ملاك عقيل – الجمهورية
إنتهت الانتخابات. بدا كأنّ صفحةً بكاملها تُطوى لتُفتح أخرى. الرئيس سعد الحريري باشر «نفضته» من الداخل وتدريجاً يتمدّد بسياسة المراجعة الذاتية في اتّجاه حلفائه المفترَضين. فجأة حطّ رئيسُ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في «بيت الوسط» ليعلنَ لاحقاّ النائب غطاس خوري «أنّ المياه عادت الى مجاريها». لكن ماذا عن الحريري والنائب وليد جنبلاط؟
حتى أيام قليلة من فتح صناديق الاقتراع في 6 أيار كان زعيم المختارة لا يزال يردّد «ليس لي حليف في هذه المرحلة سوى رئيس مجلس النواب نبيه بري».
المفاوضات حول قانون الانتخاب، و«الغرف السرّية» التي ساهمت في حياكة آلية الانتخاب وبعض تقسيمات الدوائر، ثمّ الانتخابات وتحالفاتها مروراً بـ«حلف» الحريري مع «العهد» والوزير جبران باسيل، كلها شكّلت حقولَ ألغام أمام عودة العلاقة الحريرية ـ الجنبلاطية الى سابق عهدها.
ولأنّ جنبلاط ممّن يهوون نشر الغسيل على سطوح «تويتر» لم تكد الانتخاباتُ تنتهي حتى صبّ النارَ على زيت العلاقة المتأرجحة مع الحريري الخارج غيرَ مرتاح الى نتائج «معركة» الصناديق.
جنبلاط المنزعج من إدارة الحريري لحادثة الشويفات، التي أودت بحياة «الاشتراكي» علاء أبو فرج على يد المسؤول عن أمن النائب طلال أرسلان، ضَرب عصفورَين بحجرٍ واحد على بُعد ساعات من إحياء رئيس تيار»المستقبل» «مهرجان النصر» في «بيت الوسط»، فغرّد قائلاً: «غريبٌ كيف أنّ بعضَ الخاسرين يدّعون النصر والبعضَ الآخر يلجأ إلى الضجيج الإعلامي بدلاً من احترام القانون».
سريعاً عاجله الحريري بتغريدة كانت بمثابة «فشَة خلق» قال فيها: «يا ليت يا وليد بك تحلّ عن «المستقبل» شوي وتحطّ كل مشاكلك علينا وشكراً».
لاحقاً، وفي خطوة لافتة بدلالاتها، أصدر «الحزب التقدمي الاشتراكي» بيانَ اعتذارٍ «من رجل الدولة الأول في لبنان سعد الحريري»، موضحاً «أننا لا نرمي مشكلاتنا عليه بل نلفت نظره إلى أنّ ثمّة مشكلة حصلت في منطقة لبنانية إسمها الشويفات تستوجب منه كمسؤول المتابعة لتطبيق القانون والعدالة».
وحرب «تويتر» كانت شهدت جولةً ساخنة قبل أيام من إقرار قانون الانتخاب في حزيران 2017 حين تجاوز جنبلاط الخطوط الحمر واصفاً الحريري بـ»المفلسين الجدد»، متسائلاً «لماذا لا تمرّ كل المناقصات على إدارة المناقصات لمنع حيتان المال وحديثي النعمة والمفلسين الجدد من نهب الدولة وإفلاسها؟».
رئيس الحكومة استخدم «السلاح الثقيل» نفسه، معترفاً بأنه «من المفلسين الجدد، لكني لم آخذ قرشاً من هذا البلد، بينما غيري كَسَب في السابق قروشاً من البلد ويكسب اليوم، سأحاربهم إلى آخر دقيقة، ومَن يريد أن يتعاطى معي على هذا النحو فليبلّط البحر».
عملياً، هناك محاولاتٌ حثيثة اليوم لـ «تبليط» الطريق للقاء المصارحة والمصالحة. وفق المعلومات، لا تزال هناك عوائق ملموسة أمام لقاء زعيم الدروز و»رجل الدولة الأول»!
فالتحالفاتُ الانتخابية بين «المستقبل» و»الاشتراكي» في الشوف – عاليه وبيروت الثانية والبقاع الغربي – راشيا رسّخت التباعدَ بين الطرفين بدلاً من أن تقلّص المسافات، وأزمة أنطوان سعد في البقاع الغربي هي نموذج، مع العلم أنّ زعيمَ المختارة رَفض التحالف مع «التيار الوطني الحر» في كل الدوائر المشترَكة.
وصل الأمر بـ «بك المختارة» الى حدّ اتّهام رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري بإستهدافه واستهداف الرئيس نبيه بري، مصوّباً على رئيس الحكومة «الذي لا يردّ طلباً لجبران»!
هكذا، وفي مقابل مجاهرة جنبلاط بكسر الحواجز مع «حزب الله» والتحالف الى حدّ الإلتصاق ببري كان يشكّك بالخطواتِ الإصلاحية التي ينتهجها «العهد»، ويرمي «الحُرم» على ما يجمع الحريري وباسيل من تفاهماتٍ تحت الطاولة، ويحذّر مسبَقاً من نيّات «خبيثة» لوضع اليد على مقاعد درزية وتحجيم المختارة، ولاحقاً التحذير من «مؤامرة» لافتعال معركة حول رئاسة مجلس النواب من دون أن يحيّد الحريري عنها!
وفق المعلومات، تجري محاولات حالياً لإعادة تقليص المسافات بين الحريري وجنبلاط يقودها بشكل أساس النائب غطاس خوري والنائب وائل ابو فاعور. بالمناسبة، ينفي قريبون من الأخير ما يعتبرونه «إشاعات» طاولت العلاقة بين الحريري وأبو فاعور مؤكّدين أن «لا صحة لها والعلاقة ممتازة بينهما، لكنّ التباعد بين رئيس الحكومة ورئيس «اللقاء الديموقراطي» قد يكون أثّر شكلاً لا مضموناً».
ويؤكّد مطّلعون أنّ حواراً بدأ بالفعل عبر الوسيطين لكنه لم يصل الى نتائج بعد، وإنّ انعقادَ لقاء بين الحريري وجنبلاط مرتبط بنتائج هذا الحوار.
وفيما تؤكّد أوساط جنبلاطية أنّ «السلوكيات» التي رافقت الانتخابات «باتت وراءنا» تلفت الى»أنّ الحوار في بداياته والنقاش مستمرّ ويستند الى تجربة السنتين ونصف السنة للحكومة لجهة الأداء والإنتاجية والعلاقة الثنائية بين الطرفين وتوازن السلطات واتفاق الطائف».
وتذهب هذه الأوساط الى حدّ التأكيد أنّ «هناك موازين قوى جديدة يجب أخذها في الاعتبار، خصوصاً خلال المشاورات الخاصة بتأليف الحكومة وأن لا يكون هناك أيُّ تجاوز للقوى التي أنتجتها الانتخابات».
يدرك جنبلاط أنه خرج من الاستحقاق النيابي بخسائر الحدّ الأدنى إذا ما قورنت بخسائر الحريري. هناك سبعة من أصل ثمانية مقاعد درزية بقيت في يد زعيم المختارة «فيما مقعد طلال أرسلان أبقيناه شاغراً بقرار ذاتي منّا».
وتؤكّد أوساط جنبلاط في هذا السياق «لن نقبل الإضعاف أو التهميش أو المحاصصة على حسابنا. نيل حصتنا وفق حجمنا خط أحمر ولن نقبل بالتنازل تحت أيِّ ظرف. خصوصاً أنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» لعب في الحكومات السابقة دائماً دورَ المسهّل وأحياناً كثيرة على حسابه. اليوم الوضعُ مختلف ولن نتساهل ليس بهدف العرقلة، إنما ترجمة لنتائج الانتخابات التي كرّست نفوذَه داخل الطائفة».
هكذا، وفي حكومة من 30 وزيراً، يطالب جنبلاط، وفق أوساطه بثلاثة وزراء دروز يسمّيهم هو بنفسه، وفي حال المطالبة بوزير درزي من حصته سيطالب جنبلاط بالمقابل بوزير غير درزي. أما في حكومة من 24 وزيراً فسيتمسّك بوزيرَين درزيَّين، من دون التوقف عند نوعية الحقائب «لكن بالطبع لن نقبل بالفتات ولن نرضى بوزارات هامشية».
ووسط تأكيدات الطرفين أنّ اللقاءَ قد لا يكون قريباً بين «الشيخ» و»البيك»، فإنّ مطّلعين يشيرون الى أنّ «لقاءَ فينيسيا» الرباعي برعاية الموفد الملكي السعودي نزار العلولا على هامش الإحتفال بتدشين جادة الملك سلمان بين الحريري وجعجع وجنبلاط في 5 نيسان الماضي اقتصرت مفاعيلُه على «لمّ الشمل» في الانتخابات من دون أن يساهم في إعادة تكوين محور سياسي مضاد لـ «حزب الله» و»العهد».
وأمام تموضعٍ حريريٍّ جديد تلوح مؤشراتُه منذ انتهاء الانتخابات لا يبدو أنّ جنبلاط في وارد الخروج عن وسطيّة لها إمتداداتُها صوب «عين التينة» وقد تكتمل بتحالفٍ نيابيٍّ عريض يروّج له الحليفان.