هيام القصيفي – الاخبار
تحفل كواليس القوى السياسية المسيحية عشية الانتخابات النيابية بمراجعات لقانون الانتخاب وحيثياته وثغراته. عيوب القانون وصياغة التحالفات، تعيدها الى مرحلة قانون الدوحة، حين هلّلت له، ومن ثم انقلبت عليه
تتكشف يوماً بعد آخر عورات قانون الانتخاب الذي أجمعت القوى السياسية على إقراره، وفي مقدمها الأحزاب والتيارات المسيحية.
هي تماماً فرحتهم به، كما فرحتهم وتهليلهم، ولا سيما التيار الوطني الحر، حين عادوا من الدوحة في عام 2008 حاملين معهم قانوناً للانتخاب، اعتقدوا انه هو الذي يعيد الى المسيحيين حقوقهم، ويسترجع التوازن في السلطة ويحقق العدالة للمسيحيين واللبنانيين. لكن سرعان ما انقلب المسيحيون أنفسهم على اتفاق الدوحة، وبدأوا بالاجتماعات لسنّ قانون جديد، لمدة تسع سنوات، حتى وافقوا على قانون الانتخاب الحالي بعنوان النسبية، لكن مع تفاصيل وشوائب وعيوب بدأت تظهر تباعاً.
ما تشهده كواليس الانتخابات، عشية اليوم الاول من العملية الانتخابية للمغتربين والمقيمين خارج لبنان، وقبل ايام من موعد الاستحقاق في لبنان، يكاد يشبه ما حصل بعد الدوحة، إذ بات الجميع على يقين بأن ثمة إشكالات كبيرة ستنكشف أيضاً يوم الانتخاب أكثر فأكثر، وستكون السبب في أن بعض المسيحيين سيعضّون أصابعهم مرة أخرى ندماً على موافقتهم على هذا القانون. إلا إذا كانت المكابرة أيضاً ستحتّم عليهم ألا يعترفوا بالاخطاء التي ارتكبت، وبأن القانون لم يضمن حسن التمثيل ولا التوازن، متعهدين بالعمل على أن تكون التعديلات عليه في سلّم الاولويات.
تبعاً لذلك، كيف يخوض المسيحيون اليوم معركة الانتخابات وفق القانون الجديد؟
معركة القوى المسيحية اليوم، معركة مسيحية صرف، أي إنها بين القوى المسيحية نفسها، لا بينها وبين خصومها السياسيين والحزبيين. وبما أنه لاعنوان سياسياً لها، فهي تنحصر بين جزين وزغرتا، بالمعنى الجغرافي والسياسي، مروراً ببعدا والمتن وكسروان وجبيل وأقضية دائرة الشمال الثالثة (البترون والكورة وزغرتا وبشري). وتركز هذه القوى اهتمامها، وإن كانت تقدمت بترشيحات لمقاعد مسيحية في ما تعتبره «الأطراف»، على الفوز بالمقاعد المسيحية في المناطق ذات الغالبية المسيحية، فانقلب خوضها المعركة لتحصيل أكبر عدد ممكن من هذه المقاعد لسحبها بعضهم من بعض، من أجل الفوز بأكبر كتلة تجعلها تتحكم في المرحلة المقبلة.
ما يحصل في المتن والشوف وعاليه وبيروت الاولى وصولاً الى الشمال الثالثة، يكاد يكون نفسه. ولعل الخرق شبه الوحيد يتمثل في معركة القوات اللبنانية في بعلبك الهرمل، في مواجهة حزب الله. ما خلا ذلك، تسويات مع القوى السياسية الأكثرية في الدوائر المختلطة جنوباً وشمالاً، فيما تسبّبت الخطب حول هذه المقاعد وضرورة «استرجاعها» بخضة سياسية، زادت من الخلافات القائمة بين التيار الوطني الحر والرئيس نبيه بري، من دون أن يكون لها أي مردود انتخابي إيجابي.
والأدهى ما يحصل من صراعات داخل القوى السياسية نفسها، لترجيح فوز مرشحين حزبيين، مثال جزين وما يحصل من تقاسم مقاعد بين التيار وحركة امل والنائبة بهية الحريري، يجعل التيار نفسه يخوض المعركة بين مرشحيه، كما يحصل الامر نفسه في بعبدا وعكار. وهذا الامر سيكون له انعكاس مباشر على وضعه الداخلي بعد الانتخابات، لا سيما بعد انكشاف حجم الخلافات الداخلية بين المرشحين.
هنا، قد تكون القوات أكثر تحكّماً بإدارة عملية الاقتراع والاصوات التفضيلية، بعدما تحكّمت بطريقة الترشيحات، وإن كان سُجّل عليها تعثرها في إدارة التحالفات في معركة المتن وبعبدا كما باقي الدوائر.
وهذا التنافس الحاد بين القوى المسيحية، لم ينحصر داخل لبنان بطبيعة الحال، وهو سيكون حاضراً بقوة في انتخابات غير المقيمين، وستظهر نتائج انتخاباتهم حجم تأثير التنافس الحزبي والاصطفاف السياسي، على الذين يقيمون بعيداً عن السيطرة المباشرة للاحزاب وخدمات السلطة والنافذين فيها، وتأثير أدواتها السياسية والامنية.
عملياً، بدأت ثغرات القانون، وتطبيقاته العملانية، تشكل هاجساً حقيقياً أمام القوى السياسية، لا سيما أن الحسابات الانتخابية لا تشبه من قريب أو بعيد، تلك التي كانت تتم مع اعتماد القانون الاكثري. وهنا تقع الاشكالية التي جعلت كثيرين يعيدون حساباتهم في الدقائق الاخيرة. فإذا كانت التحالفات وضعت القوى المذكورة أمام استحقاقات وتحديات، استغرقت منها وقتاً، كي تنفذ منها بتحالفات هجينة وعشوائية احياناً، حتى داخل البيئة المسيحية ذاتها، فإن آلية تنفيذ القانون وطريقة الاقتراع، وتوزيع الاصوات التفضيلية والصراع الجاري حولها بطريقة علنية، ستجعل من يوم الانتخاب يوماً مشهوداً لهذه القوى، لا سيما أن حسبات جدية بدأت تعطي انطباعات لقوى نافذة تخالف توقعاتها الانتخابية، والكلام عن تشكيل قوة كبيرة ضاغطة لن يكون أمراً سهلاً.
ما يدور في الكواليس من حسابات وتوقعات، يشي جدياً بأن المعركة الانتخابية دخلت في مرحلة حساسة وخطرة، بناءً على أعداد الناخبين والمقترعين والاصوات التفضيلية وحجم المشاركة في لبنان والخارج. وهذه المرة لا يمكن لأي طرف أن يضع اللوم على الآخرين، لأنهم جميعاً تبنّوا هذا القانون ودافعوا عنه. فالتهليل له شيء، وما بعد 7 أيار شيء آخر.