في كل القاعات. ظلت حاضرة في بهو المجلس. تنتقل مع زميلاتها من نائب إلى آخر، ليتصورن معه سلفي. إحداهن اكتشفت للتو أن حفيد الرئيس بري موجود أيضاً. وهو شاب في مقتبل العمر وجد نفسه سريعاً قبلة أنظار «المريدات». تحلّقن حوله وتناوبن على أخذ السلفي معه، فيما بدا الخجل على محيّاه من خلف الابتسامة اللبقة التي كان يرسمها.

أهلاً بزمن الوصاية… و«سعادة النائب»

تسأل المراسلة التلفزيونية الوزير ملحم رياشي عن مدى صحة ما يقال عن عودة «زمن الوصاية» إلى الندوة البرلمانية، وعن توافق الحد الأدنى في الجلسة، فيجيبها بهدوئه المعتاد: الجو هو جو وئام… كل الحب كل الغرام. لكن سؤال المراسلة لا يخرج من فراغ. ليس سراً أن صورة المجلس تسجّل انتصاراً واضحاً لحلفاء سوريا في لبنان. هؤلاء أنهوا، بوجودهم أمس في القاعة الكبرى، مفاعيل ثورة الأرز. بدا ذلك أمراً واقعاً في فرح الصحافيين الحزبيين العاملين في وسائل إعلام 8 آذار. قال أحدهم ممازحاً زميله: أهلاً بزمن الوصاية.
إيلي الفرزلي «رمز الوصاية السورية» وصديقها الوفي في لبنان حتى عندما كانت صداقتها تهمة، عاد إلى موقعه في نيابة رئاسة المجلس، بالرغم من فيتوات متعددة، حسمها الرئيس نبيه بري بمباركته انضمام الفرزلي إلى لائحة عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي.

برم الدولاب وعاد الاشتراكي، الذي تخطى المستقبل في رفض انضمام الفرزلي إلى لائحتهما في البقاع الغربي، ليصوِّت له نائباً لرئيس المجلس. ردّ التحية كان سريعاً من الفرزلي، الذي شكر وليد جنبلاط على موقفه، مبدياً استعداده للتعاون مع «اللقاء الديموقراطي»، وأكمله أمس معتمداً على سياسة القبل التي يجيدها جيداً، وكانت هذه المرة من نصيب تيمور جنبلاط. وحده نهاد المشنوق انسحب من الجلسة أثناء انتخاب نائب الرئيس، ليعلن لاحقاً أنه لن يشارك «في جلسة تعيد واحداً من أهم رموز الوصاية السورية نائباً لرئيس مجلس النواب، لأنّ هذا الانتخاب عنوان سياسة مقبلة على لبنان في الحكومة المقبلة، ولو بالتدرّج». لكن هل المشكلة في منصب نيابة الرئيس حصراً؟ وماذا عن الرئيس بري الذي قال المشنوق إنه انتخبه تعبيراً عن «ميزان الوطنية والعروبة الذي حمله دائماً»، وماذا عن حلفاء سوريا الآخرين، الذين صاروا نواباً، وبعضهم نجح على لوائح المستقبل أو ساهم هو أحياناً بالصلحة بينهم وبين سعد الحريري (نموذج عبد الرحيم مراد)؟ لهذا كله يبدو موقف المشنوق أقرب إلى رسالة إلى ذوي القربى. إلى الحريري تحديداً، الذي سهّل، عملياً، انتخاب الفرزلي، بدل أن يقوم بما قام به المشنوق وأكثر.

يكون الحريري قد سهّل، عملياً، انتخاب الفرزلي، بدل أن يقوم بما قام به المشنوق وأكثر

كانت العين على نهاد المشنوق منذ لحظة وصوله إلى ساحة النجمة، حتى لحظة مغادرته الجلسة. ما إن نزل من سيارته، حتى انهالت عليه أسئلة الصحافيين. لا موضوع أهم من مستقبله في كتلة المستقبل والعلاقة المتوترة مع رئيسها. مصوّر «المستقبل» وقف عند العارضة إلى جانب درج المجلس ينادي المشنوق بصوت عالٍ. هدفه المعلن لفت انتباهه حتى يتمكن من التقاط صورة له. لكن سرعان ما يتبين أن الهدف ليس بريئاً. الشاب يركّز على مناداة المشنوق بـ«سعادة النائب». يكررها مرات عدة بسخرية. زميل آخر يسانده. هو الآخر ينادي «سعادة النائب» وينظر إلى زميله ليتبادلا الضحك معاً، وعلى مرأى من كل الصحافيين.

الأكيد أن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال كان يدرك أن طريقة إزاحته من الحكومة لم تكن لائقة. لمّح إلى ذلك في تغريدته أول من أمس، حين قال إنه لم يتبلغ رسمياً من تيار المستقبل قرار فصل النيابة عن الوزارة و«لا أقبل بإبلاغي عبر الإعلام». ربما كان هذا الحدث سيفرض نفسه على أحاديث النواب معه، ففضّل الانسحاب. فلو كان انتخاب الفرزلي هو المشكلة، لكان سهلاً أن ينتخب أنيس نصار أو يختار الورقة البيضاء، ثم يعود بعد الجلسة ليوضّح ما يشاء عن خلفية موقفه. لم يفعل ذلك. وهو لولا أنه يريد أن ينتخب الرئيس نبيه بري لما توجه إلى المجلس أصلاً.

6 نواب للمجتمع المدني

كان يمكن الورقة التي حملت اسم نادين لبكي في انتخابات رئاسة المجلس أن تمرّ من دون معرفة مصدرها، لكن تصرّف الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، حوّل بولا يعقوبيان إلى نجمة الجلسة.
هو قرر من عنده أن يضبط الإيقاع وأن لا يشوه لحظة انتخاب بري كما حدث أثناء انتخاب رئيس الجمهورية. تعامل مع الورقة التي صودف أن فتحها سامي فتفت بتجاهل تام. كأنها لم تكن. عدّ الأوراق البيضاء وتلك التي تحمل اسم بري ولم يتطرق إلى ورقة نادين لبكي. اضطرت بولا لكشف وجهة تصويتها، خارقة مبدأ التصويت السري، لأنها ببساطة لم تجد صوتها. وعندما اعترضت لم يكن أمام ضاهر سوى الإشارة إلى أنه لم ينتبه للورقة، فيما استخف عدد من النواب باعتراضها. اضطر بري على الأثر إلى القول: «معها حق بولا»، وإن أشار إلى أنه لا يجوز انتخاب أحد من غير النواب.
ليس النقاش متعلقاً بصوابية قرار بولا تسجيل موقف من خلال ورقة الاقتراع، بل في حقها أن لا يضيع صوتها، الذي كان يفترض أن يُقرأ ويلغى، كما قالت، أو على الأقل أن يعلن وجود ورقة مُلغاة أثناء الفرز، لا بعد أن اعترضت. لذلك، أثناء فرز أوراق الاقتراع الخاصة بانتخاب نائب رئيس المجلس، اضطر الأمين العام إلى رفع الصوت عند قراءته ورقة بولا يعقوبيان: «نادين لبكي ضرب 2».
يعقوبيان ستواجه في السنوات الأربع المقبلة الكثير من المواقف المشابهة. المجتمع المدني طارئ على معشر مجلس النواب، كما كان طارئاً على الانتخابات النيابية، بغضّ النظر عن اختلاف الآراء بشأن مقدار تمثيل يعقوبيان لهذه الفئة. لكن ثمة حقيقة مفروضة على الأفرقاء السياسيين لن يستطيعوا تجاهلها. بحسب «الدولية للمعلومات»، تشير أرقام المجتمع المدني إلى حصوله على 97 ألفاً و376 صوتاً، منها 39 ألفاً و75 صوتاً للوائح كلنا وطني وحدها. هذا يشكل 7 بالمئة من إجمالي المقترعين. وهذا يعني أنه لو اعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، لكان المجتع المدني قد حصل على 6 نواب (الحاصل عندها سيكون 14200 صوت).

هل يمكن أن يتنبأ أحد بما يمكن أن يحقق هؤلاء بعد أربع سنوات. تبدو الإجابة صعبة حالياً، لكن الأكيد أن الانتخابات التي أظهرت تراجعاً كبيراً في تأييد أحزاب عريقة مثل «الكتائب» و«الشيوعي» و«القومي»، واضطرت آخرين إلى الاستنفار مذهبياً وسياسياً، تعطي مؤشراً إلى ما يمكن أن يحصل، خاصة إذا استمرت أحزاب السلطة في الابتعاد عن الناس.