خبر

الحريري في جلباب أبيه يريد الشارع السنّي

نقولا ناصيف – الأخبار

في الأيام الخمسة الاخيرة حتى 6 أيار، لا محل الا لشد العصب في كل اتجاه، وعند الجميع تقريباً. كأن المشكلة في رؤساء اللوائح لا الناخبين. بل توحي وتيرة شد العصب ونبرته عندهم بأن البلاد على أبواب حرب أهلية وليس انتخابات تنتهي مساء

ليست قليلة الاهمية الهمّة التي يقود بها الرئيس سعد الحريري انتخابات الدوائر التي يَترشّح او يُرشّح فيها. في تجربتي 2005 و2009 ـ وفي كلتيهما لم يكن رئيساً للحكومة ـ كان اقرب الى دعوة الناخبين اليه واستقبالهم حيث يقيم، منه الى ذهابه اليهم في عقر اديارهم شأن ما يفعل اليوم. يجول الآن بينهم على نحو غير مألوف. يحمل الاطفال ويقبّلهم، يلتقط بنفسه صوره معهم، يغدق الوعود من حساب «سيدر» ويحمّسهم على الاقبال على الاقتراع. قبل هذا وذاك، يدلّهم على عدو واحد هو حزب الله الذي يجلس معه في حكومته. ما يقوله في جولاته هذه لا يمت بصلة الى جلسات مجلس الوزراء قبلاً ولا بعد.

الرجل الذي جهر يوم اعلان لائحته في بيروت، ومن قبل في احتفال ذكرى 14 شباط، افلاسه المالي ـ وإن لا يبدو الامر دقيقاً الى هذا الحد ـ عثر على طريقة مزدوجة لمخاطبة ناخبيه في الدوائر السنّية، بعدما شاع حتى 4 تشرين الثاني الفائت واحتجازه في السعودية، انه فقد شرائح وفيرة منها: اولاهما، ان يذهب الى الناخبين بنفسه ولا يستدعيهم اليه في بيروت او في مراكز المحافظة. وثانيهما، استخدامه ذكر والده الراحل رفيق الحريري بغية بعث الحنين فيهم اذ يتكلم عن مشروعه واغتياله، على نحو مشابه لما فعل في انتخابات 2005، وكان الاغتيال وقع للتو، وفي انتخابات 2009 بعد ثلاثة اشهر فقط على ابصار المحكمة الدولية النور.
في الحالين، يراهن الابن على ان اسم الاب لا يزال يصلح لاجتذاب الناخبين اليه، بحد ادنى من انفاق مال سياسي لا يزال على الطاولة.
اكثر من ملاحظة تقتضيها جولات الحريري على المناطق، وخصوصاً الدوائر السنّية كبيروت والبقاع الغربي ـ راشيا وبعلبك ـ الهرمل، ذهاباً شبعا، فالى طرابلس والضنية وعكار:
1 ـ انه يجبه للمرة الاولى مشكلة مع المدن الكبرى اكثر منها مع الاطراف والبلدات السنّية في المحافظات. بمقدار ما ترمي تنقلاته في الاطراف السنّية الى اظهار احتفاظه بشعبيته المتقدّمة فيها على اي زعيم سنّي آخر، تحت عنوان اغتيال والده، وتالياً استقطاب حنينهم اليه، يصطدم في المدن كبيروت وطرابلس وصيدا بخصوم جدّيين يلوّحون له بفقدان استئثاره بزعامة الطائفة. لم تكن تلك قاعدة انتخابات 2005 و2009 اذ استمد قوته من المدن الكبرى الثلاث، تاركاً مؤسساته ورجاله والاجهزة اللصيقة به ـ ومنها امنية رسمية ـ الاضطلاع بدور المفاتيح في الريف والاطراف للاقتراع له. يجعله الواقع الجديد متيقناً من خسارته مقاعد سنّية في بيروت وطرابلس وصيدا، وفي الوقت نفسه، في مواجهة منافسين تجرأوا عليه هذه المرة، اكثر من اي وقت مضى، بكمّ لا يُحسد عليه من التشهير والاتهامات والتشكيك. اضف ان بينهم مَن يقاومه بالسلاح نفسه الذي استخدمه ضدهم قبلاً: المال السياسي والظهير السعودي. هذه المرة ليس خصومه الذين يربحون، بل هو الذي يخسر.
ليس لدى الحريري سوى دلّ ناخبيه الى عدو واحد يجلس معه في مجلس الوزراء

2 ـ لا شك في ان الحريري فقد في الانتخابات الحالية عضداً لا يعوّض، أسند ظهره اليه دائماً، وخصوصاً في استحقاقي 2005 و2009، سياسياً ومالياً كما داخل الطائفة، هي السعودية التي تقارب الانتخابات اللبنانية بلامبالاة غير خافية. يبدو وحيداً في انتخابات نأت المملكة بنفسها عن التدخّل المباشر فيها، الى حد جزم البعض ذي التواصل معها انها لم تمدّه، ولا حليفها المسيحي الآخر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بدعم مالي في الانتخابات الحالية. مذ انهت دور الوزير ثامر السبهان في لبنان من غير ان تعهد الى بديل منه فيه، اكتفت المملكة بالتفرّج من دون ان تشفع بعودتها الى الساحة اللبنانية زيارة موفدها الخاص المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا اواخر شباط ولقائه القيادات، ولا افتتاح جادة الملك سلمان في الواجهة البحرية لبيروت مطلع الشهر الفائت. ولا من قبل هذا وذاك، تعيين سفير لها هو وليد اليعقوب لم يمكث سوى ثلاثة اشهر ما بين كانون الثاني وآذار(2018) قبل ان يستدعى الى بلاده.

حينما اخفقت المحاولة المتهورة للسبهان في لبنان، عبر خطة احتجاز الحريري في الرياض بغية اطاحة حكومته وتقويض تسوية 2016، اخرجت الرياض نفسها من معادلة داخلية اعتادت على ضبط توازنها، كي توازن بين نفوذها ونفوذ ايران من خلال الادارة السياسية المتكافئة للبنان والاستقرار بين الحريري في رئاسة الحكومة وحزب الله في الشارع. صار دور السفارة في بيروت يقتصر على المهمة التقليدية، ما خلا بعض مبادرات للقائم بالاعمال وليد البخاري بلقاء شخصيات او مجموعات رأي. آخرها في 26 نيسان استقباله في مقر السفارة تحت عنوان «ملتقى الائمة والدعاة» مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان ومفتيي المحافظات وقضاة شرع ورؤساء دوائر الاوقاف ومدرّسي الفتوى وائمة المساجد وخطباءهم وعلماء قارب عددهم نحو 150 شيخاً سنّياً، الى رضوان السيد المتهم بالضلوع في «مؤامرة» 4 تشرين الثاني، بالتواطؤ مع السبهان، ضد الحريري.

في اللقاء، ثلاث كلمات للبخاري والمفتي والسيد الذي قال في مداخلته ان النبي اوصى المسلمين بثلاث: الدم والعرض والمال. عندما استوضحه في الغداة احد اصدقائه عن مغزى المال في الوصية تلك في موازاة الدم والعرض والمال، اجابه: لم يضعها النبي في منزلة واحدة. وفسّر الفكرة كالآتي: اذا تعرّض العرض وكان في الامكان انقاذه بالمال، فلا تبخل. واذا تعرّضت حياتك للدم وفي وسعك استخدام مالك فلا تبخل ايضاً. واذا اضطررت يوماً الى استخدام الدم لانقاذ عرضك فلا تقصرّن.
ما تحاول سفارة المملكة ابرازه دعمها الاعتدال السياسي ومحاولة ردّ الاعتبار الى موقع شخصيات سنّية، كالسيد، الذي حضر بموافقة مسبقة من الديوان الملكي ما دام نُظر اليه على انه جزء من الحقبة المعاقبة، مع ان التواصل بينه والحريري صفر.
ما يصح على الرجل لا ينفصل عن مراقبة الديبلوماسية السعودية تحرّك مناوئي الحريري في اكثر من دائرة انتخابية كي ينتزعوا منه المقاعد، دونما عصا سعودية هذه المرة.