ارتفع الدين العام للبنان، الذي يترنح تحت أسوأ أزمة مالية في تاريخه، بأكثر من مليار دولار في شهرين ليصل الى أعلى مستوى له منذ نيل البلد العربي استقلاله قبل اكثر من 7 عقود.
وتزامن الارتفاع مع استمرار التراجع في الأصول الخارجية لمصرف لبنان (البنك المركزي) المقومة معظمها بالدولار الأمريكي، لتصل الى حوالي نصف مستواها منذ 4 سنوات نتيجة الإنفاق الضخم على دعم واردات السلع الأساسية، خاصة المواد الغذائية والدواء والوقود التي شهدت أسعارها في الفترة الأخيرة ارتفاعا حادا.
وأظهرت بيانات حديثة لمصرف لبنان أن الأصول الخارجية، باستثناء الذهب، تراجعت بحوالي 2.5 مليار دولار منذ نهاية العام الماضي لتصل الى 21.6 مليار دولار بنهاية نيسان الماضي، أي ما يقارب نصف مستواها البالغ 42 مليار دولار بنهاية عام 2017.
وبين تقرير المصرف أن الدين العام للحكومة وصل الى 96.84 مليار دولار بنهاية شباط/فبراير الماضي، وهو أعلى مستوى له في تاريخ لبنان، وذلك مقارنة مع 95.61 مليار دولار بنهاية 2020 وحوالي 92.19 مليار دولار بنهاية شباط عام 2020 في حين لم يزد الدين عن نحو 60 مليار دولار في نفس الشهر عام 2015.
وتراكم الدين في السنوات الأخيرة نتيجة الاقتراض المتواصل لتمويل عجوزات الميزانية بسبب الانفاق الضخم اضافة الى العجوزات في ميزان المدفواعات والفساد وأسباب اخرى.
وأدت الأزمة الحالية الى انهيار الليرة اللبنانية بأكثر من 90% من قيمتها لتصل اليوم الجمعة الى 15300 أمام الدولار الأمريكي مقابل سعر رسمي يبلغ 1507.
وتسبب انهيار الليرة بارتفاع قياسي في معدلات التضخم تجاوز 400% بمعظم السلع الأساسية ما أدى بدوره الى ارتفاع كبير في أعداد الفقراء في لبنان البالغ عدد سكانه حوالي 6.5 مليون نسمة بمن فيهم مليون لاجئ سوري و400 الف لاجئ فلسطيني.
وفي تقرير صدر الأسبوع الجاري رأى ”منتدى البحوث الاقتصادية“ في القاهرة أن لبنان يواجه مأزقا بسبب تراكم الدين العام بعد تجاوزه الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير.
وقال التقرير: ”من أجل معاجلة الدين العام يمكن للحكومة اللجوء إلى العالم الخارجي للاقتراض، لكن ذلك سيؤدي إلى حرمان لبنان من الحرية المالية التي كان يتمتع بها لأكثر من عقدين، كما أنه من المرجح أن يفرض المقرضون الأجانب انضباطًا ماليًا من غير المرجح أن ينفذ أو حتى يقبله لبنان“.
وحذر التقرير من أن الاقتراض الخارجي سيزيد من تكلفة خدمة الدين العام وأنها طالما استمرت خدمة الدين في الازدياد، فسوف يتدهور الاقتصاد أكثر.
وقال التقرير ”في ضوء حالة عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد اللبناني، يبدو أن تقليل الخسائر هو أفضل إستراتيجية، ويجب على الحكومة أن تراقب عن كثب احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي لأنها ضرورية لاستيراد الاحتياجات الأساسية للبلدان، من الوقود إلى الحبوب والأدوية، كما أن هناك حاجة إلى تعديل للتحكم في رأس المال لأن رأس المال المغادر سيضع مزيدًا من الضغط على العملة المحلية للانخفاض.“
ورأى التقرير بأنه كان ”بإمكان الحكومة التفاوض بشأن صفقات أفضل مع المقرضين المقيمين، خاصة القطاع المصرفي، ولو قام القطاع المصرفي بإعفاء الحكومة من بعض التزامات ديونها وتحديداً ديون العملة الأجنبية، لكان من الممكن أن يظل سعر الصرف تحت السيطرة“.
وأضاف التقرير ”على الرغم من أن تسييل الأموال يخفض الدين العام للحكومة، إلا أنه سيقوض مدخرات الناس ويؤدي الى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية“.