تسببت موجة التضخم الكبيرة التي ضربت العالم جراء حرب أوكرانيا، وما تبعتها من أزمات شملت ارتفاع أسعار النفط وتوقف تصدير الحبوب من أحد أكبر البلدان إنتاجا له، في موجة من التظاهرات في الولايات المتحدة، ولجوء كثيرين إلى الإعانات الغذائية في المملكة المتحدة.
ووفق وكالة “رويترز”، أدت الأزمة المزدوجة لحرب أوكرانيا وعمليات الإغلاق الصينية الجديدة لوباء (كوفيد-19) إلى زعزعة الانتعاش العالمي من خلال تفاقم التضخم وإلحاق الضرر بالنمو.
ففي الولايات المتحدة، لم يجد موظفو مطعم للوجبات السريعة في مانهاتن، إلا التظاهر من أجل الحصول على 20 دولارا في الساعة، وهو مطلب كان يعتبر “غير معقول” قبل (كوفيد-19).
لكن هذا المطلب لم يعد مستغربا في وقت تعرض فيه الشركات زيادات كبيرة في الأجور لمعالجة النقص في العمالة، لكن من دون القيام بالكثير لتقليص الفجوة المتزايدة في المداخيل.
ويأتي الضغط المرتبط بالأجور نتيجة عوامل عدة من بينها سوق العمالة الذي يشهد نقصا غير معهود والتحديات المرتبطة بالعناية بالأطفال على خلفية الوباء، فضلا عن عدم رغبة الموظفين الذين قبلوا بأجور منخفضة على مدى سنوات في العودة إلى ظروف العمل التي كانت سائدة ما قبل (كوفيد-19).
ولم يضطّر أرباب العمل لرفع الأجور فحسب، بل عرضوا في بعض الحالات تحسين وضع التأمين الصحي والحوافز.
ويقول كبير خبراء الاقتصاد لدى إرنست آند يانج بارثينون “جريجوري داكو” إن “أرباب العمل الرئيسيين في البلاد أدركوا أن عليهم رفع الأجور إلى حد مرضٍ إذا كانوا يرغبون بجذب عمال يمكنهم الاعتماد عليهم للمساعدة في مواجهة هذه الفترة التي تسودها ضبابية كبيرة”.
ففي صيف 2021، وبينما كانت الولايات المتحدة تواجه نقصا لافتا في العمالة، رفعت العديد من كبرى الشركات، بما فيها “أمازون” و”تارجت” و”تشيبوتل”، الأجور الأساسية إلى أكثر من من 15 دولارا في الساعة، أي أكثر من ضعف الحد الأدنى الفيدرالي البالغ 7.25 دولارات، وهو رقم لم يتغيّر منذ العام 2009.
وأعلن “بنك أوف أمريكا”، الأسبوع الجاري، أنه سيرفع الحد الأدنى للأجور إلى 22 دولارا في الساعة، وهو رقم يتوقع أن يرتفع إلى 25 دولارا بحلول العام 2025.
وفي أنحاء الولايات المتحدة، منحت أكبر الزيادات في الأجور إلى بعض العمال الأقل أجرا، والذين ألحوا على مطالبهم في ظل (كوفيد-19).
إلى ذلك، حتى وإن بدت زيادات الأجور كبيرة، خصوصا بالنسبة لموظفي الفنادق والمطاعم، فإن العاملين في هذا القطاع ما زالوا يحصلون على أقل من متوسط الرواتب على المستوى الوطني.
ورغم الزيادات الأخيرة، “تبقى مستويات الأجور غير متساوية بشكل لافت في سوق العمالة في الولايات المتحدة مع تفاوتات صارخة بين العمال في مستويات الأجور وبناء على الجنس والعرق”، وفق “داكو”.
وفي المملكة المتحدة، يتدفق كثر من سكان برادفور في شمال إنجلترا، على مركز لتوزيع المساعدات الغذائية لاستلام حصص توصف بأنها “إنقاذية”، في خضم أسوأ أزمة غلاء معيشة تشهدها البلاد منذ أجيال.
وتضاعف عدد المستفيدين من المساعدات التي يقدّمها مركز توزيع الإعانات الغذائية في برادفور مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، بعدما أدى الارتفاع المتسارع في أسعار الطاقة والغذاء وغيرها من السلع الأساسية إلى تزايد أعداد البريطانيين الذين يواجهون صعوبات معيشية.
ويقول “كارل كارول” (33 عاما) المتطوع في مركز توزيع الإعانات الغذائية، والذي يعتمد على المساعدات منذ العام 2019، إن “الأعداد تضاعفت من أن تطوّعت”، متوقعا أن “تزداد (الأمور) سوءا”.
ويوضح: “بالكاد يتبقى لي 40 جنيها (50 دولارا/47 يورو) بعد تسديد كل مصاريفي، أتصور أن العائلات تعاني بشكل أكبر”.
ويصف المراكز، التي تتولى توزيع الإعانات الغذائية على غرار مركز برادفورد بأنها “إنقاذية”، مشددا على أن هذه المراكز “يمكنها حقا مساعدة الأشخاص الذين يجدون أنفسهم أحيانا مضطرين للاختيار بين التدفئة والتغذية”.
ويعد الإقبال المتزايد على مراكز توزيع الإعانات الغذائية أحد أبرز مؤشرات الأزمة.
وتقول جمعية “تراسل تراست” الخيرية إن المراكز التابعة لها، والتي يتخطى عددها 1400 مركز وزّعت 2.1 مليون حصّة العام الماضي، بينها 830 ألفا للأطفال، بزيادة نسبتها 14% مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
ويعمل مركز الجمعية في برادفور ثلاثة أيام في الأسبوع، وتشغّله منظمة كنسية محلية، وهو قادر على إمداد الأشخاص بثلاثة حصص فقط خلال 6 أشهر نظرا لحجم الطلب.
وتتضمن هذه الحصص منتجات على غرار الحبوب والحساء المعلّب واللحم والسمك والمعكرونة والصلصات والخضار والبسكويت والسكر والشاي والقهوة.
والخميس، أعلنت الحكومة البريطانية عن حزمة مساعدات كبرى إضافية تبلغ 15 مليار جنيه إسترليني (19 مليار دولار) للأكثر تضررا، مع توقع ارتفاع فواتير الطاقة في أكتوبر/تشرين الأول، بنسبة 42%، بعدما ارتفعت الشهر الماضي بنسبة 54%.
و75% من هذه الأموال ستحوّل إلى متلقي الإعانات الحكومية، بواقع 650 جنيها لتغطية “غلاء المعيشة” للغالبية مع 300 جنيه للمتقاعدين، و150 جنيها للمستفيدين من إعانات الإعاقة.
لكن هذه المساعدات لا يمكنها تهدئة مخاوف الناس من أنهم مقبلون على ما هو أسوأ.
ومن المتوقع أن يواصل معدّل التضخّم البالغ ارتفاعه، ما من شأنه أن يطغى على أي مساعدات إضافية.