فيما كانت تظاهرات مطلبية احتجاجية، أبرزها "مواطنون ومواطنات"، وبشعار "لا لحكومة المحاصصات"، تقوم في وسط بيروت معلنة" رفضها للحكومة الحالية وسياستها، ومطالبة بالدولة المدنية، كان رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب، يتوجه بكلمة إلى اللبنانيين، تتناول التطورات المحلية ومجرياتها ومسار الجهود والمعالجات ونتائجها حتى الآن.
دياب أكد أن محاولة الانقلاب سقطت، ولم تنجح كل الاجتماعات العلنية والسرية والاتفاقات تحت الطاولة وفوقها، ولدينا ما يكفي من المعطيات، وسنعلن ما نراه مناسبا بالوقت المناسب، قائلا: لن نسكت عن تحميلنا وزر سياساتهم التي أوصلت البلد إلى الكارثة التي نعيشها اليوم.
في الغضون، معادلة "لا إسقاط للـ3 ح"، أرستها تطورات اليومين الماضيين على الآتي: لا إسقاط للحكومة، لا إسقاط لحاكم المركزي، لا إسقاط للحراك.
غير أن المسار الذي تخوضه الحكومة، على مستويات النقد والاقتصاد والمفاوضات مع الصندوق الدولي، تعتريه صعوبات في الواقع المعيشي والاقتصادي الداخلي، وضغوطات شبه خانقة من الاستهداف الأميركي، ومتعرج وعر على الخارطة الاقليمية، خصوصا أن آفاق التفاوض الأميركي- الإيراني مبهمة حتى الآن.
ومهمة حاكم مصرف لبنان، بعد تطويقه بأربعة نواب حاكم من نادي المعارضين لسياسته، دونها صعوبات، وإن كان الاستغناء عنه غير وارد ضمن "المصطلح حاليا".
في أي حال، سعر صرف الدولار بدءا من الاثنين المقبل، ينتظر أن يتراجع تدريجا، بحسب ما أشار اليه الرئيس بري أمس من قصر بعبدا، بعد اللقاء الثلاثي: رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان، رئيس الحكومة، وقبل جلسة مجلس الوزراء- بعبدا التي ثبتت مقررات جلسة السرايا.
نائب رئيس نقابة الصرافين أوضح اليوم، أنه ضمن ما تم الاتفاق عليه أمس، هو أن يضخ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أوليا ثلاثين مليون دولار للأسبوع المقبل، في إطار إجراءات العمل لخفض سعر الصرف.
وكانت شوارع وسط بيروت التي تلملم جراحها، قد شهدت الليلة الماضية، موجة من أعمال التكسير والحرق والخلع. وقد جال الرئيس الحريري في قلب العاصمة متفقدا الأضرار، قائلا إن محاولة تشويه طرابلس وصورتها لإظهارها بمظهرالخارجة عن القانون، ستخفق بإرادة الطرابلسيين الشرفاء.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أن بي أن"
من سمح وسهل للفوضويين بالعبث والتخريب في وسط بيروت؟، وهل إحراق وتحطيم المحال والمؤسسات التجارية والاعتداء على الممتلكات العامة، يؤدي إلى خفض سعر الدولار وينتشل البلد من أزماته؟.
ما جرى ليل أمس غير مقبول بكل المقاييس، وهو برسم القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي، المسؤولة عن حفظ الأمن ومنع وصد المخربين وخفافيش الليل، إلى أي جهة انتموا.
نعم ما جرى ليل أمس في بيروت وطرابلس خطير وخطير جدا، ولا يمكن السكوت عنه وهو برسم رافعي شعارات الثورة، التي تحولت إلى مجموعات تخريب وعصابات تحرق وتنهب وتقطع الطرقات وتبتز المواطنين، وما يحصل يوميا على طريق بيروت- الجنوب أمر بات يحتاج إلى معالجة وتدخل سريع تداركا للأسوأ، فالثورة والمطالب المحقة شيء، والفوضى شيء آخر، وما على الدولة إلا الحسم قبل فوات الأوان.
وفيما شن رئيس الحكومة حسان دياب، في كلمة وجهها إلى اللبنانيين، هجوما عالي النبرة على من سبقوه، شدد أنه لن يسكت عن تحميل حكومته وزر سياساتهم التي أوصلت البلد إلى الكارثة التي يعيشها اليوم، لافتا إلى اكتشاف غرف كثيرة في الهيكل الذي تخرج منه روائح الصفقات والسمسرات والسرقات، والذي سيسقط على رؤوس الذين يختبئون في زواياه.
دياب تحدث عن سقوط محاولة الانقلاب، ملوحا بالإعلان عن ما يراه مناسبا بالوقت المناسب في هذا الإطار، وكشف أن حكومته أرادت في الأيام الأخيرة مواجهة مؤامرة التلاعب بالدولار عبر اتخاذ قرارات توقف مسلسل ابتزاز الدولة والناس.
هذا في وقت كرت فيه سبحة الاستنكارات على ما جرى أمس، رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري علق قائلا: "يا عيب الشوم". أما مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان فقال إذا غابت الدولة عن القيام بمهامها سادت شريعة الغاب.
حركة "أمل"، وبلسان رئيس الهيئة التنفيذية مصطفى فوعاني، دعت إلى قطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، والا تتحول صرخة الوجع عند الناس إلى حالة تفلت وتخريب.
أما "حزب الله" فدان بلسان النائب حسن فضل الله، أعمال العنف والاعتداءات، وقال ليس مقبولا أن يتذرع البعض بالثورة ليتم إلحاق الخسارة بالمواطن، وصرخة الجوع الحقيقية لا تكون بالاعتداء على الآخرين.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "المنار"
من يريد للمشهد الملتهب أن يتسعر ولمصلحة من؟، من يشعل شوارع بيروت والمناطق بإحراق الليرة بنار الدولار؟، هل الحكومة وحلفاؤها من يريدون إحراق أنفسهم؟، من يخرب ويكسر الممتلكات العامة والخاصة، والمحال التجارية المكسورة أصلا بفعل الواقع الاقتصادي، ويقطع الطرق ويحبس الناس في سياراتهم لساعات؟.
أسئلة ليس من الصعب الإجابة عليها، فمن أحرقوا وكسروا وقطعوا الطرقات في بيروت وطرابلس والجية والناعمة وخلدة وعلى طرقات البقاع وطرقات الشمال، إنما فعلوا فعلتهم أمام عدسات الكاميرات. فلتلاحقهم الأجهزة المعنية، وليساقوا إلى التحقيقات.
وليسألوا إن كان التكسير والتخريب في بيروت، غيره في طرابلس وصيدا وباقي المناطق والمحافظات، أم أن هواة السباحة واللهو على شواطئ اليونان، يريدون السباحة بلبنان في بحر المجهول؟، أم أنهم، وهم المصابون بشلل سياسي، يريدون شد عصبهم بخطاب واستثمار مذهبي طائفي مقيت؟.
فهل التحركات باتت على قاعدة الـ"مفرد- مزدوج" وفق اهواء واستثمارات البعض؟، يجيزونها يوما ويتبرأون منها في يوم آخر؟. تعالوا نسأل أهل الخبرة عمن يجمع أدوات التخريب ويأتي بهم بالباصات من على بعد عشرات الكيلومترات إلى ساحات بيروت؟، ومن يقطع الطرقات، ولا يرعوي عن تحريض الناس بكل أنواع الخطابات والشعارات؟.
في خطاب رئيس الحكومة حسان دياب، كانت دعوة للامتناع عن تشويه الاحتجاجات، وإلى الصبر لأن الحرب مع الفساد صعبة، لكن التغيير قادم حتما، وما قامت به الحكومة لمواجهة مؤامرة التلاعب بسعر الليرة، هي قرارات توقف ابتزاز الدولة والناس، وإن كانت لا تسطيع صناعة التحول السريع لكنها تفرض خيار التغيير بالمسار، رغم الحواجز السياسية التي تعترض الطريق.
رئيس الحكومة الذي أعلن عن سقوط محاولة الانقلاب، وفشل كل الاجتماعات السرية والعلنية، وأوامر العمليات الداخلية والمشتركة بالاطاحة بورشة اكتشاف الفساد، تحدث عن العثور على مفاتيح لغرف عديدة من ذلك البنيان الأسود الذي بدأت تخرج منه رائحة الصفقات، وهناك الكثير مما يمكن كشفه، كما قال الرئيس دياب.
ومن وسط الدخان والركام الذي خلفه المتربصون بالحكومة، ومن وسط الهم والعبء المعيشي الذي حملوه للناس، أكد دياب مضي الحكومة بخيارها الإنقاذي، وأنها لن تسمح بذهاب أموال الناس، أو أن تبقى ودائعهم مجرد أرقام.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أو تي في"
ما قاله حسان دياب اليوم، ليس كلاما عاديا، يمكن أن يقوله أي رئيس حكومة، في أي وقت. فالكلام استثنائي، من رئيس حكومة استثنائي، في ظرف استثنائي.
الكلام استثنائي في المضمون الصريح، ورئيس الحكومة استثنائي في المهمة التي تقارع المستحيل، والظرف استثنائي وسط أزمة غير مسبوقة في تاريخ لبنان.
كان أمل اللبنانيين بنا هزيلا، قال رئيس الحكومة. وكانت تلك فرصة لابتسامات صفراء بقيت مكتومة. ولكن، بعد أقل من شهر على انطلاق عمل الحكومة، بدأ اللبنانيون يلمسون الجدية، فتغير مزاج الناس، وهو ما أزعج كثيرا الذين راهنوا على فشلها، ومنذ ذاك الوقت، لم تتوقف الشائعات وحملات التحامل التي وصلت حتى إلى مسائل سخيفة.
ألا يكفي أننا نحاول إزالة الركام الذي تركوه خلفهم بعدما دمروا كل شيء وغادروا على عجل؟، سأل رئيس الحكومة، قبل أن يجيب: هذه الحكومة، لا يريد رئيسها، ولا أحد من وزرائها، منافسة السابقين، لا في السياسة، ولا في الأداء والأسلوب، ولا في الذهنية، ولا في الانتخابات. فلا، لست منهم، ولن أكون.
كان المطلوب منع الحكومة من تنفيذ قرارها بإزالة الركام الذي يخفي تحته أسرار هيكل الفساد، فانتظروا حتى تنتهي العملية، لأن هذا الهيكل سيسقط على رؤوس الذين يختبئون في زواياه التي كانوا يعتقدون أنها محصنة، فرهنوا مصير الناس ببقائهم في مواقعهم التي ظنوا أنها أملاك شخصية، ونسوا أنها مجد زائل، وأنها لو دامت لغيرهم لما اتصلت إليهم.
مجددا، سقطت محاولة الإنقلاب، أعلن حسان دياب. انقلاب لم يكن على الحكومة، فسيأتي يوم وترحل فيه هذه الحكومة، وهي أصلا لا تريد أن تبقى من دون فاعلية، ومن دون تحقيق خطتها لإخراج البلد من المأزق الذي أوصله إليه الفاسدون.
أنا أؤكد لكم أن حقوقكم محفوظة، شدد رئيس الحكومة. محفوظة عند المصارف، وعند المصرف المركزي، والدولة هي الضمانة. ولذلك، يجب أن نحمي الدولة، فالدولة غير مفلسة، لكن هناك تعثرا ماليا، ولكن يجب أن يتوقف التدمير الذاتي الذي يحرض عليه من لا يملك الضمير الوطني، ويمارس حقده الدفين.
ما نريده كثير جدا، قال الرئيس دياب، لكننا نواجه جدرانا مسلحة تقف في طريق أحلامنا، والحواجز السياسية تعترض طريقنا، نحن لا نستطيع صناعة التحول بسرعة من داخل آليات النظام، فإدارة الدفة من الداخل ثقيلة جدا.
ولكن في مقابل المشهد الأسود، التغيير آت لا محالة، ومهما حاولوا العرقلة، أكد رئيس الحكومة، وأنا مؤمن بقدرتنا على صناعة التغيير الإيجابي في حياة الناس، وفي مسار البلد.
أما الخلاصة العملية، للكلام الاستثنائي، الصادر عن رئيس حكومة استثنائي في ظرف استثنائي، فهي الآتي: في كل أزمة، مهما كانت صعبة، باب أمل وفرصة فرض تغيير فعلي. حسان دياب رئيسا للحكومة اليوم، باب أمل وفرصة. وميشال عون رئيسا للجمهورية منذ ثلاث سنوات، باب أمل وفرصة. والوحدة الوطنية والتضامن بين اللبنانيين للخروج من الأزمة، أيضا باب أمل وفرصة.
فأيها السياسيون، أو يا بعض السياسيين، لا تضيعوا الفرصة هذه المرة، كما في كل المرات. ويا أيها اللبنانيون، يا شعب لبنان الحي، لا تسمح لبعض السياسيين المعروفين بالإسم والهوية والصورة، كما قال رئيس الحكومة اليوم، بأن يضيعوا الفرصة.
هذه كانت رسالة حسان دياب اليوم، وهي رسالة كل صاحب ضمير حي إلى اللبنانيين في كل يوم.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أم تي في"
صدقوا أو لا تصدقوا: لبنان أصبح تحت رحمة بعض ركاب ال"موتسكيلات"، وتحت رحمة المخربين! ليل أمس بدت الصورة في العاصمة فاقعة وحزينة في آن. مجموعة من الفتية الموجهين من بعد، وبالخلوي بدلا من ال"ريموت كونترول"، توجهوا بدراجاتهم النارية صوب وسط بيروت وانتشروا فيه ليوزعوا الدمار والخراب.
لأكثر من ساعتين، وتحديدا من العاشرة إلى ما بعد منتصف الليل بقليل، تحرك المخربون كما يشاؤون، وفعلوا ما يشاؤون. ضربوا هيبة الدولة، والدولة لم تتدخل! شوهوا قلب بيروت، والحكومة غائبة عن السمع. استباحوا المحال التجارية، والقوى الشرعية لا تدافع لا عن الناس ولا عن الملكية الفردية. أشعلوا كل الحساسيات المذهبية وحركوا كل الغرائز الطائفية، وأركان السلطة يغطون في نومهم العميق. فهل أصبحت الدويلة أقوى من الدولة، أم أن الدويلة سيطرت نهائيا على الدولة بحيث صارت هي الدولة الأصلية؟.
الواضح أن مرسلي ركاب ال"موتسكيلات" ليل أمس، بدأوا يتصرفون على أنهم الدولة والدويلة في آن، على أنهم السلطة والمعارضة معا، على أنهم المقرات والسرايات والوزارات، وفي الوقت عينه الشوارع والتحركات والثورات. فمبروك لنا كلبنانيين حكم ركاب ال"موتكسيلات" ومن وراءهم، ووداعا لبنان القوي، والعهد القوي.
سياسيا، رئيس الحكومة قرر أن يتصدى لما يحصل بكلمة انتظرها اللبنانيون عصر اليوم. لكنهم، للأسف، عادوا وندموا على انتظارهم لها. فالرئيس دياب بدا في كلمته كأنه يعيش في كوكب آخر، أو كأنه رئيس حكومة لبلد آخر. هو تحدث عن كل شيء، وتعمق في كل المواضيع، لكنه أغفل الأهم: ما حصل ليل أمس في وسط بيروت. فهل مسموح لرئيس السلطة التنفيذية أن يكون منفصلا عن الواقع إلى هذه الدرجة، وأن ينسى حرائق مدينته، رغم انها على بعد أمتار قليلة من السرايا الكبيرة، حيث يعمل ويقطن؟.
إلى الانفصال عن الواقع، بدا دياب كأنه يعاني عقدة أخرى، هي عقدة خوض المعارك الوهمية مع عدو مجهول، ما ذكر مشاهديه ومستمعيه ببطولات "دونكيشوت" الذي كان يحارب طواحين الهواء. هكذا لم يتجرأ دياب في خطابه على لفظ اسم من يستهدفه بكلامه. فهل هذا الدور المفتعل الخالي من البطولة الحقيقية، يليق برئيس حكومة؟.
في المقابل صور دياب نفسه أنه بطل محاربة الفساد، وأنه خارج من رحم ثورة 17 تشرين، وأنه ليس كبقية المسؤولين ولن يكون منهم. فإذا كان هكذا حقا، فلماذا لم يأمر القوى الأمنية أن تضرب بيد من حديد لقمع المخربين؟. كذلك، لماذا وافق الأربعاء الفائت على صفقة التعيينات والمحاصصات وكان شريكا أساسيا فيها؟. والأهم: لماذا يقبل أن يكون مجرد دمية بيد القوى السياسية التي أوصلته؟.
دولة الرئيس: بصراحة، ليتك لم تتكلم.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أل بي سي آي"
من يستمع إلى خطاب رئيس الحكومة هذا المساء، يهيأ له أنه يلقيه فيما الإنقلابيون الذين فشلوا في انقلابهم، قابعون في السجن. إنه خطاب ما بعد سقوط محاولة الإنقلاب، كما وصفها، وبعد فشل كل الاجتماعات السرية والعلنية والاتفاقات فوق الطاولة وتحتها، وأوامر العمليات للإطاحة بورشة اكتشاف الفساد.
روحية الخطاب، عدا الإعلان عن فشل الإنقلاب، الإعلان عن اكتشاف مفاتيح هيكل الفساد وأسرار هيكل الفساد، كاشفا عن أن هناك تقارير ومعطيات، وواعدا بالكشف قريبا وبالوثائق والوقائع عن هيكل الفساد الذي سيسقط على رؤوس الذين يختبئون في زواياه.
إذا، الآتي من الأيام سيكون انتظارا ثقيلا لما ستكشفه الحكومة، بالوثائق والوقائع، عن هيكل الفساد، فهل ستكتفي بالكشف أم ستلحق ذلك بادعاءات في حق المتورطين والمشاركين؟. إذا فعلت تكون عملية مكافحة الفساد قد بدأت جديا، أما إذا لم تفعل، فسيكون ذلك سببا جديدا لإحياط الناس، علما أن الناس لا يحتاجون إلى أسباب إضافية ليحبطوا، فحتى اليوم كل ما يسمعونه يبقى مجرد وعود وتعهدات لكنها تبقى بحاجة إلى تطبيق.
في هجومه العنيف على من سبقوه في السلطة التنفيذية، كان لافتا لدى الرئيس دياب تبرؤه من ذلك الفريق، وكرر مرتين جملة: "لست منهم ولن أكون".
حدة الخطاب تشي بأن الرئيس دياب ما بعده لن يكون كما قبله. واضح من المضمون ومن الحدة أنه طفح الكيل بالنسبة إليه، ما يجعل اللبنانيين يتوقعون خطوات حكومية لم يشهدها الوضع منذ تشكيل هذه الحكومة، والمحتمل أن تكون البداية الإثنين، وكأن الرئيس دياب أراد من خطابه اليوم إعطاء إشارة الإنطلاق للمرحلة الثانية من العمل الحكومي، والتي تبدأ عمليا عند إفشال الإنقلاب وبدء تعقب الإنقلابيين وكشف وثائق إنقلابهم.
ولكن قبل استعراض ما ورد في كلمة الرئيس دياب، لا بد من التوقف في وسط بيروت، وكيف أفاق بعد ليلة التخريب الذي استهدفته. فيما استمرت في أكثر من منطقة لبنانية تحركات الأحتجاج على الأوضاع المعيشية.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "الجديد"
لم يكسروا بيروت من جهة الشرق، لكنهم حرقوا القلب من جهة الوسط. وعلى كلمة السر "يا قوم" كانت موقعة الداون تاون، فالتهب الشارع الممتد من رياض الصلح إلى اللعازارية فجسر فؤاد شهاب صعودا صوب بشارة الخوري.
فجر السبت كشف أسرار ليلة الجمعة الحزينة، وصراع الإخوة انتقل من البيانات إلى الطرقات، وامتطى التحركات المطلبية والمعيشية المحقة، فعاشت العاصمة فصلا آخر من فصول الرعب والتكسير والحرق والاعتداءات على الأملاك الخاصة، وتعدتها إلى الأملاك العامة من جيش وقوى أمنية وتوابعها من الاستخبارات والمعلومات.
الوجوه كانت مكشوفة وتكاد تكون معروفة، لكن لم يضبط أي جهاز أمني متلبسا بإلقاء القبض ولو على مفتعل واحد، أو على الأقل مصادرة دراجة نارية من قوافل الدراجات التي كانت "تنغل" بينهم، وتعتدي عليهم بالزجاجات الحارقة والحجارة والمفرقعات.
ليلة الدراجات بالنسبة إلى وزير الداخلية محمد فهمي انتهت. إلى أن ما جرى هو اعتداء سافر وحاقد ومستهجن ومرفوض. جهل فهمي المعلوم. والمعلوم المجهل عند الأجهزة الأمنية تكشفه "الجديد" بتحقيق استقصائي يسير لا يحتاج لا إلى أقمار صناعية ولا إلى طائرات مسيرة، بل إلى بكاميرا خفية لاحقت مسار بعض الدراجات التي افتعلت أعمال الشغب، انتهى بعضها في البسطا الفوقا والشياح وتحويطة الغدير وبعضها الآخر في الطريق الجديدة، ليتبين أن بعضها تابع لتيار "المستقبل" ومدعوم من بهاء رفيق الحريري، بحسب ما أكد موسى الكرمبي رجل بهاء رفيق الحريري ومسؤول إحدى المجموعات.
والمدعو كرمبي اعترف بأن بهاء الحريري يدعم المجموعة بألف دولار في الشهر، وبدوره يعطي كل فرد خمسين ألف ليرة ثمن بنزين في مقابل ليلة شغب واحدة.
أخذنا أسرارهم من صغارهم، أما كبارهم فلعب كل منهم على وتره. رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، امتطى حزنه على إرث والده، وهو يستطلع الأضرار، توعد رعاة الدراجات النارية بأن بيروت ليست مكسر عصا لأحد، ولن نقف متفرجين على تخريب العاصمة. وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وقف عند خط الوسط بين الأخوين حريري، وقال إن تحالف ال"موتوسيكلات" تذكر فجأة أنه فقير وجائع، بتعليمات مباشرة من قيادته وبجدول أعمال تدميري محدد، وله أهداف لا علاقة لها بالثورة لا من قريب ولا من بعيد، ونصب نفسه واليا على أهل بيروت قائلا إن لبيروت رجالها وكلمتها، ومن يعش ير ويسمع.
كل قدم ولاءه لبيروت على طبقة شابة مسحوقة تقيم في ضواحي الفقر، رأسمالها دراجة نارية وتدار بخمسين ألف ليرة. طبقة معروفة ومكشوفة والأجهزة الأمنية أدرى بشعابها، وفوقهم وزراء الداخلية الذين تعاقبوا عليها، ومنهم المشنوق الذي دبت فيه الحمية حين صار خارج الإطار. لكن ما ليس مبررا السكوت عنه، هو أن الجميع سابقا ومقيما في مواقع السلطة، يتكلم بالمداورة، والجميع يتحدث عن غرف سود ومجموعات وأشخاص ومندسين وكاملي الأوصاف في التخريب والتعدي، ولكن لم يستدع أي شخص للتحقيق، وكل يدعي على مجهول معروف باقي الهوية والإقامة ولوحة التسجيل.
وفي يوم "الحكومة المحكومة"، شعار تظاهرات اليوم التي أعادت النبض إلى شارع تشرين، خرج رئيس الحكومة حسان دياب بكلمة إلى اللبنانيين ليعلن انتصاره في التصدي لمحاولات الانقلاب، ويقول إن الاجتماعات السرية والعلنية سقطت، والأوامر الداخلية كشفت. تحدث دياب في العموميات، هاجم الماضي من دون أن يسمي أحدا لا في الحاضر ولا المستقبل. وبعض الماضي نفسه هو الذي شكل حكومة ظل، ويسير الأعمال والقرارات، يعين على شاكلته، ويشكل على عين القضاء ويقيم في غرف القرارات السود.
وعد دياب، وبالوثائق، بالكشف عن الفساد والمختبئين في زواياه قريبا. ولكن خير البر عاجله، والناس تحتاج إلى الحقائق لا إلى وعود الوثائق. صفى دياب حساباته السياسية من دون مضبطة اتهام. وبطريقه وعد برفع الظلم عن آلاف المحرومين من الوظائف والفائزين في مجلس الخدمة المدنية، لكن سقط من دفتر الإنجازات الآلاف الذين جرى توظيفهم بغير وجه حق ولحسابات سياسية وانتخابية.
فتح دياب مجددا دفتر الحساب مع مرحلة ما قبل السابع عشر من تشرين، لكن الحكومة صارت على الشبه، وشارع ما بعد الثورة لن يغلق الحساب العسير.