خبر

بعلبك إذا خُيّرَت: الإنتماء قبل الإنماء

غادة حلاوي – الاخبار

كلما اقترب موعد السادس من أيار زادت أجواء الانتخابات حماوة في دائرة البقاع الثالثة (بعلبك ــــ الهرمل). هناك من يطمح إلى خفض نسبة الاقتراع إلى حد حجز هويات مقابل مبالغ مالية، وهناك من يدفع ثمن الصوت التفضيلي حوالي 1500 دولار، وهناك من يريد رفع الحاصل الانتخابي للحدّ من خسارته ومن أرباح منافسيه

قاصد بعلبك لا يحتاج الى دليل. صور المرشحين على طول الطريق ترشده إليها. مدينة الشمس التي تكاد صور المرشحين تحجب اشعتها، لها مع الانتخابات حكاية قديمة متجددة. نكهتها الحالية تجسّدها صور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. صور بأعدادها وأحجامها تتفوق على صور المرشحين أنفسهم. لكنها لا تحجب وجود لائحة منافسة بعنوان «الكرامة والانماء» يرأسها المرشح الشيعي الأكثر جدية يحيى شمص.

انتقادات الأهالي لأداء نوابهم الحاليين هي نفسها التي تسمعها في كل مكان عن ضعف الخدمات وانعدام التوظيف وغياب الانماء. ولكن، مع «دوز» بعلبكي أقوى مردّه السلاح المتفلت الذي تعاني المدينة من وطأته. إذ قلّما ينقضي يوم من دون تسجيل اشتباك مسلح يجبر التجار على إقفال محالهم والناس على التزام بيوتهم. وكالعادة، تلقى اللائمة دائماً على… حزب الله، الطرف الأقوى. مصادر الحزب تؤكد أن حفظ الأمن لم يكن يوماً ولن يكون من مسؤوليته، غامزة من تقصير متعمّد من بعض الأجهزة الأمنية التابعة لجهات سياسية في تأمين العديد الكافي من العناصر لفرض القانون، حتى تبقى أصابع الاتهام موجّهة الى الحزب. يؤكّد «وجه» بعلبكي أن المطلوب من الدولة هو «القرار». ويضيف: «صحيح أن صيتنا سابقنا، ولكن عندما كان السوريون هنا، كان وجود عنصر واحد من المخابرات على حاجز كفيلاً بحفظ الأمن».

سياسة أم انماء؟

على رصيف الشارع الرئيسي في قلب المدينة، يتسامر شبان امام أحد المقاهي. أحدهم جريح، وأخ لشهيدين، يوافق على أن اعتراضات البعلبكيين حول التقصير في الإنماء والخدمات محقّة. «لكنها ليست مسؤولية نواب المقاومة. بل مسؤولية الحكومة والدولة كلها. مهما قدم النواب لن يفوا المنطقة حقها، ولكن يجب ألا ننسى أنه لولا المقاومة لما كان هناك انماء ولا امن في كل لبنان». يقلّل شاب ثلاثيني من تأثير الانتقادات على الخيارات السياسية في المدينة وقرى بعلبك ــــ الهرمل. من وجهة نظره، «أحوال بعلبك افضل من غيرها خدماتيا. البطالة مشكلة عامة». للناس الحق بأن تعترض على غياب الانماء في بلاد بعلبك ــــ الهرمل، برأي هادي، «وإذا إجتمع الإنماء والقضية معاً فهذا ممتاز. أما إذا خيّرونا بين القضية والإنماء، فنحن حتما مع الإنتماء، ولا يمكن أن نعطي صوتنا الا للمقاومة»، مشيراً الى أن «يحيى شمص زلمي آدمي، ولكن بالمعركة ما في حياد: إما مع المقاومة أو ضدها».

يدرك شمص أهمية ما تعنيه كلمة «المقاومة» في خزانها الشعبي الرئيسي، ولذلك حرص في حملته الانتخابية على تضمينها في شعاراته: «حرصنا على المقاومة لكن ولاءنا لبعلبك». الماكينة الانتخابية لشمص تستهدف أساساً الشريحة غير المحازبة وتحديداً تلك التي تصدر عنها تعبيرات إحتجاجية على أداء وزراء المنطقة ونوابها. الهمّ همّان عند شمص: «اقناع الناخبين بالتصويت للائحة ومنحه صوتهم التفضيلي»، بحسب أحد المحسوبين عليه، وفي الوقت نفسه عدم استفزاز هذه الفئة التي تجد صعوبة في «بلع» التحالف مع القوات اللبنانية وتيار المستقبل. لذلك، لا ينفك الرجل يؤكد أن هذا التحالف «انتخابي ظرفي، وليس سياسياً». لكن، هنا تحديداً، تكمن نقطة ضعفه الأساسية. فبالنسبة الى كثيرين، لا تستقيم المقاومة والتحالف مع القوات والمستقبل، خصوصاً أن هذين الطرفين لا يخفيان أن الخرق بمقعد شيعي هو العنوان الأول لمعركتهما. كما يأخذ كثيرون على شمص غيابه عن المنطقة وتفرغه لأعماله الخاصة منذ ترشحه الى الانتخابات النيابية عام 2005.

الرشى الانتخابية

الحديث عن شراء الاصوات في المنطقة بات علنياً. يقول أحد مرشحي لائحة الثامن من آذار إن السعودية إذا قررت دفع مال إنتخابي، فلن يكون ذلك إلا في بعلبك ــــ الهرمل للفوز بمقعد شيعي، بما لذلك من رمزية سياسية. ويؤكد أن «بعض المخاتير المحسوبين على لائحة تيار المستقبل يحجزون هويات ناخبين مقابل مئة دولار للهوية الواحدة من أجل خفض الحاصل الانتخابي».

الاتهامات تشمل شمص أيضاً. إذ يؤكد عدد من أبناء العشيرة لـ «الأخبار» أنه يخوض المعركة بكل ما يملك من أسلحة مادية، مشيرين الى عروض لشراء الاصوات «ووصل العرض على الصوت التفضيلي الى 1500 دولار». فيما تؤكد المرشحة عن المقعد الكاثوليكي في لائحة «الانماء والتغيير» سهام انطون أن شقيق شمص، ياسين شمص، اتصل بها عارضا عليها الانسحاب مقابل تسديد «كل ما انفقته وزيادة»، فيما نصحها مرشح متمول بالانسحاب «حتى ما تتبهدلي من جهة، وحتى نربح في مواجهة حزب الله من جهة ثانية».

هذا «الكلام» يضعه ياسين شمص في خانة «الشائعات»، إذ «لا امكانيات لدينا لشراء الاصوات ولم نصرف قرشا واحدا في هذا المجال». يتابع: «القوات تكفلت بنفقات المرشحين المسيحيين، والمستقبل تولى مصاريف المُرشَحَين عن المقعدين السنيين، فيما تكفل شمص مصاريف المرشحين الشيعة. لم نقبض من أي سفارة كما اتهمونا، ولا علاقة لنا أصلاً بزيارة القائم بالاعمال السعودي (وليد البخاري) إلى المنطقة لا من قريب ولا من بعيد».

فرص عمل إنتخابية!

في البقاع الشمالي، ثمة تسعيرات إنتخابية. بدل تعليق صورة مرشح على سيارتك، تنال قسيمتي بنزين وبطاقتي شحن خط هاتف. تؤمن سيارة تنال مبلغاً محدداً. مندوبو اللوائح تتراوح اجورهم بين 200 و300 دولار. وفيما حجزت لائحة حزب الله وأمل عشرات آلاف المندوبين ولائحة يحيى شمص ما يزيد على 5000 مندوب، لم تستطع لائحة «الإنماء والتغيير»، مثلا، تأمين العدد الكافي من المندوبين لعدم قدرتها على الدفع وخوف البعض من العمل لصالحها خشية ان ينعكس هذا الامر على وظيفته وعائلته. يقول المرشح على هذه اللائحة الدكتور علي زعيتر إن قانون الانتخاب حدد سقف الانفاق الانتخابي بـ 150 مليون ليرة، مشيراً الى أن «لائحتنا بالكاد تصرف عشرة الاف دولار وغيرنا يصرف مليون دولار، فأي قانون هذا الذي ابتلينا به؟».
خمس لوائح انتخابية تتنافس على المقاعد العشرة في دائرة البقاع الثالثة. المبارزة الاساسية بين لائحتين مكتملتين هما «الامل والوفاء» (امل، حزب الله، الحزب القومي، الأحباش، مستقلون) و«الكرامة والانماء» (تحالف المستقبل ــــ القوات). وفق توصيف المحامي جاد رزق، فان هاتين اللائحتين هما بالمضمون «لائحة واحدة هي لائحة السلطة». اما لائحتا التيار الوطني الحر و«الارز الوطني»، فتحالفاتهما قائمة على المصالح، فيما تمثل لائحة «الانماء والتغيير»، بالنسبة إليه، «نموذج المعارضة الحقيقية ولو انها غير مكتملة». اللائحة الأخيرة مدعومة من الحزب الشيوعي اللبناني وبعض القوى والشخصيات النقابية المستقلة.