ميسم رزق – الأخبار
عارضَ الوزير جبران باسيل وصول مرشّح لحزب الله عن المِقعد الشيعي في جبيل من خارج المنطقة، وقطع الطريق بالتالي على وصول الشيخ حسين زعيتر إلى الندوة البرلمانية، فكانت النتيجة أن جاءَهُ نائبٌ وثيق الصِلة برئيس مجلس النواب نبيه برّي. مصطفى الحسيني هدف جديد يسجّل في مرمى رئيس التيار الوطني الحرّ
ثمّة نواب بلعبة الحظ. الحكاية ليسَت مُجرّد خيال، بل حقيقة رسّخها قانون الانتخابات. كيف؟ كأن يسقُط مرشّح حازَ على آلاف الأصوات التفضيلية، ويفوز آخر باللوحة الزرقاء بـ259 صوتاً فقط. لكن لعبة الأرقام هذه، وهي متصلة بالقانون النسبي، تصبح بلا قيمة أمام المُعادلات السياسية. بعض النواب يُصبحون بحدّ ذاتهم أرقاماً صعبة بغض النظر عن وزنِهم الانتخابي. هذا ما كان مُقدّراً للمُرشح على لائحة «عِنا القرار» عن المقعد الشيعي في جبيل مُصطفى الحسيني الذي جاء من خارج التوقّعات. ظفَر بكرسيّ تصارعت عليه أكبر وأقوى الأحزاب السياسية. بعد أسابيع طويلة من المنازلات، خسِر الجميع معركتهم فيها… وربح هوَ.
لهذا المقعد رمزية خاصة. ليس في كونه «الشيعي» الوحيد على لائحة الموارنة في دائرة كسروان الفتوح ــــ جبيل، بل لأنه لطالما كان هدفاً طيلة الفترة التي سبقت الانتخابات. أولاً، لمنع وصول مرشّح حزب الله الشيخ حسين زعيتر تحديداً. وثانياً، حصر القدرة على إيصال المرشّح عن هذا المقعد بتيار سياسي معين تصرف بذهنية التسونامي في عام 2005، فكانت دائرة جبل لبنان الأولى عنوان أول اشتباك انتخابي بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. الأخير رفض بأن يكون زعيتر على لائحة التيار. عاند الحلفاء. أصرّ على أن يحتفظ بالمقعد ويُسمّي هو نائباً شيعياً منتمياً للتيار أو مُقرّباً منه. أوصله عناده هذا لأن يخسَر مرتين. مرّة حين فقدَ المقعد. ومرة حينَ زعزع ثقة الحزب به. نتاج تعاطي الوزير جبران باسيل الطامِع بأكثر ممّا يحّق له، لم يقِف عند حدّ الخسارتين. فالنتائج وما لحِقها لا شكّ بأنها جاءت أشدّ وقعاً. ضربتان على الرأس: فوز مصطفى الحسيني بالمقعد، وصورته في المصيلِح، أمس، إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
أحطيت هذه الزيارة بالكثير من التحليلات. قيل إن الحسيني هو الرقم 27 الذي سيكون من حصّة حركة أمل وحزب الله. وأن جبران باسيل اعترض على مرشّح حزب الله، فأتاه مرشّح من حركة أمل. في الحسابات، كانت المفاجأة بكسور لائحة «عنا القرار» التي ترأسها المرشح الفائز فريد هيكل الخازن. هذه الكسور كانت من نصيب الحسيني. أما في السياسة، فإن الصداقة العميقة التي تربط مصطفى الحسيني بالرئيس برّي، جعلته يدشّن نيابته من المصيلح.
ليسَ اسم الحسيني عادياً في ذاكرة جبيل والحياة السياسية فيها. في الأصل، ليس الرجل دخيلاً على بلاد جبيل. النائب المُنتخب تسلّح بشبكة علاقات ليبقى اسماً تحفظه المنطقة. هو شقيق الرئيس السابق حسين الحسيني. ابن بلدة شمسطار. برز اسمه منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، بصفته «شخصية مستقلّة». من الأشخاص الذين تربطهم علاقة وثيقة بسوريا ومسؤوليها وأصدقائها في لبنان، كما ببعض خصومها. لطالما شكّل صلة وصل بين شخصيات سياسية لبنانية وبين شخصيات في صلب النظام في سوريا، وتحديداً تلك التي كانت تذهب سرّاً الى دمشق. عام 1992 جاء إلى قرطبا. زار النائب السابق فارس سعيد، وأخبره بأنه نقل نفوسه إلى مزرعة السياد الجبيلية. ترشّح الى الانتخابات النيابية عامي 1996 و2000 ولم يحالفه الحظ. يسجّل له أنه في عهد الرئيس إميل لحود لعب دوراً فاعلاً في إنشاء عدّة بلديات في المنطقة (أفقا وعين الغويبة). آنذاك، نجح في الاستحصال على مرسوم لهذا الهدف. يقول العارفون به أنه بعد عام 2005 غاب عن الأنظار. حصل ذلك بعد أن طرح اسمه كوزير في حكومة الانتخابات برئاسة نجيب ميقاتي واستبدل لاحقاً باسم الوزير السابق طراد حمادة. عاد في عام 2009 وترشّح إلى جانب فارس سعيد في الانتخابات النيابية. رسب أيضاً. غاب مجدداً ثمّ عاد قبل انتخابات 2018 بأشهر. زار مع فارس سعيد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل لتأليف لائحة «عنا القرار».
تعليقاً على صورة الأمس في المصيلح، قال مصطفى الحسيني إن «الرئيس برّي صديق شخصي ومرجعية وطنية لكل اللبنانيين». يتحدّث عنه كمن يتحدّث عن أكثر من مجرّد صديق. يقول: «تربطني علاقات بالرئيس برّي ومن يمُثّل. تجمعنا لبنانيته ووطنيته المقاوِمة. كل من يُقاوم إسرائيل أنا معه، والرئيس برّي كبير المقاومين. المؤتمن على المؤسسات منذ تغييب الإمام السيد موسى الصدر».
تسبُق ضحكة الحسيني العالية الإجابة عن أي سؤال، مهما كان مُحرجاً. صريح إلى حدّ القول أنه «فاز بأصوات المسيحيين لا الشيعة». يُطلق على نفسه لقب «سفير المسيحيين عند الشيعة». لم يكُن يرى نفسه مرشحاً ضدّ أحد: «حين أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله بأن لا اتفاقات تحت الطاولة في جبيل، وبالتالي، دعم الحزب والرئيس برّي للشيخ زعيتر، قلت بأنني مرشّح ضد الفقر والحرمان في جبيل». يؤكّد أنه على علاقة جيدة مع مختلف الأطراف في بلاد جبيل. أي مرشح عن هذه المنطقة يجب أن يكون كذلك. ولكن هل تعتبر نفسك هدفاً في مرمى جبران باسيل؟ يجيب: «ليس بيني وبين التيار الوطني الحرّ لا تحالف ولا علاقة. أحترم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لأنه رئيس كل لبنان. أما إذا أراد جبران باسيل أن يتوهّم ذلك (ضربة مرمى) فلتكن» يقول الحسيني.
فتحت زيارته لبري فرضية الانضمام إلى كتلته النيابية. رداً على كل هذه الفرضيات والتحليلات، أكد الحسيني في دردشة مع «الأخبار» أن «الأمر المحسوم حتى الآن هو وجوده في كتلة كسروان ــــ جبيل إلى جانب صديقي فريد هيكل الخازن». أما الانضمام إلى تكتل معين في ما بعد «فمرهون بالتكتلات التي ستنشأ بعد الانتخابات»، نافياً بأن يكون قد تحدّث إلى الرئيس برّي في هذا الأمر. طبعاً «أنا أنتمي إلى خط المقاومة، وأتهم نفسي بأنني من مؤسسيها ومن مدرسة الإمام موسى الصدر».
كان باسيل يشتهي أن تأتي النتيجة على حساب حزب الله، لكنها أتت على حسابه هو «فليتذوق السمّ الذي طبخه» يقول أحد المعنيين بالشأن الانتخابي في بلاد جبيل. لم يصل مرشّح حزب الله. ولكن وصل نائب صديق لخصم باسيل الأول، رئيس مجلس النواب، ومن على لائحة يرأسها صديق للنائب سليمان فرنجية. ربما لو علم باسيل بذلك، لكان خاض معركة المقعد الشيعي في جبيل على أساس أنه يساوي 128 مقعداً!