في ظل العديد من الأزمات التي ضربت العالم تحاول الأنظمة الاقتصادية القيام بعدّة تغييرات بهدف مجابهة التداعيات المحتملة لهذه الأزمات، فيما يطلق عليه بتغييرات دورة الأعمال، لذلك نجد معظم الشركات تبذل قصارى جهدها لحل الأمور الصعبة المترتبة عن هذه الأزمات، ومع تقدم الوقت وارتفاع وتيرة الأزمة، تلجأ العديد من الشركات إلى تقليص الإنفاق تدريجيًا، أو إجراء تخفيضات في الميزانية، ولكن لسوء الحظ قد يتم اللجوء إلى طرد أعداد كبيرة من العمال.
هذا ما يحدث بالفعل في ظل جائحة فيروس كورونا، والتي جعلت الاقتصاد العالمي في مأزق كبير، مما خلق وضعا لا يقارن بأي تراجع اقتصادي سابق، فبدلاً من التحول الاقتصادي التدريجي إلى آفاق نمو أبطأ توقفت العمليات التجارية فجأة لتقف دون وجود بوادر واضحة للاستئناف، فكان هناك إغلاق كبير للاقتصاد غير مسبوق تمامًا سواء من حيث سرعة الإغلاق أو تأثيره على الوظائف.
ونتيجة لذلك تشير عدة إحصاءات على تجاوز رقم طلبات البطالة الأولية في الولايات المتحدة عتبة 22 مليونًا خلال الأسابيع الأربعة الماضية، وهي أسوأ خسارة في الوظائف الأميركية المسجلة منذ سنوات طويلة، وهو ما يجعل الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة صعباً جداً، وفق ما كشف عنه المحلل Jeff Desjardins عبر شبكة Visual Capitalist المتخصصة في التحليلات البيانية الاقتصادية.
مقارنة تاريخية
يمكن التأكيد على أن خسائر الوظائف خلال هذه السنة في الولايات المتحدة، قد تجاوزت كل الأزمات التي مرت بها عبر التاريخ، فعلى سبيل المثال تسبب كساد 1975 في خسارة 2.24 مليون وظيفة، في حين أدى ركود أوائل التسعينات إلى خسارة 2 مليون وظيفة، أما جائحة فيروس كورونا فقد أدت إلى خسارة أكثر من 22.3 مليون وظيفة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو رقم أعلى بعشرة أضعاف من فقدان الوظائف المسجلة تاريخيا، وذلك وفق إحصائيات نشرتها صحيفة "فايننشنال تايمز" البريطانية عبر موقعها الإلكتروني.
نتائج الركود تاريخيا
أدت فترات الركود السابقة إلى عدة تداعيات كبيرة، وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الكساد الكبير (1929-1933) وصلت البطالة إلى ارتفاع تاريخي بلغ 24.9%، في حين أدى الركود التضخمي وصدمات النفط خلال الفترة (1973-1975) إلى نهاية التوسع الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وتميز بحظر النفط لعام 1973 وعواقب صدمة نيكسون وانهيار نظام "بريتون وودز" للتمويل الدولي، كانت البطالة والتضخم آنذاك عالية جداً حيث بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 9.0 % في مايو 1975.
أما الركود المزدوج الذي خيّم على الاقتصاد العالمي خلال الفترة (1980-1982) فقد أدى إلى حدوث انكماش اقتصادي لأول مرة في عام 1980، ثم عاد مرة أخرى في عام 1981وهذا يتوافق مع الثورة الإيرانية، وكذلك سياسة "بول فولكر" العدائية لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث بلغت البطالة ذروتها عند 10.8% في عام 1982 وهي أعلى نسبة تشهدها منذ الكساد الكبير.
أما ركود سنة 2009 الناتج عن أزمة الرهن العقاري، فقد بلغ هذا الأخير ذروته مع معدل 10.0 % في البطالة في أكتوبر 2009، واستغرق الأمر حتى عام 2016 لتعود البطالة إلى مستويات ما قبل الركود.