طوني عيسى – الجمهورية
كشَف الجميع أوراقهم المستورة في صيدا – جزين. وكمّياتُ السمّ التي يطلقها بعضُ المعنيين سرّاً وفي المجالس الخاصة، يتجنّبون إظهارَها أمام الإعلام. بالنسبة إلى هؤلاء، هي معركة حياة أو موت. لذلك، لا بأس باستخدام الأسلحة المحظورة في هذه الأسابيع الحسّاسة. ولكن السؤال: ألا تفضح الانتخابات كلّ الوجوه على حقيقتها؟ وهل إنّ مظاهر الغرام الساذج، قبل الانتخابات، لم تكن سوى خداعٍ بخداع؟
الأكثر هدوءاً على جبهة صيدا – جزين هو الفريق الشيعي. منذ اللحظة الأولى، الرئيس نبيه بري و»حزب الله» حسَما الخيار: نريد ابراهيم سمير عازار في جزين وأسامة سعد في صيدا. ومنذ تلك اللحظة، يعمل الطرفان بجدّية وصمت لتوفير الظروف التي تسمح بتحقيق هذا الهدف.
ولكن، على الجبهة السنّية – المسيحية، كلام من العيار الثقيل يقوله الحلفاء (ليس معروفاً مَن هو الحليف الحقيقي لِمَن حتى داخل كل فريق) بحقّ الخصوم (ليس معروفاً مَن هو الخصم الحقيقي لِمَن حتى داخل كل فريق): «المستقبل»، «التيار الوطني الحرّ»، «القوات اللبنانية» وسواها.
ويشبّه البعض هذا الكلام بـ»ويكيليكس» الذي يكشف أنّ هناك الكثير ممّا جرى ويجري وسيجري تحت الطاولة. والأرجح أنّ لهذا اللعب تحت الطاولة أثراً حاسماً على نتائج الانتخابات.
في جزين، يتمّ التداول يشريط فيديو للنائبة بَهية الحريري، وفيه تتحدّث أمام المناصرين، وتقول فيه: «خلال زياراتي ولقاءاتي، وجدتُ أنّ الناس في صيدا يضعون عليّ شرطين:
– الأوّل هو ألّا يَكون تحالفنا مع «التيار الوطني الحر» عبر زياد أسوَد. وقالوا لي «غيِّروه».
– الثاني هو ألّا نتحالف مع «القوات اللبنانية»، لأنّ الأمر نبشٌ للقبور، علماً أنّنا أقفلنا تلك الصفحة وبدأنا صفحةً جديدة لأنها كانت نتيجة الحرب الأهلية. ولكنّ، نبْشَ القبور ما زال عالقاً في وجدان الناس. وأنا لا أستطيع أن أغيِّر الأمرَ وأن أردَّ على هواجس الناس أو آرائهم أو عواطفهم إزاء الماضي. علماً أنّ عجاج (حداد) ووالده «أصحابنا»، وأتواصل معهما كل يوم هاتفياً. ولكنني ما أردتُ أن أخدشَ مشاعر أهل مدينتي بالماضي».
أضافت الحريري: «عندما رفضَ الدكتور عبد الرحمن (البزري) التحالف معنا، جاؤوا إلينا من «التيار الوطني الحر» وسألوني: هل نستطيع أن نحاول (إقناعه)؟ قلت لهم: تفضّلوا وحاولوا. فجماعة «التيار» هم أكبر قوّة في المنطقة و»مِش بَطّال» الحاصل الانتخابي الذي يَضمنون تأمينَه.
لكنّهم تفاوضوا مع الدكتور عبد الرحمن وعَقدوا معه اتفاقاً تحت الطاولة، وأضافوا إليهم «الجماعة الإسلامية»، من دون أن يعودوا إليّ ويبلغوني بما حصل.
وقبل 4 أيام من انتهاء مهلة تشكيل اللوائح، وكان يوم خميس، هاتفَني ابني نادر وقال: «أمّي، لقد فرَطت مساعي التحالف مع «التيار الوطني». وعلينا الذهاب إلى المستقلين». وعندئذٍ، قرَّرنا التلاقي مع أمين إدمون رزق وصلاح جبران (عن المقعدين المارونيَين) وروبير خوري عن المقعد الكاثوليكي».
في فيديو آخر، تتحدّث النائبة الحريري عن ضغوط مارسَها رئيس الجمهورية الرئيس ميشال عون على صلاح جبران ما أدّى إلى انسحابه قبل إعلان اللائحة. وتقول: ضغط «التيار الوطني»، أي رئيس الجمهورية وجبران باسيل، على صلاح جبران. «ما قِدِر هَدّا». فاتصَل بي وقال: «ما رَح كَمِّل معكُن، ما عَم إتحمّل الضغط».
تضيف: «وهكذا، بقيَ معنا المرشّحان الآخران، واتفقنا مع السيّدة أنجال (الخوند) من بلدة صيدون». وتستدرك ممازحةً: «ما في غيرهن. وأيّ واحد بيفرط منهُن راحت اللايحة». وقد حاوَلوا سحبَ أمين رزق ولكنّه لم يرضَ. وكذلك حاوَلوا ثنْيَ روبير خوري عن إكمال ترشيحِه.
نحن أمام تحدٍّ كبير جداً. ولا نستطيع أن نربَحه إلّا بالمشاركة. وحماية صيدا تأتي من المشاركة. ويجب أن يكون عندنا أكثر من صوت (في المجلس النيابي) لنستطيعَ أن نحميَ مشاريع المدينة وقرارَ المنطقة. ونحن وجزّين منطقة ممتدّة، وليس جديداً أن يكون اتجاهنا صوبَها.
والرئيس (رفيق) الحريري اختار إنشاءَ مشروعه في كفرفالوس، التي هي نقطة وسطى بين كلّ المناطق. ونأمل إعادتها منطقة العيش المشترك وتتيح فرص العمل». وأكّدت أنّ صيدا «تستحق أن نعمل لها، وأن تكون أجملَ وأكبر».
إذاً، في «ويكيليكس» النائبة الحريري: زياد أسوَد مرفوض و»القوات» (حلفاء «المستقبل» المفترضون) مرفوضون كذلك… ولكن ذريعتها هي أنّ الناس في صيدا يرفضونهم.
وهنا تسأل الأوساط «القواتية» في جزين: إذاً، كيف يكون التحالف ناجحاً بين «المستقبل» و»القوات»، في الشوف مثلاً، ولا شكوى منه، فيما إقليم الخرّوب السنّي هو امتداد جغرافيّ وديموغرافي لصيدا – جزين، وكلّ أحداث الحرب التي شهدتها جزين – صيدا شَملت هذا الإقليم في الوقت عينه؟
رسمياً، تلتزم «القوات»، عبر مرشّحِها عجاج حداد، عدمَ الدخول في مساجلات في هذه الفترة. ولكن، يقال في الأوساط «القواتية» في جزين: «العداء لـ«القوات» ليس رمّانة بل قلوب مليانة». وأساساً ليس مفهوماً لماذا اختار «المستقبل» عقد تحالفاته الانتخابية في هذه الدائرة بعيداً عن الخيارات السياسية التي نلتقي عليها في 14 آذار.
وتضيف: في معزل عن الشعبوية الانتخابية، إنّ مسيرة «القوات» في جزين وصيدا لطالما كان عنوانها الدفاع عن الكرامة. وبعد الحرب، كانت «القوات» الأكثر اندفاعاً إلى طيّ الصفحة، فيما سواها ينبش القبور. ومحاولات البعض أن يُلصِق ترسّبات الحرب بـ»القوات» فيه الكثير من تحميل الضمير. وهو يَعرف ذلك. فهذه الترسّبات لا تعني «القوات»، بل تعني آخرين. وهؤلاء معروفون ممَّن يفكِّر ويتذكَّر… منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب في 1975.
ولكن، في «ويكيليكس» أوساط «التيار الوطني الحرّ» في جزين كلام أكثر عنفاً: يظهر بالصوت والصورة كيف أنّ السيّدة بَهية الحريري تتعاطى مع ملفّ الانتخابات بفوقية. فهي تريد أن تُحدِّد لأهل جزين مَن يمثّلهم ولـ»التيار الوطني الحرّ» مَن يمثّله في جزين. فهل يحقّ لها أن تمارسَ «الفيتوات» على القوى السياسية عندنا، وعلى الأشخاص داخل كلّ منها؟
ومنذ اللحظة الأولى، أرادت تعويضَ مقعد الرئيس فؤاد السنيورة في صيدا، الذي سيفوز به أسامة سعد، بأخذِ المقعدِ الكاثوليكي في جزين. فبأيّ حقّ تطالب بذلك، خصوصاً أنّ «التيار الوطني الحر» يخوض أيضاً معركةً ضدّ لائحة سعد نفسِها، على أحد المقعدين المارونيَين في جزين؟
ويكشف بعض المتابعين، القريبين من «التيار» في جزين، أنّ النائبة الحريري رَفضت فكرة تشكيلِ لائحة تضمّ «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» و«القوات»، ويمكن أن تحظى بدعمِ قوى أخرى. وتكون هذه اللائحة قادرةً على الفوز بـ4 مقاعد من أصل 5 في الدائرة. وأبلغَت الجميع منذ البداية أنّها لا تريد التحالف بأيّ شكل مع «القوات».
هؤلاء يستدركون: لا نَعرف ما الذي تقصده الحريري بكلامها على كونِ جزين امتداداً لصيدا. فإذا كان المقصود هو طِيبُ العلاقة التاريخية بين أهل صيدا وأهل جزين، فهذا أمر مرحَّب به دائماً عندنا. ونحن معروفون بمحبتِها الأخوية الصادقة لأهلنا في صيدا. وأمّا إذا كان المقصود هو هيمنةُ فريق سياسي على قرار جزين، تزامُناً مع قضمِ أراضي جزين، فهذا يَضرب صدقية العيش التاريخي المتفاعل، ويثير هواجسَ الهيمنة المرفوضة.
عند هذه النقطة، تلتقي القوى المختلفة في جزين. كلّها تخشى الهيمنة على قرار المنطقة من خارجها. ولكن، المصيبة لا تجمع هؤلاء. وهم لم يتمكّنوا من التحالف في لائحة واحدة تجمع شتات الأصوات الجزينية المنثور على اللوائح الأربع. وهذا التشرذم طبيعي، بل قَدَريّ، بين الزعامات المسيحية التي لا تعمل، غالباً، إلّا للمصالح الضيّقة.