خبر

الساعات الانتخابية الأخيرة: «نوار 1947» أم «نوار 2018»؟

هيام القصيفي – الأخبار

 

 

الأيام الأخيرة قبل موعد الانتخابات النيابية، تحسم جدياً اتجاهات المعارك الانتخابية، في ضوء خمسة عوامل ستظل نتيجتها غامضة حتى فرز النتائج

جميع الذين رافقوا دورات انتخابية سابقة، يعرفون أن الأيام الثلاثة الأخيرة التي تسبق موعد الاقتراع تكون هي الحاسمة. أما وقد انتهت الحفلات الإعلامية والإطلالات التلفزيونية والمهرجانات الانتخابية والخطب الحماسية، وعمّت صور المرشحين وشعاراتهم الرنانة طول البلاد وعرضها، فقد حان وقت الجدّ الذي من شأنه أن يحسم وضع المرشحين ولوائحهم. وهذه الأيام الأخيرة هي التي ستكون فاصلة لتحديد مصير الحرب الطاحنة بين اللوائح المتنافسة، وبين أعضاء كل لائحة، بعدما حول القانون الحالي بتطبيقاته «اللبنانية» الزملاء المفترضين إلى متنافسين على المقعد نفسه.

خمسة عوامل أساسية، ستخيّم بظلها على الفترة الفاصلة عن إقفال صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل، وعلى هذه العوامل يتوقف مصير المرشحين، لأنها عوامل مبهمة، لن يكون في الإمكان معرفة تأثيراتها المباشرة وفعاليتها إلا عند عند فرز النتائج:

أولاً، اقتراع الناخبين الجدد الذين يبلغ عددهم نحو 20 في المئة من الناخبين بحسب قوائم الناخبين لعام 2018. وهؤلاء هم الذين بات يحق لهم الاقتراع في هذه الدورة يضاف إليهم من حُرموا الاقتراع منذ انتخابات عام 2013 التي لم تجرِ، واعتمد التمديد ثلاث مرات بدلاً منها. وتشكل هذه الفئة العمرية خزاناً حقيقياً ومؤشراً فاعلاً على اتجاهات التصويت لدى الفئات الشبابية وتطلعاتها وكيفية اقتراعها وإلى أي فئات حزبية وسياسية ستقترع، ولا سيما في ضوء المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة. وهذه الفئة لا يمكن التكهن مسبقاً بنتيجة اقتراعها، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تمارس فيها هذا الحق.

ثانياً، اقتراع المغتربين. إذ يفترض أن تشكل نتائج الانتخابات الأولى التي حصلت في بلاد الاغتراب، وفي الدول التي يقيم ويعمل فيها لبنانيون، أيضاً دلالة معبرة عن تأثير تصويت هؤلاء على مجمل النتائج، ولا سيما أن معدلات التصويت كانت أقل من عادية، قياساً إلى حملة الترويج التي جرت، وإلى أن الناخبين هم الذين بادروا إلى تسجيل أسمائهم، لكن فئة لا يستهان بها منهم امتنعت عن الاقتراع. وسيترتب على القوى السياسية التعامل بجدية مع فرز صناديق الاغتراب لاحقاً لأنها تعكس اتجاهات الاغتراب الحقيقية في ظل التباهي بأهمية اقتراعهم.

ثالثاً، اقتراع المغتربين في لبنان. فالأحزاب والتيارات السياسية لم تكتف بتصويت المغتربين حيث هم، وهي تعول على كتلة من المغتربين وغير المقيمين ممن سيأتون إلى لبنان للاقتراع في السادس من أيار، في ضوء معلومات تشي بارتفاع أعداد الناخبين الذين استقدمتهم القوى السياسية من الخارج، علماً أن الكتل الرئيسية على اختلاف طوائفها، تصبّ جهدها لتزخيم اقتراع المغتربين في دوائر محددة. ومن شأن هذه الكتلة الاغترابية وأماكن اقتراعها، أن تشكل عامل ضغط حقيقي، مع الأخذ في الحسبان، صعوبة التكهن بحجمها ودورها المباشر في عملية التصويت.

رابعاً، عامل المال الانتخابي. لن يكون هذا العامل جديداً في الانتخابات النيابية. ولطالما كان المال أحد عناصر الحملات الانتخابية، وكانت الرشوة الانتخابية عنصراً حاضراً بقوة في كل المعارك. ولن تشذّ انتخابات عام 2018 عن هذا الإطار، مهما حاولت الجهات الرسمية المعنية التبرير أو غضّ النظر عمّا يحصل. ففي انتخابات يرتفع فيها عدد المرشحين المتمولين، ويتنافس فيها أعضاء اللائحة الواحدة على الصوت التفضيلي، لا يتوقع أحد أن يغيب عنصر المال الذي لعب أساساً دوراً محورياً في اختيار المرشحين وفي الحملات الانتخابية. ويمكن المال الانتخابي أن يلعب دوره المباشر، في الأيام الأخيرة، في بعض الدوائر حيث المعارك محتدمة على مقاعد محددة، نتيجة الكباش السياسي والتنافس الحاد بين اللوائح، ما قد يُسهم في تغيير اتجاهات التصويت في اللحظات الأخيرة.

خامساً، تدخل السلطة. قبل 71 عاماً، قال الرئيس بشارة الخوري عن انتخابات «25 نوار» 1947 إنه كان يتمنى ألا يتدخل في تأليف اللوائح، مكتفياً بالتوجيه والإشراف «لكن ما العمل وعقلية بني قومنا تتطلب من الرئيس كل شيء؟». ويضيف عن نتائجها التي أثارت احتجاجات، أنه كان يجب أن تراعى الشكليات «وأن يتحاشى الوزراء والموظفون وأغلب المرشحين أي عمل من شأنه أن يزرع الشك والريبة في نفوس الناس»، ولو أن النتائج ستكون نفسها!

صحيح أن لبنان ليس البلد الأول الذي يترشح فيه وزراء ومن هم في السلطة، ويحلو لهؤلاء التشبه بفرنسا ودول أوروبية لإعطاء أمثلة عن ترشح وزراء إلى النيابة. لكن الفارق أن السلطة في هذه الدول لا تتدخل في الانتخابات، وهو الأمر الذي يتكرر في لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم. ولا يمكن التمثل بدول تقوم فيها هيئات مستقلة بإدارة الانتخابات، فيما أجهزة رسمية سياسية وأمنية واقتصادية تضغط منذ أسابيع على الناخبين، بحسب الدوائر. ولا يمكن التقليل من أهمية الأيام الثلاثة الباقية، كي ترتفع فيها الضغوط الرسمية، ولا سيما أن كل قوى السلطة تخوض الانتخابات من موقعها الرسمي والحزبي والسياسي. وإذا ارتفع منسوب الضغط في كل الاتجاهات، فإن هذا العامل وحده سيكون فاعلاً في تحديد خيارات ناخبين حيث السلطة حاضرة بكل بأدواتها. فكيف إذا تضافرت عوامل المال والمغتربين وكل ما من شأنه أن يجعل «انتخابات 6 نوار» لغزاً حتى الساعة الأخيرة، على أمل ألا تكون شبيهة بانتخابات 1947.