وصف مسؤول بصندوق النقد الدولي الوضع الاقتصادي التونسي بالكارثي، كاشفا أن حكومة نجلاء بودن تقدمت بمشروع يتمتع بميزة مصداقية أكبر ما يمثل فرصة أكبر للنجاح مما كان عليه في الماضي.
جاء ذلك في إجابة لمسؤول الاتصال في صندوق النقد الدولي غيري رايس على سؤال من دلفين تويتو، الصحفية المسؤولة عن الاقتصاد الدولي في وكالة الأنباء الفرنسية، التي قالت: “لقد أبلغت منذ نهاية آذار/ مارس الماضي عن بعض التقدم مع السلطات التونسية، ماذا حدث منذ ذلك الحين؟ وهل يمكن أن تعطينا فكرة عن التوقيت؟ أي متى نتوقع اتفاقا؟”.
وأجاب المسؤول: “ليس لدي الكثير لأضيفه إلى ما قلته سابقا. نتابع تطور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس. لقد أجرينا مناقشات فنية مع السلطات، وهذه المناقشات مستمرة منذ بداية العام الجاري، وسيستمر هذا على المستوى الفني ولضمان إمكانات التطوير”.
وتابع: “في غضون ذلك، وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الكارثي، يجب ألا ينتظر الإجراء الحاسم وتنفيذ الإصلاحات انتهاء هذه المناقشات أو برنامج صندوق النقد الدولي”.
وفي ملاحظة أكثر إيجابية، أشار رايس إلى أن “برنامج الإصلاح الداخلي كما تقدمه الحكومة الحالية يتمتع بميزة مصداقية أكبر وبالتالي فرصة أكبر للنجاح مما كان عليه في الماضي”.
وتحاول تونس الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار على مدار 4 سنوات بهدف تمويل خزائن الدولة، وسط مخاوف جدية من فشل المفاوضات، في ظل معوقات داخلية وخارجية قد تحول دون أن تستجيب السلطات التونسية إلى شروط صندوق النقد الدولي.
وداخليا، عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه لبعض بنود وثيقة الإصلاحات التي ستتفاوض على قاعدتها السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها تجميد الأجور في الوظيفة العمومية لمدة 5 سنوات متتالية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وفي مقدمتها المحروقات، فضلا عن خوصصة بعض الشركات الحكومية.
وقال الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل إن “للاتحاد شروطا في ما يتعلق بالمفاوضات مع الصندوق، ومنها أن يكون برنامج الإصلاحات تونسياً خالصاً لا مسقطاً من الخارج”.
ويشترط صندوق النقد الدولي موافقة الأطراف الاجتماعيين، ومنهم اتحاد الشغل، على وثيقة الإصلاحات للمضي قدما في المفاوضات.
ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات الرسمية بين تونس وصندوق النقد الدولي لإبرام اتفاقية تمويل جديدة في الأسابيع المقبلة، كما أكدت وزيرة المالية سهام نمصية.
وبعد انتهاء المباحثات مع صندوق النقد الدولي بشأن المحاور الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، تتكون المرحلة التالية من المشاورات التي ستجرى خلال الأيام المقبلة بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي.
وفي هذا الصدد، أشارت وزيرة المالية إلى أن المحادثات التمهيدية للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد بدأت على أساس برنامج إصلاحي يتعلق بقانون الأجور والإصلاح الضريبي وإصلاح المؤسسات العامة والمساعدات.
وفي تصريحات لإذاعة “موزاييك” الخاصة، قالت الوزيرة التونسية إنها “متفائلة بالمشروع الذي أعدته الحكومة”، مضيفة أنه “مشروع إصلاحي تونسي 100٪ يلبي احتياجات هذه المرحلة”.
وكشفت نمصية أن برنامج الإصلاحات الذي قدمته الحكومة التونسية يؤكد أن خصخصة بعض الشركات العامة ورفع الدعم عن المواد الأساسية لم يتم تضمينها في المقترحات، مؤكدة وجود برنامج لمنح الإعانات للمحتاجين من أجل تعزيز قدرتهم الشرائية.
كما كشفت الوزيرة أن شركاء الحكومة، اتحاد الصناعة واتحاد الشغل تلقوا نسخة من النسخة الأولى من العروض، قائلة إن اتحاد الصناعة قد قدم بالفعل ردودا ومقترحات إلى الحكومة، لكن ليس هذا هو الحال مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لم يتخذ أي رد فعل حتى الآن، بحسب قولها.
“الأكثر ضعفا”
قبل أيام قليلة، نشرت وكالة الأنباء الأمريكية التابعة لمجموعة “بلومبيرغ إل بي”، المتخصصة في الاقتصاد والتمويل، دراسة بعنوان “الحرب الروسية ترفع مخاطر التخلف عن السداد للاقتصادات المتعثرة”.
وبحث التقرير في سوق الديون في “البلدان الأكثر ضعفاً” من بين ما يسمى الاقتصادات الناشئة، حيث ضمت القائمة 13 دولة، بينها تونس التي احتلت المركز السابع، خلف إثيوبيا، وهو ما يوضح أن تأمين الائتمان الافتراضي بلغ أعلى مستوياته منذ أيار/ مايو 2020، تاريخ تفشي وباء فيروس كورونا.
تصريح شاركه الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان، الذي ذكر أنه “قبل ثلاث سنوات فقط، كان لا يزال بإمكان تونس الاقتراض بمعدل فائدة يقارب 10 بالمئة، وتسديد آجال استحقاق طويلة تصل إلى 30 سنة. اليوم، إذا كانت تونس ستنخرط مرة أخرى في أسواق القروض، فيمكننا الاقتراض فقط بمعدل 25.4 بالمئة، ويمكن سداده على فترات قصيرة تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات”.
في إحدى المقابلات النادرة التي أجريت مع الصحافة، قام وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد بنسبية مسؤولية حكومته في الأزمة الحالية، حيث قال في تصريح لـ”فرانس 24″ إن “التراكم يعود إلى الهجمات الإرهابية في عام 2015 وإلى السياق العالمي الذي تعرضت موازينه للاضطراب بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي سبقه وباء كورونا”.
وجاءت هذه التطورات بعد أيام من مشاركة رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن في المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، قبل أن تترأس وفد بلادها في افتتاح الدورة الخامسة للمؤتمر الدولي “تمويل الاستثمار والتجارة في إفريقيا” “فيتا 2022″، حيث قالت إن “القارة الأفريقية تواجه ضعف بنيتها التحتية وضرورة إيجاد حلول تضمن الأمن المائي والغذائي والطاقة والبيئة”.
الشركات الأهلية
في غضون ذلك، فإن المشاريع الاقتصادية التي أوصى بها المشروع الرئاسي لقيس سعيّد تتعارض بداهة مع وصفات تحرير الاقتصاد التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، حيث أقر رئيس البلاد في 19 أيار/ مايو قانون “الشركات الأهلية”.
وتهدف هذه الكيانات التي تشبه شكلا من أشكال العودة إلى التبادلية إلى حل شامل لآفة البطالة، وتعتزم “إنشاء نظام قانوني خاص على أساس المبادرة الجماعية والمنفعة الاجتماعية”، والتي ستكون قادرة على الاستفادة بشكل خاص من الدولة الزراعية لحل مشكلة البطالة.
تصنّف الشركات الأهلية ضمن “خانة الشخصية المعنوية” التي يتم إحداثها من طرف أهالي جهة أو منطقة معيّنة وتعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي، بحسب ما جاء في الفصل الثاني من المرسوم الرئاسي الخاص بتأسيس الشركات الأهلية.
وتهدف هذه الشركات، بحسب الفصل الثالث من المرسوم، إلى “تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها”.
من بين الامتيازات التي تتمتع بها هذه الشركات، إلى جانب الإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات، التصرف في الأراضي الدولية واستغلالها لصالح المشاريع الفلاحية والإنتاج الغذائي.
وحسب بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، ارتفعت نسبة البطالة إلى 18.4 بالمئة في الربع الثالث 2021، صعودا من 17.9 بالمئة في الربع الثاني من العام نفسه، و17.8 بالمئة في الربع الأول.
ووفقا للبيانات، فإن نسبة البطالة كانت تبلغ 15.1 بالمئة في الربع الأول 2020، و18.0 بالمئة في الربع الثاني، و16.2 بالمئة في الربع الثالث، و17.4 بالمئة في الربع الرابع من نفس العام، و14.9 بالمئة في الربع الرابع 2019.