خبر

«الزعران» يشوّهون نتيجة الانتخابات

صحيفة الأخبار

كادت بيروت تتحوّل أمس الى ساحة حرب. بعض «الموتورين» كما وصفهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي خرقوا هدوء المشهد الانتخابي الحضاري. مشهد المدينة بعد الانتخابات: استنفار سياسي وأمني وعسكري وسلسلة تدابير، بينها منع سير الدراجات النارية لثلاثة أيام. الأدهى أن خطاب ما بعد الانتخابات يشي باشتباك الحكومة الجديدة من بوابة المداورة على الوزارات السيادية

لم يكَد يمُرّ يوم واحد على الانتخابات النيابية، حتى تحوّلت شوارع العاصمة بيروت إلى مسرح للفوضى المتنقلة. أقفلت صناديق الاقتراع وفُتحت الشوارع أمام المتفلّتين و«الزعران». الخطاب التحريضي الذي سبق «العرس الديمقراطي» أثمر تحركات غير منضبطة في عدد من أحياء العاصمة. بدءاً من بعد ظهر أمس، حتى ساعة متأخرة ليلاً، لم يتوقف شريط الاستفزازات المتنقلة من شارع إلى آخر. مواكب لسيارات أو دراجات نارية، سرعان ما تحولت إلى اشتباكات استخدمت خلالها العصي والحجارة وإطلاق نار متقطع في الهواء. استدعى هذا الأمر استنفاراً سياسياً وأمنياً وانتشاراً للجيش اللبناني بكثافة في مختلف المناطق التي حصلت فيها إشكالات، من الطريق الجديدة وساحة أبو شاكر إلى رأس النبع وعائشة بكار وكورنيش المزرعة وبشارة الخوري والمصيطبة وحي اللجا وزقاق البلاط، فضلاً عن بعض المناطق التي تؤدي إلى مدخل العاصمة الجنوبي.
وعلى الفور سارعت القيادات السياسية إلى الدعوة لضبط الانفلات، فحمّل تيار المستقبل المسؤولية للقيادات المعنية، ودعاها الى «وقف المسيرات المذهبية في بيروت». أما رئيس مجلس النواب نبيه برّي فقد استنكر «الممارسات المسيئة التي أساء فيها بعض الموتورين لحركة أمل وحزب الله»، معتبراً أن «كرامة بيروت وأهلها من كرامتنا»، وأجرى لهذه الغاية اتصالات رفيعة المستوى من أجل ضبط الشارع ووقف المظاهر الاحتفالية، فيما أصدر وزير الداخلية نهاد المشنوق قراراً يمنع سير الدراجات النارية في نطاق بيروت الإدارية لمدة ثلاثة أيام.
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن اتصالاً جرى بين برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري لتهدئة الأوضاع، وأن الاخير وقيادة حزب الله تواصلا مع الأجهزة الأمنية وطلبا اليها اتخاذ الإجراءات بحق المتفلتين لأي جهة انتموا. وقد رافق أعمال الشغب الكثير من الشائعات التي تحدثت عن وقوع قتيل في منطقة عائشة بكّار، تبيّن أن لا أساس لها من الصحة. كذلك انتشرت أفلام عبر وسائل التواصل لمسلحين في أحياء من العاصمة، تبين أن معظمها من تواريخ سابقة. وقد صدر عن قيادة الجيش بيان حذر المواطنين من إطلاق النار والقيام بأي أعمال مخلّة بالأمن.
ومع صدور نتائج الانتخابات، دعا الرئيس نبيه بري إلى التكاتف والاتعاظ ممّا حصل، واعتبر الانتخابات درساً لكل القوى والأحزاب، مشدداً على الإسراع في تأليف الحكومة. وقال في دردشة تلفزيونية، إن وزارة المال في الحكومة المقبلة ستكون من حصة الطائفة الشيعية، انسجاماً مع روحية اتفاق الطائف.
العبارة الأخيرة لرئيس المجلس استوجبت رداً من الحريري الذي قال إن العرف الوحيد (في الطائف) محصور بالرئاسات الثلاث، وأكد أنه لا يجوز التمسك بأمور لم ترد في اتفاق الطائف على مستوى الوزارات.
الرد الحريري يؤشر من جهة إلى تبنّي رئيس الحكومة لوجهة نظر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر بوجوب عدم إسناد وزارة المال لحركة أمل، وأن تشملها المداورة في أول حكومة بعد الانتخابات. ويؤشر من جهة ثانية إلى التجاذب الذي سيصعّب مهمة تأليف الحكومة الجديدة في وقت قياسي، كما يشتهي ذلك معظم الأطراف السياسية.

من جهته، رأى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «إجراء الانتخابات إنجاز وطني كبير»، مؤكداً أن هذا «الإنجاز يُسجل للعهد ولرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة اللبنانية، وكل فئات الشعب اللبناني».
وفي خطاب عبر الشاشة، أثنى نصرالله على الوضع الأمني ووصفه بـ»الممتاز»، ورأى أن «إجراء الانتخابات في يوم واحد هو إنجاز، مع بعض الأخطاء التي يجٍب أن تعالج». وقال إن «الحضور الكبير والوازن والحقيقي يشكل حماية قوية لمعادلة (جيش وشعب ومقاومة) القادرة على حماية البلد». واعتبر أن «ما كنّا نتطلع إليه منذ بداية الحملات الانتخابية قد تحقق، وأن تركيبة المجلس النيابي الجديد تُشكل انتصاراً كبيراً للمقاومة ولبيئة المقاومة التي تحمي سيادة البلد».
وإذ أشار إلى «المؤتمرات التي عقدت من أجل الضغط على البيئة الحاضنة للمقاومة»، رأى أن الهجمة على المقاومة «أعطت نتائج عكسية عبّرت عنها نسب الاقتراع في بعلبك الهرمل التي بلغت أمس 63% وكذلك في بقية الدوائر»، وأن «جمهور المقاومة تصرف بمسؤولية وطنية وجهادية كبيرة من أجل المشروع الوطني ككل»، واعتبر أن نسب التصويت المرتفعة «كانت بمثابة الرد المباشر على من كان يقول إن جمهور المقاومة ملّ وتعب». ودعا الى «التعاطي مع نتائج الانتخابات بواقعية، واستخلاص العبر والانصراف نحو المزيد من العمل». وعبّر السيد نصرالله عن الشكر والامتنان لكل الذين «كانوا من أهل الوفاء في العملية الانتخابية، موضحاً أن «القانون النسبي أصح وأفضل، ولا يجوز أن يكون هناك عودة إلى القانون الأكثري». وأكد أنه «لا أحد بإمكانه القول إن الهدف من وراء القانون الانتخابي كان إقصاءه»، مشدداً على أنه لا أحد يلغي أحداً في البلد، وطمأن الذين يحذرون من خسارة بيروت بأن بيروت كانت وستبقى عربية وعاصمة للمقاومة.
أما الرئيس الحريري، فقد ذكّر بأن رئيس الجمهورية قال إنه بعد الانتخابات سيكون هناك بحث بالاستراتيجية الدفاعية، مجدداً التأكيد أن لبنان لا يحكم إلا بجميع مكوّناته السياسية، واعترف بأن تيار المستقبل خسر أكثر من ثلث مقاعده في البرلمان، مشيراً إلى أن التيار الذي «يحارب على أكثر من جبهة» كان يأمل تحقيق نتائج أفضل في أول انتخابات نيابية في البلاد منذ نحو عقد. كذلك أقرّ بأن «ثغرات كثيرة» كانت في تياره، متعهداً بمحاسبة المسؤولين عنها. وذكر أن اللبنانيين صوّتوا في انتخابات أول من أمس لمشروع الاستقرار والأمن والتطور الاقتصادي، مؤكداً مدّ اليد «لكلّ من يريد العمل من أجل تحسين معيشة وحياة اللبنانيين». وتعهّد «بالبقاء حليفاً لرئيس الجمهورية، لأن هذا التحالف يؤمّن الاستقرار». وتابع أن «أكبر إنجاز حققته حكومته هو إجراء هذه الانتخابات نفسها»، مضيفاً أنه لا مشكلة لديه مع نتائجها.
بدوره، أكد رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل أن التيار انتصر في الانتخابات، وقال: «تكتّلنا اليوم هو الأكبر في المجلس النيابي بـ29 نائباً، وقد يصل الرقم الى 30 نائباً». وأضاف: «نوابنا كانوا موجودين في 5 أقضية، واليوم هناك نواب يمثلون التيار في 15 قضاءً». وقال باسيل «نحن على موعد مع تكتل نيابي جديد اسمه تكتل لبنان القوي، سيكون بداية بالتغيير والإصلاح، ثم تأليف جبهة وطنية أوسع تضم كل القوى السياسية والأفراد الذين التزموا معنا في الانتخابات». وأكد أن شراكتنا مع تيار المستقبل مستمرة، ورأينا أنه ليس العهد وحده من حقق إنجازات بل الحكومة أيضاً، وننتظر من الرئيس الحريري جهداً أكبر». وأعرب عن سعادته بأن تكون كتلة «القوات اللبنانية» قد كبرت، معتبراً الأمر «إنجازاً للتيار الوطني الحر». وأكد أن «الحلف مع حزب الله استراتيجي وباق، والخطأ التكتيكي بحق التيار (مقعد جبيل) يجب ألا يتكرر».

حزب الله يدعو وهّاب إلى التروّي
استدعى ردّ فعل رئيس حزب التوحيد وئام وهّاب الغاضب، بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية في دائرة الشوف ــ عاليه، وتوجيهه اتهامات بحقّ أحد المسؤولين في حزب الله، ردّاً من العلاقات الإعلامية في الحزب. وهّاب، الذي لم يحالفه الحظّ بفوز لائحته بحاصل انتخابي بفارق ضئيل نسبياً عن الحاصل الانتخابي في الدائرة، وحيازته أصواتاً تفضيلية أعلى من منافسه النائب مروان حمادة، أصدر موقفاً «متوتّراً» بعد ظهر أمس، متّهماً حزب الله بعدم منحه أصواته والمشاركة في إسقاطه ودعم لائحة النائب وليد جنبلاط. وجاء في ردّ حزب الله أن «العلاقات الإعلامية تؤكّد أن ما صدر من اتهامات من قبل الوزير الصديق وئام وهّاب بحقّ أحد المسؤولين في حزب الله (الحاج ساجد)، مرفوضة شكلاً ومضموناً، ولا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، وإننا إذ نعتقد أن الالتباسات بين الحلفاء لا تعالج بمثل هذه الطريقة، فإننا ندعو الوزير وهّاب إلى التروّي والهدوء والتأمّل».
وعاد وهّاب مساءً وأكّد أن «كل مقاعد المجلس النيابي لا تبعده عن المقاومة»، وأن المكان المناسب لطرح اعتراضاته هو في «الغرف المغلقة»، وأن «سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو الحكم».