اليوم بات هذا القطاع "منتفخا" لدرجة الانفجار لا بل "التشظي" والسبب في ذلك عائد الى السياسات المالية المتبعة منذ التسعينات. ومع تعطيل القطاع العقاري ماذا يكون مصير ما تبقى من الاقتصاد الريعي خصوصا الفوائد على الخزينة العامة؟
ليست هذه المرة الاولى التي يعاني فيها القطاع العقاري اللبناني أزمة خطيرة وتراجعاً حاداً في الأسعار؛ فقد سبق وشهدت اسعار الشقق السكنية انخفاضاً لامس 50% في منتصف تسعينات القرن الماضي. آنذاك كان للأزمة العقارية سببان: الاول هو موجة التفاؤل التي رافقت فترة ما عرف بإعادة اعمار لبنان بعد اتفاق الطائف والذي اطلق الشرارة الاولى للفورة العقارية التي لم تدم طويلاً. فالذين تهافتوا على شراء الشقق عادوا وقاموا ببيعها نتيجة لزيادة الهجرة والاغتراب الامر الذي أنتج آلاف الشقق الفارغة. اما السبب الثاني فيعود الى رفع الفوائد المصرفية بنسب كبيرة وصلت الى 35% حتى بات المستثمرون يفضّلون الحصول على فوائد ودائعهم المصرفية بدلا من الاستثمار في العقارات وهو المشهد الذي يتكرر اليوم.
شهد القطاع العقاري ازدهاراً كبيراً بين العامين 2007 و2011. وقد تُرجم ذلك في الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات، الذي بدأ في بيروت وسرعان ما تمدّد إلى كل المناطق اللبنانية. ففي العام 2008، كان الطلب على العقارات يفوق العرض إلى حد ما، هذا الامر أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار. برّر اصحاب المصالح الارتفاع الهستيري في الاسعار بندرة المساحات الصالحة للبناء وهذا ما يجعل أسعار العقارات غير المبنية الباقية مرتفعة. كذلك، ساهمت الاموال الاغترابية في فورة هذا القطاع، اضافة الى ارتفاع اسعار النفط التي بلغت ذروتها آنذاك، وما رافقها من ارتفاع في كلفة المواد الاولية المستخدمة في البناء. أوائل العام 2012، بدأ المطورون العقاريون يشكون من تباطؤ في وتيرة الطلب بعدما كانت قد وصلت الى حدّ الجنون؛ اما اليوم فلم يعد الاستثمار في مجال العقارات، لا سيما المبني منها، ملاذاً آمناً بالنسبة الى كثيرين، خصوصاً ان الاسعار تتراجع بوتيرة متسارعة حيث لامس التراجع حدود الـ50% في بعض المناطق بحسب تقديرات عدد من المتابعين. لم تعد مسألة انخفاض الاسعار وهبوطها مطروحة اليوم فقد اعترف الجميع بدءا من مصرف لبنان، مرورا بالمصارف التجارية وصولا الى المطورين العقاريين بان السوق تعاني أزمة لم يشهد لبنان لها مثيلا حتى خلال سنوات الحرب.
"تكمن المشكلة الفعلية التي تستنزف القطاع العقاري في عجز ميزان المدفوعات وهروب الرساميل من لبنان، فقد خرج من لبنان 10 مليارات و250 مليون دولار خلال السنة والنصف الاخيرة أي ما يوازي الأموال التي يرتقبها لبنان من سيدر على فترة تمتد لاكثر من عام. الى ذلك، من شأن تفاقم الفوائد العالية أن يؤدي الى انخفاض الأصول كافة ومن ضمنها العقارات. عند تقييم الاصول، يتم احتساب الإيرادات المستقبلية ذات القيمة الفعلية ومن ضمنها كلفة رأس المال المرتبطة مباشرة بالفوائد. تؤدي الفوائد المرتفعة الى زيادة خدمة الدين العام كما والى غياب الاستثمارات الخارجية وفي الوقت عينه تزيد الكلفة التشغيلية وكلفة اقتراض الشركات. وتسهم الكلفة العالية في زيادة البطالة وبالتالي انعدام الطلب الداخلي على العقارات والشقق السكنية"، يقول الاستراتيجي في شؤون الاستثمار جهاد الحكيّم.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا