كتبت ايفا ابي حيدر في "الجمهورية": خرجت أزمة الدولار عن السيطرة على رغم تطمينات حاكم مصرف لبنان المتواصلة، وعلى رغم التعميم الخاص الذي أصدره لتنظيم استيراد المحروقات والقمح والأدوية، فالأزمة فُتحت على مصراعيها بعد إعلان قطاع المحروقات الاضراب المفتوح، وإعلان أصحاب الافران الاضراب بعد غد، وتأكيد حاكم مصرف لبنان أنه لن يَطرأ أيّ تغيير على آليّة التعميم الذي صَدر.
حتى الآن ينحصر الاضراب في قطاعين أساسيين، هما المحروقات والقمح. لكنّ كل المؤشرات تدلّ الى أنّ الأزمة تسير نحو مزيد من التعقيد، وستظهر الايام المقبلة انّ كل القطاعات تعاني أزمة الدولار. وهناك قلق من فقدان أنواع من الأدوية من الاسواق وبعض المواد الغذائية الاساسية، كما من المتوقّع أن تعلو صرخة الصناعيين لحاجتهم الى المواد الأولية الضرورية لاستمرارية التصنيع اللبناني. الأزمة تَتفلّت شيئاً فشيئاً، ليتظَهّر انّ الأزمة الحقيقية تَكمنُ في انّ سعر الدولار تَغيّر واقعياً، ولو انه ثابِت على المستوى الرسمي، والخطوة الآتية تكمنُ في كيفية تأقلم السوق مع هذا الوضع، لكنّ المؤكد انّ الزيادة في الأسعار ستلحق كل القطاعات، وانّ السعر الرديف للدولار سيكون هو المعتمَد في كل التسعيرات المقبلة، مع ما يعني ذلك من ارتفاع في اسعار السلع مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
جاء قرار أصحاب المحروقات إثر اجتماع طارئ عقدته النقابة نتيجة إعلان تَجمّع الشركات المستوردة للنفط أمس، عدم تسليم المحروقات في السوق المحلي الّا بالدولار الاميركي، فقررت محطات المحروقات الاضراب المفتوح.
في هذا السياق، أوضحت النائب السابق لرئيس تجمّع شركات مستوردي النفط، دانيا نكد، لـ"الجمهورية" انّ استحالة تنفيذ التعميم، الصادر عن مصرف لبنان، كان وراء القرار بالتوَقّف عن تسليم المحروقات الى السوق، إضافة الى الاخلال بالاتفاق الذي رَعاه الحريري بين المصارف وأصحاب الشركات المستوردة للنفط، والذي يقوم على تأمين الدولارات بالسعر الرسمي للمستوردين ثَمن فواتير المحروقات التي اشتراها أصحاب الشركات المستوردة للنفط قبل صدور التعميم.
أضافت: التعميم الذي صدر عن مصرف لبنان كان على أساس ان يقوم، عن طريق المصارف، بفتح اعتمادات الى الشركات المستوردة، شرط ان تقوم الشركات المستوردة بوضع إيداعات بنسبة معينة في المصارف، لكن بطلب من مصرف لبنان أن يكون الايداع بنسبة 100 في المئة بالليرة اللبنانية و15 في المئة بالدولار. تَعذّر على الشركات، التي ليس بمقدورها ان تؤمّن هذا المبلغ، التنفيذ، لذا طلبت من أصحاب المحطات والموزّعين إمّا تأمين مبلغ المشتريات نقداً بالدولار وإمّا نقداً بالليرة اللبنانية. منطقيّاً، لا أحد يملك مبلغ شراء المحروقات نقداً ليدفع ثمنه يومياً بشكل كامل، ونحن هنا نتحدث عن مليارات الدولارات، فالمحطات تقبض أحياناً ثمن سعر المحروقات ببطاقات الائتمان لتحصّلها لاحقاً، أو تتعاقد مع بعض الشركات او المؤسسات، مثل المستشفيات او المعاهد او الجامعات التي تدفع لها شهريّاً ثمن المحروقات، كما تعطي تسهيلات لأصحاب المولدات والافران والمصانع وتُمهلهم بالدفع. لذا، يستحيل دفع المبالغ هذه بشكل يومي ونقداً، ما يعني انّ الآليّة الموضوعة في تعميم المركزي غير قابلة للتنفيذ. في حين انه كان أمام أصحاب الشركات المستوردة للنفط في السابق مهلة 35 يوماً، على أقل تقدير، لدفع مستحقاتها.