خبر

«حزب الله» يتصدّى لمؤتمر «سيدر»

أنطوان فرح – الجمهورية

 

ما هي المعايير التي ينبغي اعتمادها لتقويم نتائج مؤتمر «سيدر»؟ اذا كان المعيار الاساسي يستند فقط الى الأرقام، يمكن القول ان لبنان نجح في ضمان الولوج الى قروض ميسّرة توازي قيمتها الـ 10 مليار دولار. أما اذا كان المعيار في النتائج، والشروط الموضوعة من قبل المجتمع الدولي، يحتاج الحُكم على المؤتمر الى التفكير مرتين.
لا يختلف اثنان على ان انعقاد مؤتمر «سيدر» وتدفّق 48 دولة ومنظمة دولية للمشاركة في اللقاء، هو في حد ذاته اشارة ايجابية. كما أن الموافقة على تقديم قروض بقيمة مرتفعة وشروط ميسّرة، هو أيضا رسالة ايجابية. لكن تبادل التهاني والانخاب بنجاح المؤتمر، كما فعل البعض، ومواصلة إطلاق الوعود في توزيع «مغانم» المؤتمر لا يبشّر كثيراً.

هل نجح المؤتمر ام فشل، ولماذا؟

الجواب، لم ينجح ولم يفشل. ما كان متوقعا حصل. وكان معروفا ان هناك مبلغا من القروض سيتم تخصيصها للبلد. اما الاستناد الى الرقم للقول ان المؤتمر حقق نجاحا غير متوقّع، بمعنى ان المراقبين كانوا يتوقعون ان تصل قيمة القروض الممنوحة الى 6 مليار دولار فقط، لكنها وصلت الى 10 مليار دولار، فهذا ليس دقيقاً.

ما تبين لاحقا، ان مبلغ العشرة مليارات محتسبٌ مع الاربعة مليارات المتوفرة في الاساس، والتي سبق أن قدمتها اكثر من دولة ومؤسسة نقدية عالمية وعربية. وبذلك، واذا حسمنا مبلغ المليارات الاربعة يكون لبنان قد حصل فعليا على 6 مليار دولار.

في كل الاحوال، نجاح أو فشل المؤتمر ليس بالأرقام، وليس ابن ساعته. معيار النجاح في نقطتين:

اولا – كيف سيتم تنفيذ المشاريع المطروحة للتمويل بقروض ميسرة، وهل تمت دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع وتأثيرها على الاقتصاد.

ثانيا- هل ستتمكّن الحكومة من تنفيذ الشروط الموضوعة للحصول على القروض؟ وما تأثيرات هذه الشروط على أوضاع اللبنانيين؟

مكمن الخطر الاول الذي ظهر في المؤتمر، وهو بمثابة استكمال معنوي لأعمال مؤتمر روما، اشارات عدم الطمأنينة التي أبداها حزب الله، بعدما لاحظت قيادته وجود تركيز على ربط المساعدات للبنان، حتى ولو كانت على شكل قروض، بشروط سياسية تستهدف إضعاف موقف الحزب، حسب التقييم الذي أجرته قيادته.

ويبدو أن قيادة الحزب استشفت وجود ما اعتبرته استغلالا للضيقة المالية التي يعاني منها لبنان، وما قد يواجهه في المستقبل من صعوبات اضافية، لفرض شروط سياسية لم يكن في الامكان فرضها في السابق. وقد تكون التهنئة التي توجه بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى اللبنانيين بنجاح «سيدر»، هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وأكدت لحزب الله ما هو مؤكد: المؤتمرات الدولية ليست بريئة، والحزب في دائرة الاستهداف…

هذا الوضع الخطير وفق منظور حزب الله طبعاً، استدعى صدور قرار عن قيادة الحزب برفع مسألة مكافحة الفساد الى الاولوية المطلقة في المرحلة المقبلة بعد الانتخابات. وهذه اشارة الى أن الحزب يعتبر ان وقف السرقة هو المخرج البديل عن إغراق لبنان بديون اضافية، وإضعاف موقفه حيال رفض الشروط السياسية الدولية. وتوضحت الصورة أكثر من خلال الكلام الذي أعلنه أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، الذي ركّز على حجم الدين العام، وضرورة لجمه، من خلال محاربة الهدر والفساد.

وقال بوضوح انه لن يسمح بأي شكل من الاشكال، بمحاولة إقرار ضرائب جديدة على الناس، وان الحزب مستعد للتصدي لهكذا مشاريع من خلال النزول الى الشارع. مع الاشارة هنا، الى ان اكثر من طرف يتهم الحزب نفسه بالفساد، وتسهيل التهريب للتمويل الذاتي.

ولكي يُفهم معنى كلام أمين عام حزب الله، تنبغي مراجعة الشروط التي وردت في البيان الختامي لمؤتمر «سيدر»، ومنها ان «الحكومة اللبنانية التزمت بدعم من مجتمع المانحين ببلوغ هدف طموح يتمثل في تخفيض العجز في الموازنة بنسبة 5% من اجمالي الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الاجراءات المتعلقة بالواردات».

وفي حِسبَة بسيطة لهذا التعهّد، واذا اعتبرنا ان العجز الحالي للموازنة هو في حدود الـ6 مليار دولار، واذا احتسبنا تقديرات نمو حجم الاقتصاد في 5 سنوات، واحتسبنا تقديرات نمو الدين العام فقط، سنلاحظ ان حجم الناتج المحلي سيكون في العام 2022 حوالي 65 مليار دولار، وحجم الدين العام حوالي 110 مليار دولار. وهذا يعني ان نسبة العجز قد ترتفع الى اكثر من 15% من الناتج المحلي، على أساس ان خدمة الدين العام ستصبح في حينه حوالي 8 مليار دولار سنوياً.

ولكي تلتزم الحكومة بتعهداتها في خفض العجز الى 5%، عليها أن تؤمّن واردات اضافية بحوالي 4 مليار دولار سنويا. هذا المبلغ لا يمكن الوصول اليه من دون سلسلة جديدة من الضرائب والرسوم الموجعة شعبياً. فكيف ستنفذ الدولة ما تعهدت به، اذا كان حزب الله، وهو سيحظى حتماً في موقفه هذا بتعاطف كل اللبنانيين، تعهّد بدوره بالتصدّي لأي رسوم او ضرائب جديدة؟

هذه واحدة من معضلات «سيدر»، بل هذه معضلة دولة فاشلة، يريد المسؤولون فيها تمرير الانتخابات على وقع نجاحات لفظية، وهم يعرفون ان الأزمة ستتفجّر لاحقا، سواء طبقوا شروط «سيدر»، او لم يطبّقوها. في الحالتين، الثمن الموجع سيُدفع من قبل اللبنانيين.