خبر

بطرس حرب لـ«الأخبار»: لست جزءاً من التركيبة الخليجية

غادة حلاوي – الأخبار

 

 

مع أول جلسة تشريعية يعقدها المجلس النيابي الجديد، سيفتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري «الشيخ بطرس»، ومثله من «زملاء مشرعين»، يتناقص عددهم مع كل دورة انتخابية. لهذا السبب، كان بري أول المتصلين بالنائب بطرس حرب، مبدياً كبير أسفه لخسارته. حرب الذي وضع ما سمّاه «سوء تقدير» حداً لمسيرة نيابية استمرت زهاء 46 عاماً، قرر العودة إلى قواعده الأولى لممارسة مهنة المحاماة التي أطلقته في بداية مشواره السياسي .

في عام 1972، ترشح المحامي بطرس حرب ابن الثامنة والعشرين عاماً للمرة الأولى إلى النيابة ضمن لائحة مشتركة جمعته بمرشح حزب الكتائب جورج سعادة في قضاء البترون، وكتب لهما النجاح. في عام 2018، يغادر ابن الرابعة والسبعين عاماً المجلس النيابي، مُتوجاً تجربة سياسية ــــ برلمانية على مدى أقل من خمسة عقود، انتهت بهزيمته في معركته الانتخابية الأخيرة على لائحة مشتركة تجمعه بالحزب القومي وتيار المردة في دائرة الشمال الثالثة (البترون وزغرتا والكورة وبشري).

على مدى هذه السنوات الست والأربعين (باستثناء حقبة 1992 ــــ 1996، حيث قرر عدم الترشح التزاماً منه بقرار المقاطعة المسيحية)، تبوّأ بطرس حرب الوزارة مرات عدة، ابتداءً من عام 1979 (عهد إلياس سركيس)، فكان وزيراً للتربية مرتين، ووزيراً للأشغال ووزيراً للعمل، وأخيراً للاتصالات. شهدت ولايته في وزارة الاتصالات العديد من المناكفات بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تزاحماً على الخدمات التي يمكن تقديمها إلى أبناء منطقة البترون نفسها. والطريف أن الاتهامات التي كانت تساق ضد حرب في وقت من الأوقات في ما يتعلق بالتوظيفات والخدمات، يسوقها حرب اليوم عندما يتحدث عن «تدخل السلطة الفاضح والفاجر لمصلحة التيار الوطني الحر، أكان توظيفاً أم إدارة أم ضغطاً على عوائل الموظفين والوعود التي أُعطيت بالتوظيف لعدد كبير من الناس».

المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية، خسر معركته في مواجهة باسيل الذي نجح في إزاحته من طريقه، بشراكة كاملة مع القوات اللبنانية. يرفض حرب هذا التوصيف للخسارة: «الظروف ساعدته لكي يربح معركة انتخابية ولم يحيّدني عن طريقه، لأن طريقه مختلف كلياً عن طريقي».

لم يكن أمراً سهلاً نزع عباءة زعامة البترون عن بطرس حرب لمصلحة غريمه السياسي جبران باسيل. الأخير يحاول منذ 13 عاماً انتزاع مقعد نيابي، ليؤسس لزعامة مارونية من عرينه الانتخابي، تجعله الوريث الشرعي السياسي والوحيد لميشال عون. تجربة القانون الأكثري لم تحقق هدفه في دورتين انتخابيتين. القانون الانتخابي النسبي جمع أربع دوائر شمالية في دائرة واحدة، هي دائرة المرشحين الدائمين لرئاسة الجمهورية، وبينهم عضو جديد هو جبران باسيل، لقناعته بأنه من خلال إرساء قاعدة التكتل المسيحي الأقوى، يستطيع إعادة إنتاج معادلة الرئيس الماروني القوي في المرحلة المقبلة.

حجب التفضيلي من الحلفاء
كأن بطرس حرب كان يدرك مسبقاً مردود القانون النسبي عليه، فصوّت ضده في مجلس النواب، ولو سلّم بنتيجته اليوم. هذا القانون سدّ كل نوافد التحالفات في وجهه، وبعدما خاض الانتخابات الماضية، متحالفاً مع القوات اللبنانية، وجد نفسه في هذه الدورة حليفاً انتخابياً على اللائحة ذاتها مع الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة.
أسباب خسارة حرب من منظوره هي الآتية: «في يوم الانتخاب خاف تيار المردة على مرشحه فايز غصن في الكورة، فحماه، وخاف القومي على مرشحه سليم سعادة، فحماه أيضاً». هكذا، حجب الطرفان الصوت التفضيلي عن حرب، فكان ضحية قانون الانتخاب الذي أفقده مقعده النيابي بعدما حجب عنه الأصدقاء والحلفاء صوتهم التفضيلي «بسبب وجودي على لائحة واحدة مع بعض الأحزاب السياسية التي لا يتقبلها مزاج المنطقة». وفق حساباته، خسر حرب ما يقارب 900 صوت تفضيلي، فضلاً عن أصوات القرى الشيعية «التي صبّت أصواتها لمصلحة باسيل بتوجيه من حزب الله»، علماً أن مجموع هذه الأصوات لا يتجاوز الـ 500 بحسب المتابعين.

وفي انتظار ما ستظهره أرقام أقلام القرى والبلدات البترونية، ثمة عوامل كثيرة أساءت إلى العملية الانتخابية برأي بطرس حرب وحولت مسارها أولها، «الدفق الهائل من الأموال في المنطقة من قبل المرشحين الآخرين، إلى حملة التشهير الكبرى التي تعرضت لها من بعض وسائل الإعلام والتي لا تستند إلى أية وقائع».

يرى حرب «أنّ من السابق لأوانه» أن يُجري «تحليلاً علمياً وموضوعياً للنتائج التي حازها في الانتخابات النيابية»، لكن «من دون شك، حصل سوء تقدير للواقع الانتخابي من قبلي». المقصود بـ«سوء التقدير»، هو «تسع سنوات من الانقطاع عن الانتخابات كانت كفيلة بإحداث تغيير في مزاج الناخب، فالوضع المعيشي جعل الناس عرضة لتقبُّل خدمات شخصية لسدّ احتياجاتهم على حساب المبادئ والانتماء السياسي».

لا يؤمن بالطعن
كلّ ما يقوله حرب لن يدفعه إلى التقدّم بطعن في نتيجة الانتحابات. النائب العريق الذي يفاخر بأنه من أكثر الذين ساءلوا الحكومات المتعاقبة خلال مسيرته النيابية، لا يؤمن بالطعن «لأن مجاله واسع جداً». يشرح لـ«الأخبار»: هناك عدد من المحامين يتولون دراسة أصول الطعن من خلال هذا القانون. أسئلة كثيرة تطرح، مثلاً: هل سيقدّم الطعن ضد نتيجة الانتخاب برمتها، أم ضد نيابة شخص معين؟ المحاذيركثيرة، فإذا قُدِّمَ الطعن ضد النتائج سيؤدي إلى سقوط مرشح لا نعرف من هو، وستعدل النتيجة الانتخابية بكاملها، أي إن الخلل في العملية الانتخابية قد لا يصبّ بالضرورة في مصلحة مقدم الطعن.
سبب إضافي يجعل حرب غير متحمس للطعن، وهو نيته منذ بداية العملية الانتخابية الاستقالة من النيابة «إذا كنت قد حللت في المرتبة الثالثة في البترون، فلأنني لا أطمح إلى مقعد نيابي بقدر ما أطمح إلى تأييد الناخبين والوصول إلى المجلس النيابي بالأكثرية المطلوبة، لكن حين أصل بأقلية شعبية ويتقدم غيري عليّ في القضاء الذي أنتمي إليه، فسأستقيل انسجاماً مع قناعاتي».

المرحلة المقبلة
يرصد حرب واقع مجلس النواب المنتخب: عدد المحامين لا يتجاوز العشرة، بينهم عدد قليل يمارس مهنة المحاماة ويُعتدُّ برأيه في التشريع. القسم الأكبر من هؤلاء من حملة شهادات الحقوق، وهذه تشكل كارثة كبرى لناحية ضرب دور المجلس التشريعي وتحوّله إلى مجلس رجال أعمال وأثرياء وأتباع، مهمتهم تنفيذ تعليمات من أوصلوهم إلى الندوة النيابية، وهذا قد يحوِّل عمل المجلس من تشريعي إلى مجرد ساحة للمناكفات السياسية.
أكثر ما أقلقه خلال العملية الانتخابية، وجود لوائح انتخابية للعهد. «بذلك، يجري تحويل رئيس البلاد إلى رئيس لفريق سياسي، ما سيؤدي حتماً إلى جعله جزءاً من الصراع السياسي ورئيساً لتكتل سياسي متصارع مع تكتلات أخرى، وهذا ما سيصيب موقع رئاسة الجمهورية»، واضعاً «مزاعم البعض» بأن يكون لرئيس الجمهورية تكتل سياسي أُسوة برئيسي المجلس النيابي والحكومة في سياق «يتناقض مع كل المبادئ التي يقوم عليها النظام الديمقراطي ويتعارض مع دور رئيس الجمهورية الذي يرعى الحياة السياسية».

الدعم الخليجي للقوات
يستوقف النائب بطرس حرب مشهد سفيري الإمارات والسعودية في معراب، غداة صدور نتائج الانتخابات النيابية. يرى فيه ترجمة للحلم السعودي والخليجي بإعادة تجميع القوى التي تمثل بنظرها توجهها السياسي والتي تمكنت من خلال مساعدة هذه الدول من تحقيق انتصارات ما كانت لتحققها لولا الدعم المالي الكبير الذي حظيت به، وهو ما ظهر بوضوح في الانتخابات والإمكانات المتوافرة التي خيضت المعركة بفضلها. أما لماذا لم تشمله هذه المساعدات كأحد أبرز رموز فريق 14 آذار، فيقول: «لست جزءاً من تركيبة اعتمدتها دول الخليج، ولا أرغب في ذلك. قضيت حياتي السياسية أعمل لمصلحة البلد والتعاون مع كل دولة وجدتُ أنها تعمل لمصلحة بلدي».
عضو لقاء قرنة شهوان سابقاً، وقبله وبعده الكثير من «اللقاءات والأطر السياسية»، لا يستبعد العمل على بلورة تكتل سياسي معارض، ولو أنّ «من السابق لأوانه الحديث عن الأسماء التي يحتمل أن تكون ضمنه»، لأن «الخريطة غير مكتملة في رأسي، خصوصاً أن التحالفات التي حصلت أخيراً حوّلت بعض المستقلين إلى حلفاء مقربين للسياسيين، وهو ما أسفت له كثيراً، ولا سيما في ما يتعلق ببعض الوجوه الجديدة التي كنت قد راهنت عليها».