ميسم رزق – الاخبار
تشي الصّور العملاقة ولوحات الإعلانات بمعركة انتخابية بحجم العاصمة السياسي. شركاء كثُر دخلوا الساحة الانتخابية في دائرة بيروت الثانية. في الانتخابات السابقة، كانت هذه الدائرة سوراً «مُستقبلياً» منيعاً في وجه الأقليات (السياسية والطائفية). اليوم صارت حلبة إثبات أحجام الجميع
قبلَ ثلاثة أيام من النهار الانتخابي الموعود، تشهَد الجهة الغربية من العاصمة (الدائرة الثانية) تعبئة استثنائية، حيث تتنافس ٩ لوائح. هنا ستتبلوَر صورة الزعيم السني الأقوى. صحيح أن دائرة الشمال الثانية تضم ثمانية مقاعد سنية (مقابل ستة في بيروت)، غير أن تيار المستقبل لم يحتكر المقاعد الشمالية وحده. لطالما تشاركها مع زعامات مناطقية. في بيروت، لا يريد آل الحريري تقاسم المقاعد السنية مع أحد، لكن الوقائع الآتية قد تُبدّل سيرتهم الانتخابية.
تدخل ٩ لوائح إلى المسرح الانتخابي في السادس من أيار تتنافس على ١١ مقعداً. عملياً، هناك لائحتان أساسيتان هما لائحة تيار المستقبل (المستقبل لبيروت)، ولائحة (وحدة بيروت) التي تضمّ ثنائي حزب الله وحركة أمل، الأحباش والتيار الوطني الحرّ. المرجح أن تتقاسم هاتان اللائحتان ٩ مقاعد أو عشرة في حال صحّت التقديرات (ما بين ٥ و٦ للحريري، و٣ أو ٤ للائحة الأخرى). فيما ستتصارع بقية اللوائح على مقعد أو اثنين.
على رغم تأكيد لائحتي (صوت الناس وكلنا بيروت) أنهما تقتربان من الحاصل الانتخابي الواحد، لكل منهما، تقول معطيات الأسبوع الأخير بأن التنافس على المقاعد المتبقية سينحصر بين لائحتي (بيروت الوطن) التي تمثل تحالف الصحافي صلاح سلام والجماعة الإسلامية، ولائحة (لبنان حرزان) لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي. اللوائح الأخرى لن يكون بمقدورها تأمين حاصل. فما هو مشهد لوائح الدرجة الثانية في بيروت قبل أيام من الاستحقاق؟
مخزومي يتقدّم…
خطوات إلى الأمام قفز فؤاد مخزومي في بيروت. لعب الأخير لعبة الحريريين. استخدم الأدوات نفسها. إعلام ومال وخدمات. يسخى رئيس حزب الحوار الوطني على حملته الانتخابية. «وين في مخزومي، في مساعدات». هذا لسان حال أحد مخاتير العاصمة. حضور المخزومي الذي أحدث نقلة منذ شهر حتى الآن، بدأ يزعج تيار المستقبل إلى حد ما. كان واضحاً الانزعاج إلى حدّ دفعه لإطلاق النار الإعلامي عليه، ومحاولة نبش كل ملفاته القضائية، بعدما حُرم من إطلالة تلفزيونية كانت مدفوعة عبر الشاشة الزرقاء. أعادت الماكينة الزرقاء إلى الأذهان صورة مخزومي تاجر السلاح والمتورط في عمليات نصب أموال. لكن ردّ الفعل «غير الشريف» كما يقول مقربون من الرجل «خدمته إلى حدّ ما». أشاروا الى أن «نقطة القوة التي يملكها مخزومي هي ماكينته». وتكمن نقطة القوة في كونها «ماكينة موحّدة تعمل لمصلحة شخص واحد». حتى المرشحين على اللائحة نفسها يعملون لشخص واحد هو رئيس لائحتهم. وتقول مصادر في الماكينة أنه من المُؤكد أن لائحة «لبنان حرزان» ستؤمن حاصلاً واحداً على الأقل، وسيكون لمصلحة المخزومي حتماً. وفي حال أمنت حاصلاً وكسوراً، يُمكنها أن تخرق في مقعد الأقليات (الإنجيلي). تبالغ الماكينة بعض الشيء حين تقدّر المهرجان الكبير الذي أقيم منذ أيام، بأنه حشد حوالى ١٠ آلاف شخص. في المقابل، يقول أحد أركان ماكينة انتخابية ثانية أن عدد الحاضرين لم يتجاوز ٤ آلاف شخص. مع ذلك «شكّل المهرجان رسالة قوية إلى الآخرين: للرجل حضور لا يستهان به في بيروت».
وسلام يتراجع…
كانت المعطيات في «بيروت الثانية» تتحدث عن أن لائحة «بيروت الوطن» هي أول المنافسين بعد لائحتي تيار المستقبل أولاً، وحزب الله وأمل و«الأحباش» والتيار الوطني الحر ثانياً. لكن تقدّم مخزومي أعاد لائحة صلاح سلام إلى الوراء. وبعكس التماسك الذي تتسم به ماكينة المخزومي، تكاد تكون ماكينة «بيروت الوطن» عبارة عن ماكينات مشتتة بلا رأس واحد. فاللائحة لا تضمّ مرشحين من جهة سياسية واحدة أو فريق واحد، بل هي لائحة ائتلافية متنوعة. هو عنصر قوتها وضعفها. مثلاً، تحاذر الجماعة الإسلامية الممثلة بعماد الحوت في لائحة سلام تقديم الداتا الانتخابية لبقية المرشحين. حتماً تسعى «الجماعة» أيضاً إلى تأمين أكبر عدد من الأصوات التفضيلية لمرشحها، وليس لأي مرشح آخر. غياب الداتا الموحدة وعدم التعاون أثرا سلباً على اللائحة. صار صيت المرشحين متقدماً على صيت اللائحة. على سبيل المثال، يسمع الشارع بالمرشحين نبيل بدر وبشار قوتلي وصلاح سلام. لكنه لا يسمع باسم «بيروت الوطن» (اسم اللائحة). هذا الواقع فرضه سعي المرشحين، كل بمفرده، لتأمين أصواته قبل أولوية تأمين الحاصل.
تتفاوت قراءة المعركة الانتخابية بين ماكينات «بيروت الوطن» برئاسة سلام
بغياب الإدارة المركزية الثابتة للائحة، تغيب القراءة والرؤية الشاملة. يقول أحد أعضاء اللائحة إن ماكينة صلاح سلام «هي من أضعف الماكينات، خصوصاً أن الرجل يعتمد على فريق عمل محدود جداً، وميزانيته أيضاً محدودة». يضيف: «سلام ليس جهة سياسية، ولا يملك خبرة انتخابية. هو مناخ بيروتي معترض على أداء الحريري (الابن)، لكن لا تمكن ترجمته إلى أرقام. ناهيك عن النقص في المندوبين، لا سيما في أقلام الاقتراع غير السنية».
تتفاوت قراءة المعركة الانتخابية بين ماكينات «بيروت الوطن». الغالبية تقول إنه بالكاد يمكن تأمين حاصل. وفي حال لم يستطع أي من المرشحين السنة على اللائحة الحصول على أكثر من ستة آلاف صوت تفضيلي، فهذا يعني أن المقعد سيذهب إلى الأقليات على اللائحة، كونها مكتملة. أما ماكينة المرشح نبيل بدر، فتبالغ في الإيجابية، إلى حد التفاؤل بنيل حاصلين!
«كلنا وطني»: «دخلنا الخريطة الانتخابية»…
يشهد السباق الانتخابي هذه المرة حضوراً قوياً للمجتمع المدني. أقّله من حيث الترشيح. لكن هذه القوة لا تترجم أرقاماً على الأرض. في بيروت الثانية تخوض لائحة «كلنا بيروت» التجربة. مجموعة خرجت من رحم «بيروت مدينتي» التي قررت عدم المشاركة. الخلافات بين أبنائها لم تعط فرصة للتوحد في لائحة مدنية مشتركة. تفرق أصحاب هذا المشروع، وتوزعوا على اللوائح. المجتمع المدني «تمثله لائحة كلنا بيروت» التي يُصر أعضاؤها على تمايزهم عن بقية المجموعات التي تلبس عباءة «المجتمع المدني». يعترف هؤلاء أنهم قبل أسبوعين لم يكونوا على الخريطة الانتخابية في العاصمة، لكن مجموعة عوامل ساعدتهم على حجز مقعد لأنفسهم. هذه العوامل ترتبط بتقديم أعضاء اللائحة «خطاباً سياسياً واضحاً، وخطاباً مدنياً يُشبه خطّ جمهور شارع فريق 14 آذار، وليس جمهور أحزاب وتيارات هذا الفريق». كذلك عودة تيار المستقبل إلى سنّيته، حيث تبيّن أن أقصى طموحاته هي «زعامة السنة». يرفض عاملون في الماكينة القول إنهم ورثة بيروت مدينتي. صحيح أن رئيس اللائحة إبراهيم منيمنة لا يزال عضواً في الهيئة التنفيذية، لكن العمل النيابي مختلف عن العمل البلدي. حتى أنه لا تنسيق بيننا». تظهر الماكينة المتواضعة متفائلة إلى حد ما. لا تركن إلى أرقام وإحصاءات. تقدّر «تأمنيها حاصلاً واحداً». اللائحة التي تضمّ ثمانية مرشحين (غير مسيّسين) تقول إنها «الوحيدة التي لن تأكل من صحن التيارات المتنافسة في الدائرة، بل هي تعتمد على الذين لا يصوّتون أو لا يجدون أن اللوائح الأخرى تمثّلهم».