أخبار عاجلة
OpenAI تدعي أن GPT-4o يتحدث ويرى مثل الإنسان -
أنثروبيك تطلق روبوت الدردشة Claude في أوروبا -
OpenAI تتيح متجر GPT لكافة المستخدمين -

الدولار سيعاود الارتفاع: مصرف لبنان فاقد للسيطرة

الدولار سيعاود الارتفاع: مصرف لبنان فاقد للسيطرة
الدولار سيعاود الارتفاع: مصرف لبنان فاقد للسيطرة

كتب خضر حسان في "المدن": يقفز حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متنقّلاً بين القرارات والتعاميم والاتفاقات والقوانين، علّه يجد حلاً يخفف من أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. وآخر محطّات القفز، إصدار سلامة، يوم الجمعة 6 آذار، قراراً وسيطاً حمل رقم 13207، طلب خلاله من كافة مؤسسات الصرافة، وتحت طائلة تطبيق العقوبات القانونية والإدارية، "التقيّد، استثنائياً، بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية لا يتعدى نسبة 30 بالمئة من السعر الذي يحدده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف. الامتناع عن إجراء أي عملية صرف لا تراعي النسبة المحددة. عدم اعتماد هوامش بين سعر بيع وسعر شراء العملات الأجنبية يخرج عن العادات المألوفة. عدم التوقف عن القيام بعمليات الصرافة بكافة أنواعها بحيث تبقى حركة هذه العمليات متماشية مع نمط النشاط الذي درجت على القيام به خلال السنتين السابقتين (2018-2019) تحت طائلة تعرضها للشطب من لائحة مؤسسات الصرافة. التقيد بمبادىء الاستقامة والنزاهة واتّباع الأصول المتعارف عليها في التعامل مع الجمهور. يُعمَل بهذا القرار لمدة 6 أشهر من تاريخ صدوره".

 

لا داعي للقلق!

جادَلَنا سلامة مطوّلاً بعدم اختصاص المصرف المركزي في تثبيت سعر صرف الدولار في السوق، مؤكداً منذ بدء أزمة شح الدولار أن المركزي مسؤول عن الليرة وليس الدولار. وحينها، أطلق سلامة شعاره الذي تحوّل لاحقاً إلى "نكتة"، وهو "لا داعي للقلق"، مستنداً إلى إجراء 95 بالمئة من العمليات النقدية عبر القطاع المصرفي، وبالتالي لن تتضرر الليرة من عمليات تتم بنسبة 5 بالمئة عبر مؤسسات الصرافة.

 

ومع مطالبة أهل القطاعات بتوفير الدولار للاستيراد، دعا سلامة المستوردين (وخاصة في القطاع النفطي) إلى "إيجاد طرق للوصول إلى حل، فسعر صرف الليرة بالمصارف هو واحد، والفرق يمكن أن يكون موجوداً لدى الصرافين".

 

وكلّما اشتدّت الأزمة وخسرت الليرة المزيد من قيمتها مقابل الدولار، كان سلامة يرفع يده متنصلاً من مسؤوليته تجاه خفض ارتفاع سعر الدولار، أو بصورة معاكسة، رفع انخفاض سعر الليرة. ومنذ أيلول الماضي، يريد سلامة إقناعنا أن الدولار هو سلعة كأي سلعة أخرى، يتحدّد سعرها وفق قاعدة العرض والطلب. وتالياً، لا يحق للمصرف المركزي التدخّل لتحديد السعر.

 

فما الذي دفع سلامة لتحديد سعر صرف الدولار لدى الصرافين؟ هل بات قلقاً على الليرة بعد أن أيقن الترابط بين سعر صرفها مع سعر صرف الدولار، أم أن أمراً آخر قد طرأ؟

 

تجاهل القانون

الإجابة عن التساؤلات، يجب أن يسبقها لفت النظر إلى المسؤولية المباشرة لمصرف لبنان، استناداً إلى القوانين الواضحة. فليس صحيحاً عدم قدرة حاكم مصرف لبنان على التدخّل لدى الصرافين للسيطرة على سعر صرف الدولار. إذ هناك جملة من الطرق القانونية التي تبيح التدخّل، وأبرزها المادة 19 من القانون رقم 347 الصادر عام 2001 والمتعلق بتنظيم مهنة الصرافة. وتلك المادة تنص بحرفيّتها على أنه "يحق لحاكم مصرف لبنان، بعد أخذ موافقة المجلس المركزي، إصدار قرار بايقاف عمل مؤسسات الصرافة أو الحد من نشاطها بصورة مؤقتة، إذا استدعت ذلك ظروف اقتصادية أو نقدية استثنائية".

 

سلامة تجاهل تلك المادة لنحو 9 أشهر، كان خلالها يشاهد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنقدية. لكنه استفاق فجأة وأيقن وجودها، أو ربما استغرق 9 أشهر ليشعر بوجود "الظروف الاستثنائية التي أثّرت بشكل كبير على سعر صرف العملات الاجنبية"، التي تقتضي بحسب حيثيات قراره "تنظيم العمليات التي تقوم بها مؤسسات الصرافة توصلاً لحماية استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية". وعليه، شعر سلامة فجأة أنه يجب "اتخاذ الإجراءات الكفيلة للحؤول دون استغلال حرية التداول بالعملات الأجنبية بما يؤدي للاضرار بمصلحة المتعاملين مع مؤسسات الصرافة".

 

قرار بلا معنى

حيثيات القرار تعني أن سلامة بات قلقاً، أي أن الأزمة تفاقمت إلى حد يستدعي التدخّل، أي أن المصرف المركزي كان باستطاعته فعل شيء منذ بداية الأزمة، ولم يفعل.

 

أيضاً، لا يمكن الاستناد إلى مقولة أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبداً، لأن تأخير معالجة أزمة كالتي نحن بصددها، يرتّب آثاراً كارثية، تماماً كالتي نعيشها، ويجعل المعالجة اللاحقة مستحيلة. وعليه، فإن قرار سلامة بلا معنى. ففي أحسن الأحوال سيخفّض سعر صرف الدولار بنسبة ضئيلة، ولفترة زمنية قصيرة جداً سيعاود بعدها السعر الارتفاع، لأن القرار لم يعالج أسباب الأزمة، وإنما يحاول يائساً معالجة نتائجها.

 

والمثير للسخرية والغرابة، هو صدور القرار بعد اختبار سلامة لنتائج تجربة مماثلة خيضَت مطلع العام الجاري، حين توافق الحاكم مع نقابة الصرافين لتخفيض سعر صرف الدولار، وما لبث السعر أن ارتفع بعد وصوله لأيام معدودة إلى حدود 2000 ليرة. والارتفاع لم يحصل إلاّ نتيجة قرار من الصرافين الذين يحددون سعر الصرف، أما معادلة العرض والطلب، فليست سوى خدعة يُثبتها قرار سلامة نفسه، لأنه يُثبّت سعر الصرف بصورة ما، بمجرد وضع سقف للربح.

 

فات الأوان

يحاول سلامة لعب دور المنقذ والمهتم بعملة الدولة والخائف على مواطنيها، لكنه أتى متأخراً رغم النداءات المتكررة التي توجّهت إليه لحثّه على التدخّل منذ بداية الأزمة. والتأخّر حمّل سلامة مسؤولية أكبر، أولاً لأنه ساعد المصارف والسياسيين على استنزاف مالية الدولة وشح الدولار، وثانياً لأنه امتنع عن ضبط سعر صرف الدولار، تأميناً لحماية الليرة. لذلك، فات أوان التدخّل، من جهة، وأتى التدخّل المتأخر ليزيد الطين بلّة من جهة أخرى، لأنه يدل على استمرار النهج السابق الذي يضمن مصلحة السياسيين والمصارف والصرافين وأصحاب رؤوس الأموال، على حساب الناس عموماً وصغار المودعين خصوصاً. فبدل خفض سقف سعر شراء وبيع الدولار بنسبة تجعل السعر لدى الصرافين موازياً لسعر الصرف الرسمي، فضّل سلامة ترك مجال للتلاعب بالأسعار. كما أن دعوته إلى "التقيد بمبادىء الاستقامة والنزاهة"، يُظهر السذاجة التي تتعاطى وفقها منظومة السلطة، فهل تُقابَل العمليات الاقتصادية والنقدية بالحديث عن النزاهة، وهل ساهمت الاستقامة بخفض سعر الصرف في الاتفاق السابق؟

 

وبعيداً عن النزاهة والتأخير القيام بأي إجراء، سيُعمَل بقرار سلامة لمدة 6 أشهر، فماذا بعد تلك المدة؟ واقع الحال يؤكد أن سعر الصرف لن ينتظر 6 أشهر ليعاود الارتفاع، لأن الخوف واستمرار الطلب على الدولار وشحّه الذي يستدعي تأمينه لاستيراد المستلزمات في كل القطاعات، مستمر. ومع سقف 30 بالمئة، يعني أن الدولار لن ينخفض لأقل من 2000 ليرة، ما يُبقى على وجود سعرين للصرف.. أي أن الأزمة ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات.

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى