هيام القصيفي – الاخبار
بين انتخابات عام 2005 وعام 2018، تغير أداء التيار الوطني الحر، بعدما أصبح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. لكن التمثيل الشعبي تغير أيضاً ولم يعد «التيار» يحتكر الأصوات المسيحية.
لا يمكن التيار الوطني الحر أن يذهب بعيداً في استثمار فوزه في الانتخابات النيابية، بكتلة قوية للعهد، من دون أن يعيد النظر في حساباته وأدائه منذ أن أقر قانون الانتخاب وحتى إجراء الانتخابات. والمراجعة الدقيقة، عمل حضاري يفترض أن تمارسه كل الأحزاب والقوى السياسية، فهو لا ينتقص من موقعها، بعيداً من أي مداهنة للمسؤولين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الحزب الوزير جبران باسيل، طالما أن النتائج صدرت وأصبح للتيار وللعهد كتلته. أي تقويم للوضع الانتخابي والواقع السياسي للحزب يصبح ضرورياً على أبواب تشكيل الحكومة الجديدة، حتى لا تتكرر أخطاء الحسابات السياسية والانتخابية في الرغبة باحتكار الحصص والحقائب.
فأن يربح تيار العهد وحزبه معركة انتخابية، مع كل الظروف والأدوات الرسمية والأجهزة التي توافرت له، فهذا أقل الإيمان. علماً أن لا أحد كان يتوقع أن يخسر التيار في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. لكن التيار يعرف جيداً، ما هي العوامل التي ساهمت في فوزه، وإن كان البعض يعتبرها صدفة أو تحالفاً مدروساً أو تحمل صفات أخرى.
لا يمكن أن يتخطى التيار الوطني الحر بسهولة ارتدادات الترشيحات وتأليف اللوائح المطاطة وعدم حصر مرشحيه الحزبيين وتحديد خياراته مبكراً، على وضع الحزب الداخلي. فنقل المعركة إلى داخل البيت جعل نواباً أساسيين في الحزب وممن خاضوا معارك سياسية وحزبية، يتواجهون مع بعضهم البعض، ما انعكس على العلاقات الداخلية والشخصية والحزبية، ولا يمكن أن تطوى مع انتهاء الانتخابات، لأن التيار عانى أساساً مشكلات داخلية تنظيمية سابقة للانتخابات ولا صلة لها بالترشيحات.
ويفترض بالتيار الحر مراجعة أرقام النواب المنتخبين بدقة، لا سيما منهم غير الحزبيين ومقارنتها مع أرقام مرشحيه ومرشحي القوى المنافسة. فإذا كان التحالف مع شخصيات معروفة غير حزبية مبرراً، إلا أن بعض من في التيار يعتبر أن ذلك جرى على حساب حزبيين في بعض الدوائر، لا سيما عندما استفاد غير الحزبيين لتعزيز أوضاعهم الانتخابية الخاصة والحزبية على السواء فأخذوا من دون أن يعطوا ما يتوجب إعطاءه. لكن الواقع أن مرشحين غير حزبيين تمكنوا بفعل أصواتهم وماكيناتهم غير الحزبية من تحقيق نسب عالية من التصويت في دوائرهم لم تستند إلى أصوات التيار. وهذا يشكل تحدياً لماكينات التيار الحزبية، لأن قدرة هؤلاء على التفلت من أي استحقاق تكون كبيرة طالما أنهم وصلوا بأصواتهم ولم يتكئوا على ناخبي التيار. علماً أن مرشحين حزبيين في أكثر من دائرة تفوقوا على غيرهم من داخل التيار بفعل أداء وعمل ناشط لسنوات، وأسسوا لحالة متجذرة في التيار لم يصدقها المنافسون الحزبيون.
ولا بد هنا أيضاً من الإشارة إلى ما لم تستطع ماكينة التيار، تحقيقه، بكل أذرعتها الإعلامية والإحصائية والعملانية. إذ إنها لم تكن فاعلة، سواء عبر حركتها البطيئة أو عبر حساباتها غير الدقيقة، الأمر الذي أشاع أجواء فوضى داخل التيار نفسه. فيما كان يفترض التحسب لهذا الأمر، في الأشهر التي سبقت الانتخابات، على رغم أن أحداً من المسؤولين لم يأخذ بالملاحظات العديدة التي أعطيت حول أداء هذه الماكينة.
في جوهر عملية الانتخاب، حقق التيار ورئيسه فوزاً كبيراً وارتفع عدد النواب الحزبيين إلى 18 نائباً، والكتلة إلى 29. لكن هناك التباساً يفترض التوقف عنده. من الواضح أن هناك كتلة نيابية انضمت إلى تكتل لبنان القوي لا صلة لها بالتيار، وصحيح أيضاً أن التيار تمكن من الفوز بحصة حزبية خالصة. لكن التيار فعلياً لم يتمكن من الفوز بأصواته الخاصة إلا في مقاعد محددة وليس كلها، مثل جزين والشوف وعاليه وبعبداً والمتن وكسروان والبترون. وهو احتاج إلى أصوات حلفائه، وهذا أمر مبرر في أي تحالفات انتخابية، كحزب الله في بعبدا لضمان المقعد الماروني الثاني والمستقبل في عكار والكورة وزحلة وبيروت الثانية. إضافة إلى الكلام عن نواب بالصدفة حصدهم التيار بفعل قانون الانتخاب وطريقة احتساب النتائج فيه، كمقعد الكاثوليك في جزين والمقعد الماروني في الشوف والأرثوذكسي في الكورة والأقليات في بيروت الأولى والإنجيلي في بيروت الثانية والعلوي في عكار، ما يعني ضرورة إجراء مراجعة دقيقة لنسبة التمثيل التي حققها التيار وحده وترجمتها سياسياً وشعبياً.
ففي انتخابات عام 2005 حيث انطلق التيار فعلياً في أولى معاركه الانتخابية، تمكن العونيون بفعل أصواتهم من حصد نواب جبيل وكسروان والمتن، كاملة، ما عدا مقعد حزب الكتائب في المتن، إضافة إلى مقاعد في زحلة. ولا تبتعد حصة نواب التيار حينها عن اليوم، لكن هناك فارق بين تسونامي 2005 وأرقام 2018، إذ إن عون حينها نال ثقة الشارع المسيحي ما اضطر بكركي إلى التعامل معه كزعيم للموارنة، وبين 2018 حين رفع التيار أعداد كتلته من دون أن يحصد ثقة الشارع المسيحي الذي توزعت أصواته بين التيار والقوات والمردة والقومي والكتائب.
وانخفاض نسبة الاقتراع في انتخابات تأمنت لها ظروف طبيعية على عكس انتخابات 2005 و2009 لا يمكن أن تكون حدثاً عابراً طالما أن رئيس الجمهورية نفسه اضطر إلى توجيه نداءات إلى الناخبين للاقتراع قبل وقت قصير من إقفال صناديق الاقتراع. فتركيز التيار على أوسع مروحة مرشحين وعدم حصر الأصوات التفضيلية وترتيبها والمنافسات الداخلية، كلها عوامل أفقدت مرشحي التيار البارزين منهم، وليس الجدد بطبيعة الحال، القدرة على التوجه إلى ساحات استقطاب شعبية جديدة. ما انعكس جدياً على شريحتين أساسيتين: المستقلون والمحايدون الذين كان يمكن العمل على اجتذابهم، وهؤلاء طالما شكلوا عصباً حقيقياً في كل انتخابات يرجحون فيها فوز لائحة على أخرى. أما الثانية فهي الشريحة الشبابية التي توجهت إما إلى القوات اللبنانية أو المجتمع المدني على اختلاف تشكيلاته، والأرقام التي حققها مرشحو المجتمع المدني في دوائر مسيحية، لها دلالاتها اللافتة.
يمكن للتيار أن يقول إن ما جرى قد جرى وإن نواباً بآلاف الأصوات أو بالمئات والعشرات، باتوا متساوين في المجلس وإن الانتخابات أصبحت وراءه وإن العهد القوي صار له كتلة قوية. لكن في المقابل فإن الحكومة على الأبواب وما زرعه التيار خلال أشهر ما قبل الانتخابات سيحصده في الحكومة. وقد لا يكون الحصاد وفيراً ومثمراً على قدر تطلعات التيار.