أخبار عاجلة

لا تنخدعوا: السوق يمارس 'هيركات' عشوائياً

لا تنخدعوا: السوق يمارس 'هيركات' عشوائياً
لا تنخدعوا: السوق يمارس 'هيركات' عشوائياً
كتب محمد وهبة في "الأخبار": بحكم الأسعار المتعددة للدولار في السوق، فإن الاقتطاع من قيمة الأموال المودعة في المصارف أصبح واقعاً بمجرّد سحبها من المصارف، سواء لشراء عقار أو مجوهرات أو سيارات، أو لاستبدالها بدولارات ورقية أو لأي سبب آخر.

"هيركات" هو المصطلح الذي اتسع انتشاره في لبنان في العام الأخير. بالمعنى الضيّق، يُستعمل هذا المصطلح للدلالة على فرض الدولة اقتطاعاً بمنزلة ضريبة، على قيمة الوديعة أو قيمة سندات الدين السيادية، أو حتى على فوائدهما، ضمن آليات وشروط تُحدِّد، قانوناً، مَنْ يخضع للاقتطاع وبأي نسبة وضمن أي أهداف وخلفيات. يمكن تسميته «هيركات نظامياً». إلا أنه، في ظل وجود أسعار مختلفة للدولار مقابل الليرة اللبنانية، يصحّ اعتماد مصطلح «هيركات سوقي» ذي التفسير الأوسع. وهو عملية اقتطاع قائمة حالياً في السوق ونشِطة بأشكال مختلفة وبنسب يحدّدها الأطراف الأقوى، بناءً على مصالح وتخمينات لا قيمة علمية، بل مرتبطة بعمليات المضاربة على العملة. بمعناه الأوسع، فإن عملية الـ"هيركات" تطاول المودعين، وهي تتفاوت بين واحدة وأخرى تبعاً لهوية المتعاملين، من تجار سلع أو عقارات أو ذهب أو أفراد يسعون للربح السريع. وهي أيضاً عملية متغيّرة بوتيرة متسارعة من يوم إلى يوم، رغم كل الحلول الأمنية التي تحاول السلطة فرضها على السوق لكبح ارتفاع سعر الدولار. فالحلول الأمنية والقضائية والسياسية لا تأخذ في الاعتبار أن حجم الودائع بالدولار كبير جداً، وأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يستمر في تحويل الودائع بالليرة إلى ودائع بالدولار حتى ارتفعت نسبة دولرة الودائع إلى 83%.

 

كذلك، فإن هذا النوع من الحلول، لا يحتسب أن كمية الدولارات الورقية في السوق، مهما كانت كبيرة، إلا أنها أقلّ بكثير من كمية الدولارات المصرفية التي تفوقها 12 مرّة على الأقل. كما أن زيادة كمية الليرات المتداولة في السوق بوتيرة متسارعة يسهم في زيادة الطلب على الدولار ويؤدي في النهاية إلى تأجيج مستوى الـ«هيركات» العشوائي الذي يمارس بعلم المودعين أو من دون علمهم حتى. «كل عملية تنفّذ اليوم في السوق، سواء لاستبدال العملات أو لاستبدال عملة بعقار أو بسلعة ما، تخضع لهيركات، بعلم أو من دون علم أصحاب المال. صاحب الوديعة يواجه هيركات على جميع الأصعدة» يقول الخبير في الشؤون المالية وليد مسلّم.

لتكون الصورة أبسط وأوضح، تجب الإشارة إلى أن سعر الصرف في السوق الموازية تجاوز عتبة الـ6000 ليرة لكل دولار (لامس امس حدود الـ7000 ليرة). وسعر الصرف لسحب الودائع المقيدة في المصارف يبلغ 3000 ليرة ضمن حدّ أقصى للسحب. لذا، إن تسديد دين بقيمة 1000 دولار أو ما كان يوازي سابقاً 1.5 مليون ليرة، بات يوازي اليوم 2000 دولار. فعلى سبيل المثال، إن قيمة الـ1000 دولار المقيدة في المصرف باتت تساوي عملياً 500 دولار في السوق الموازية، وبالتالي بات لزاماً على المدين سحب 2000 دولار من المصرف لسداد دين بقيمة حقيقية تبلغ 1000 دولار. بهذه العملية خسرت الدولارات المصرفية 50% من قيمتها مباشرة عند سحبها.

لكن ما الفرق بين الاقتطاع الذي تفرضه السلطة، وذلك الذي يفرضه السوق؟ يقول الخبير الاقتصادي الذي عمل سابقاً في صندوق النقد الدولي، منير راشد، إن السوق يمارس "هيركات عشوائياً غير منظّم. هو عملية طوعية تشترك فيها بإرادتك وليس رغماً عنك، كما يحصل عندما تفرض الدولة الهيركات على المودعين أو على حملة السندات. الهيركات السوقي مرتبط بوجود أسعار مختلفة لسعر الصرف، لكنه أيضاً مرتبط بحدود العمليات التي يقوم بها الأفراد".

هناك أشكال عديدة لعمليات "هيركات" يمارسها السوق:
- يجري استبدال الشيكات المصرفية بالدولار، بكميات من الدولارات الورقية (حقيقية). تخسر الشيكات المصرفية ما بين 50% و65% من قيمتها، علماً بأن قيمة الدولارات الورقية باتت تساوي ما بين 2.6 مرات و2.8 مرات قيمة الشيكات المصرفية بالدولار، ويتوقع أن تبلغ 3.5 مرات في نهاية السنة الجارية، نظراً إلى الندرة التي ستطرأ على الدولارات الورقية في الأشهر المقبلة.
- يجري استبدال الشيكات المصرفية بالدولار، بليرات لبنانية ورقية على سعر يتراوح بين 2100 ليرة و2300 ليرة للدولار. ثم يمكن عندها استبدال الليرات بدولارات ورقية من السوق الموازية على سعر تجاوز الـ6000 ليرة لكل دولار. عندها ستخسر الشيكات 61% من قيمتها، لأن كل 1000 دولار شيكات مصرفية بالدولار ستصبح مساوية لنحو 383 دولاراً حقيقياً.

- يجري استبدال الليرات مباشرة من الصرافين أو المضاربين في السوق التابعين لهم أو يعملون ضمن شبكاتهم، أو حتى في عمليات تبادل فردية مباشرة على سعر 6000 ليرة مقابل الدولار.
- أسوأ عمليات الهيركات هي تلك التي يقوم بها تجار العقارات. فما يجري أنه يتم استبدال الشيكات المصرفية بالدولار، بعقارات أو بأصول أخرى مثل الذهب والسيارات الفاخرة والألماس وأي أصول تعدّ ذات قيمة. هنا الطامة الكبرى. فمن يظنّ أنه يمكنه تهريب أمواله من المصارف لتجنّب حصول «هيركات» قد تفرضه الدولة اللبنانية على الودائع، فإنه يخضع طوعاً لهيركات عشوائي يمارسه السوق وكبار المضاربين فيه. فالمطوّرون العقاريون فهموا اللعبة جيداً، وهم يتقنونها أصلاً لكونهم يعملون في الأدوات الريعية الطابع منذ عقود، ولهم فيها باع طويل. لذا، عمدوا منذ اللحظة الأولى إلى رفع أسعار العقارات ما بين 30% و50% إذا كان التسديد بواسطة الشيك المصرفي بالدولار. إلا أنهم لم يكتفوا بذلك، بل رفعوا أسعارهم، ويطلبون جزءاً منها بدولارات ورقية. بعض المصارف أصدر منتجات لبيع عقارات يملكها في محفظته على أساس أن يكون نصف المبلغ نقداً بالدولار والنصف الثاني شيكاً مصرفياً.

عند هذه المرحلة يجب احتساب مستوى الهيركات بدقّة وتبعاً لسعر صرف الدولار في السوق الذي يقفز كل يوم بطريقة جنونية ومن دون أيّ ضوابط. ماذا سيكسب المودع من هذه العملية؟ يظنّ أنه يهرّب أمواله من هيركات بنسبة 50% ليقع فريسة تجّار العقارات ويشتري عقاراً منفوخ القيمة ومعرضاً للانهيار. سيتبيّن له لاحقاً أنه كلما تقلصت كمية الدولارات في المصارف سيتقلص الطلب على العقارات. لن تكون هناك أموال مخصّصة لتمويل شراء العقارات، ولا حتى بالدين. وسيكتشف هؤلاء أن العقارات التي اشتروها بسعر منفوخ، وبعد هيركات على شيكاتهم المصرفية، غير قابلة للتسييل عندما يحتاجون إلى سيولة، فضلاً عن أن عرض العقارات للإيجار سيكون كبيراً من الذين هربوا من الهيركات النظامي. النتيجة واضحة، "هيركات" في الأول وفي الآخر. «هيركات» بأبشع أنواعه، لأن التاجر وحده من استفاد من اللعبة وسدّد ديونه للمصارف بأقلّ من قيمتها الفعلية، وانتقلت مخاطر العقار إلى المودعين.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى