على الرغم من كل المصائب التي تهطل على لبنان اليوم، وعلى الرغم من الوضع الذي لا يحتمل ساعة تأخير واحدة، قرّر رئيس الجمهورية ميشال عون “لعيون الصهر” تأجيل الاستشارات النيابية أسبوع كامل.
ونال هذا القرار سلسلة انتقادات من الأفرقاء السياسيين الذين اعترضوا على هذا القرار، حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد أنه ضد التأجيل ولو ليوم واحد.
”الصهر المدلّل” وفى بوعده لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري عندما قال له سابقاً، عبر تويتر، “الفلّة مش متل الرجعة”، ولكن في الكواليس، كشفت معلومات ”نداء الوطن” عن أن رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل عرقل التشكيلة بواسطة الرئيس عون لأنه أراد استعادة وزارة الطاقة للتيار أسوةً بعودة وزارة المالية للثنائي الشيعي.
فالمعضلة الأساس، اختصرتها المصادر نفسها بمركزية السؤال الذي وجهه عون للحريري حين قال له: “ما بدك تشوف جبران؟”، وهنا بيت القصيد في تأجيل موعد الاستشارات.
توازياً، كشفت المصادر عن أنّ عون “غمز من قناة حزب الله” في تبرير قراره تأجيل الاستشارات فألمح في اتصالاته إلى وجود “كتل غير مسيحية” أيضاً تطلب مزيداً من الإيضاحات والمشاورات قبل تكليف الحريري، مشيرةً في هذا السياق إلى معطيات تفيد بأنّ الحزب لم يكن معارضاً تأجيل الاستشارات بينما رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان من أشد المتحمسين لإجرائها في موعدها دون تأجيل وأبدى استعداده لمساعدة حكومة الحريري على مستوى المواكبة التشريعية السريعة لقراراتها.
وعلى أثر تأجيل الاستشارات، ساد في “بيت الوسط” أمس صمت لافت، ولم يسجّل للحريري اي خطوة علنية، في وقت تردّدت أوساطه عبر “الجمهورية” في الحديث عن الخطوة اللاحقة التي يمكن ان يتخذها.
ولفتت الى عدم زيارته الرئيس ميشال عون عقب انتهاء جولة وفد كتلة المستقبل على رؤساء الكتل النيابية. وقالت لـ”الجمهورية” انه وقبل أن تنتهي الجولة فوجِئ بالحديث الذي تَنامى إليه من اكثر من مصدر عن نيّة رئيس الجمهورية تأجيل الاستشارات، الأمر الذي دفعه الى الاتصال به مُستَفسراً عن دوافعه الى هذا التأجيل التي تتناقَض مع ما كانت قد أكّدته مصادره قبل ساعات قليلة في اعتبار انها لا تزال في موعدها. وقالت الاوساط نفسها انّ التبرير الذي قدمته مصادر بعبدا لم يقنع الحريري بأي شكل من الأشكال.
وعلمت “الجمهورية” انّ الحريري لم يكن موافقاً ابداً على تأجيل هذه الاستشارات، لا بل اختلفَ مع رئيس الجمهورية ميشال عون على تأجيلها. وانه غير صحيح ما تمّ إعلانه من ان ّبعض الكتل النيابية طلبت التأجيل، لأن لا احد من هذه الكتل طلبَ ذلك، حتى حزب الله الذي حاول التيار الوطني الحر توريطه في أنه ضمناً كان يريد هذا التأجيل، فالحزب لم يطلبه ولم يتدخل وكان قد أكد مشاركته في هذه الاستشارات، وكأقصى حد كان يمكن ان لا يسمّي أحداً كالعادة، علماً أنّ الـ pointage الأوّلي، الذي وضعه الحريري قبل موعد الاستشارات، أظهَر انه يحصل على 55 صوتاً.
وكشفت هذه المصادر عن انّ “الحريري مستاء جداً مما حصل، لا بل “زعلان”، لكنه لم يتخذ موقفاً في ما اذا كان سينسحب من هذا الترشيح ام لا”. وهنا رجّحت المصادر “ان يمضي الحريري في ترشيحه”. لكنها حذّرت من مدة الاسبوع التي اعتبرتها “عامل وقت سيئ”، كون هذه المدة الطويلة يمكن ان تدخلها عوامل ومتغيرات، إذ إنه لو تأجّلت الاستشارات لمدة يومين او ثلاثة لكان الموضوع اقل صعوبة.
وعلى الرغم من “زعله”، نقلت المعلومات عن مصادر الحريري انه “لن يسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة، وكل ما تردد في شأن تحديده مواعيد لذلك غير صحيح، وانه متمسك بتنفيذ المبادرة الفرنسية”.
وذكرت المصادر ان “التأجيل كان بهدف التعطيل ومعروفة الجهة التي تعطل التكليف والتأليف، لكن لا بد من خطوات انقاذية عبر المبادرة الفرنسية التي لا بديل لها في الوقت الحاضر”.
في سياق متصل، أبلغت مصادر مطلعة الى “الجمهورية” انّ ملف تشكيل الحكومة ليس بعيداً من الأميركيين، على قاعدة انّ اي دعم مالي للحكومة المقبلة يحتاج إلى موافقة واشنطن وحلفائها وصندوق النقد الدولي.
وبالتالي، فإنّ اي تركيبة حكومية يجب أن تحظى برضى أميركي اذا أرادت استقطاب المساعدات، وهذا ما يبدو أنّ بعض المعنيين الأساسيين بالتكليف والتأليف يأخذونه في الحسبان، علماً انّ بقاء مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شنكر في بيروت لأيام عدة يؤشر الى انّ مهمته تتجاوز حدود المشاركة في إطلاق مفاوضات الترسيم الى مواكبة تفاعلات الملف الحكومي.
وعلى خط ترسيم الحدود، كشفت مصادر دبلوماسية لـ”الجمهورية” انّ شنكر، في جولته على القيادات اللبنانية التي اختار منها عدداً قليلاً هذه المرة، “حريص على تعميم رسالة القيادة الاميركية التي أبدت ارتياحها الى الاجواء الإيجابية التي عبّر عنها الجانبان اللبناني والاسرائيلي في الإجتماع الاول الخاص بترسيم الحدود البحرية في هذه المرحلة. وكذلك من اجل تجديد الضمانات بما تعهّدت به بلاده ليكون طرفاً مساعداً في هذه المفاوضات واستعدادها للتدخل اذا طلب الطرفان رأيها او تسوية ما في اي اشكال محتمل”.
على خط منفصل، استرعت الانتباه زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى الولايات المتحدة وسط تساؤلات عما ستختزنه من رسائل مباشرة وغير مباشرة على مستوى لبنان والمنطقة.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” عن أنّ ابراهيم على المستوى الإقليمي سيحمل معه رسالة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى واشنطن تتعلق بملف الإفراج عن الصحافي الأميركي أوستن تايس.
أما على المستوى اللبناني، فلفتت المصادر إلى أنه سيكون هناك تأكيد من جانب ابراهيم على ضمان الاستقرار على الحدود الجنوبية، خصوصاً بعد البدء بمفاوضات الترسيم مع إسرائيل.
واعتبرت أنّ ذلك سيكون بمثابة “رسالة غير مباشرة” للأميركيين تؤكد استمرار حزب الله بتغطية مسار المفاوضات على الرغم من اللغط الذي حصل حول مسألة أعضاء الوفد اللبناني المفاوض، مع إشارتها في الوقت عينه إلى أنّ الحزب عندما أخذ علماً من المدير العام للأمن العام بالزيارة الأمنية الأميركية التي سيقوم بها “لم يبدِ رفضاً ولا حماسةً لها” إنما فوّضه القيام بما يراه “مناسباً ومفيداً” في محادثاته مع الأميركيين.