خبر

باسيل: لبنان مؤتمن على القدس بتنوعها بحكم نموذجه الإنساني التعددي

القى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل كلمة لبنان في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الاسلامي التي تعقد في اسطنبول وجاء فيها: “
السيد الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،
سيداتي سادتي،
العزاء لأهل فلسطين، والتحية الكبيرة لتركيا ورئيسها على موقفه من القدس ولدعوتنا، ولكن بعد أشهر على إجتماعنا هنا في ديسمبر 2017، ماذا فعلنا؟ أين أصبحنا؟ القدس أصبحت أكثر بعدا، والظلم أضحى أكثر فتكا، الأميركي نفذ وعده بعد أكثر من مئة عام على تنفيذ الإنكليزي لوعده، والإسرائيلي في الحالتين نفذ بطشه.
لماذا؟ لأننا لم نفعل سوى البيانات الورقية والخطابات الخشبية، ولم نفهم أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير ارضنا وإستعادة حقوقنا وكرامتنا، كما فعل لبنان الصغير وحيدا بين أشقائه الكبار.
لم نفهم لدرجة أن إسرائيل إستهزأت بنا جميعا وبالشرعية الدولية وإختارت الذكرى السبعين للنكبة لإفتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس، وتعمدت أن تنكبنا مرة أخرى برقصة موت وقهقهة إجرام، فتقتل عمدا، أمام مرأى مجتمعٍ دولي متآمر، وبدم بارد، وبرصاصٍ متفجر، مواطنين فلسطينيين عزل في ظهورهم، وعلى حدود أرضهم في غزة.
ليس صدفة أن تختار إسرائيل هكذا زمان ومكان لترتكب عن قصد مجزرة موصوفة وجريمة حرب ترتقي الى جريمة ضد الإنسانية بقتل جماعي متعمد لمدنيين مسالمين،
لماذا؟
لأنها فعلتها مرارا، وفي سنة 2014 بادر لبنان الى تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، رغم كونه ليس عضوا فيها، ولم يجد دولة واحدة تسانده فيها؛ فلم تتحرك العدالة بل تحركت آلة القتل الإسرائيلية مجددا.
ولبنان، البارحة، بادر حيث لا يجرؤ أحد غيره، وتقدم (بإسم فلسطين والعرب والمسلمين والمسيحيين والعالم الحر) بشكوى بمثابة إخبار الى المحكمة الجنائية الدولية بعدما أصبحت فلسطين عضوا فيها بواسطة المدعية العامة لديها، “فاتو بنسودا”، بما يسمحه نظامها بملاحقة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. فهل سيجرؤ أحد هذه المرة على مساندة فلسطين بإجراء فعلي غير كلامي، أو سنستمر بإعطاء براءة الذمة لاسرائيل بقتل شعبنا وسلب مقدساتنا؟
والسؤال الأصح هل سيجرؤ المؤتمر الإسلامي على تبني شكوانا أو تقديم شكوى دولية، وأشكالها كثيرة، لإحقاق العدالة الدولية؟
سؤال يطرحه عليكم هذا المسيحي المشرقي الآتي من وطن الأرز ممثلا لفخامة الرئيس العماد ميشال عون، الرئيس المسيحي المشرقي الوحيد في الأمة العربية والمؤتمر الإسلامي؛ نطرحه كوننا أبناء أرض مقدسة، وقد حسمنا إنتماءنا وهويتنا ودفعنا الأثمان من أجل حريتنا وتحرير أرضنا وندافع اليوم عن قدس “أقداسنا”، ما يعطينا الحق لقول كلمة الحق في قضية فلسطين.
سيداتي سادتي،
القدس هذه المدينة المقدسة، التي مشى على ترابها الأنبياء وتعايشت فيها الأديان السماوية، لا يمكن أن تصبغ بلون واحد وأن تخطف بلحظة ضعف عربية، فالهوية لا يمكن سرقتها والتاريخ لا يمكن محوه والجغرافيا ثابتة لا تتحرك، والقدس يمكن إنقاذها وإنقاذ أنفسنا معا، إذا قمنا معا بإنتفاضة سياسية، اقله، إذا إستعظم البعض الإنتفاضة الشعبية، تؤدي إلى وقف سياسة القضم التي تنتهجها إسرائيل بالحجر، كنيسة بعد كنيسة، ومسجدا بعد مسجد، وشجرة زيتون بعد شجرة زيتون، وقطعة أرض بعد أخرى، وبالبشر كهلا بعد كهل أو شابا بعد شاب، وطفلا بعد طفل، فالبارحة إغتصبت فلسطين، واليوم القدس، وغدا إحدى مدنكم، فإما نقف معا الآن، وإلا الخسارة تكبر كل يوم.
ووقفتنا معا ما هي إلا سياسية وقانونية، مستندة إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 47 حول أن أي قرار لدولة إسرائيل ” بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس الشريف قرارا غير قانوني ومن ثم لاغيا وباطلا وليست له أي شرعية على الإطلاق”.
وإلى قرارات مجلس الأمن (298/1971 و478/1980) حول ” أن الإجراءات الإدارية والتشريعية كافة التي قامت بها إسرائيل في القدس…. هي غير شرعية”، ولنعمد إلى الإنتقال من وضع القدس المعلق أو المدول والمعترف به من البعض عاصمة لدولة إسرائيل إلى إعتبارها عاصمة لدولة فلسطين.
لتكتمل المشهدية القانونية في وضع القدس، من خلال صدور القرارات التالية عن إجتماعنا:
1- إقامة دولة فلسطين على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، وإقامة سفارات لدولنا في فلسطين على هذا الأساس.
2- مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعتبار دولة فلسطين مستقلة ومعترف بها دوليا بحدود ال67 وإعلان القدس عاصمتها، إضافة الى قرار بوقف بناء جدار الفصل والعزل العنصري من قبل إسرائيل ( في ضوء الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 2004.)
3- التقدم بشكوى لدى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة الأميريكية وهي عضو فيها، لإعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعلان بطلان هذا القرار الأحادي لمخالفته القانون الدولي.
كل ذلك مع التأكيد على مبادرة السلام العربية في قمة بيروت لجهة القدس عاصمة لفلسطين وحق العودة كجزء لا يتجزأ منها.
سيداتي سادتي،
وتبقى مسألة المقدسات، فالقدس ينبوع الحياة للمسيحيين، وبحسب المطران خضر،
“هي إن ذهبت فهذا قتل آخر ليسوع الناصري، فدمه إنسكب على هذه الأرض من خشبة الصليب” والقدس فيها كنيسة القيامة وقبر المسيح وطريق الجلجلة، كنه عقيدتنا الأيمانية، وفيها المسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين، بالنسبة لكل مسلمي العالم وليس لأهل فلسطين فقط، وهي مهد الديانات السماوية الثلاث، وليست مسرح هدم ديانتين بتهويد الأرض للثالثة.
من هنا فإن لبنان الرسالة، مؤتمن على القدس بتنوعها، بحكم نموذجه الإنساني التعددي، وهو علمته تجربة الدماء والأحزان، ان إسرائيل لا تفهم إلا بمنطقها، فإن نأخذ تدابير رادعة يحسب لها ألف حساب وتجبر إسرائيل على التراجع، وإما نحن في تراجع دائم نحو أمة مفككة بصراعات إسلامية-إسلامية، لا تليق بالدين الحنيف وتقضي علينا.
إذا ذهبت القدس، نذهب جميعا معها!!! ونحن إخترنا أن نبقى معها منشدين مع فيروز: “لأجل من تشردوا، لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع وأستشهد في المداخل، واستشهد السلام في وطن السلام، وسقط الحق على المداخل حين هوت مدينة القدس”.