زيادة الرسم الجمركي على الاستيراد، هو الاقتراح الذي حمله وزير الاقتصاد منصور بطيش إلى الحكومة أثناء مناقشة مشروع موازنة 2019. اقتراح بطيش يتضمن زيادة الرسوم على كل السلع المستوردة بمعدل 3%، لتحقيق هدف أساسي: زيادة أسعار السلع المستوردة تدفع الناس إلى تخفيف استهلاكها. بالمعنى الاقتصادي، هذا الإجراء يقلّص الطلب على الدولار، وهذا بدوره يقلّص العجز التجاري الذي يشكّل جزءاً كبيراً من عجز ميزان المدفوعات (صافي الاموال الخارجة من لبنان وتلك الداخلية إليه) المتسارع والمتنامي والخطير.
أول الرافضين لهذا الاقتراح كان جمعية تجار بيروت. رئيسها نقولا الشماس، الذي ترشّح على لوائح التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابة الأخيرة، وافق على "تسوية" تتضمن زيادة الرسم الجمركي إلى 2% بما يؤمّن للخزينة إيرادات تصل إلى 570 مليار ليرة سنوياً، وبما أنه مضى من هذه السنة نصفها، فإن التقديرات كانت تشير إلى أن الإيرادات المتوقعة قد تصل إلى 400 مليار ليرة.
في الحكومة انقلبت المعايير من البحث عن إجراءات إصلاحية إلى البحث عن إيرادات. سريعاً خضعت القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء لإغراء الإيرادات الإضافية وسارعت إلى إقرار الصيغة التي وافق عليها التجار، في مقابل اعتراض وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة. وأعلن الحزب موقفاً واضحاً، بأنه سيعارض في مجلس النواب كل بند اعترض عليه في الحكومة.
وبالفعل، في أولى جلسات لجنة المال والموازنة، تمكّن نواب الحزب من إسقاط هذا البند بنقاش بسيط حول أثر الاقتراح على غلاء أسعار السلع الأساسية. وبحسب أعضاء في اللجنة، "اتُّفق على تجميد الاقتراح من دون إسقاطه من مشروع الموازنة حتى لا تسقط إيراداته. لو عرض الاقتراح على التصويت لكان سقط بسهولة".
قررت اللجنة أن تعيد الاقتراح إلى الحكومة لإعادة صياغته بناءً على معايير جديدة وواضحة. لهذه الغاية عيُنت لجنة وزارية من وزراء الاقتصاد والصناعة والمالية. تواصلت اللجنة مع جمعية الصناعيين، فقدّمت هذه الأخيرة لائحة لوزارة الاقتصاد تتضمن نحو 1300 سلعة يمكن زيادة الرسم الجمركي عليها بما يتراوح بين 3% و7% بهدف حماية المصانع المحلية. اللائحة طويلة وليس فيها الكثير من المعلومات عن حجم المصانع المحلية وقدراتها الانتاجية...
مجدداً سقطت هذه الصيغة من دون أن يسقط معيار حماية الصناعة المحلية. ثم قدّم التيار الوطني الحرّ اقتراحاً يتمحور حول المعاملة بالمثل بين السلع الخاضعة لضريبة القيمة المضافة والسلع التي ستخضع لزيادة الرسم الجمركي، على أن تكون السلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة معفاة أيضاً من زيادة الرسم الجمركي التي ستكون 3% فقط. "هذه نقطة إيجابية في هذا الملف تمنحه مساحة إضافية من المفاوضات المنتجة بين التيار الوطني الحر وحزب الله"، يقول أحد المطلعين على الملف.
الصيغة الأخيرة وقعت في مشكلة جديدة؛ فالتيار الوطني الحرّ مصرّ على إخضاع البنزين لزيادة الرسم الجمركي: "الزيادة بمعدل 3% على استيراد البنزين لا تمثّل أكثر من 500 ليرة على صفيحة البنزين، فيما صندوق النقد الدولي يطلب من لبنان زيادة ضريبة استهلاك البنزين إلى 5000 ليرة. أيهما أهون علينا؟" يسأل مصدر في التيار. ويتوافق مع هذا الرأي من كتلة حركة أمل النائب ياسين جابر، ونواب كتل أخرى، لكنه لم ينل موافقة حركة أمل ولا حزب الله. فالحزب يرفض أن يتم التعاطي مع هذا الملف انطلاقاً من معيار "مقدار الإيرادات المحصلة".
يعتقد مسؤولو الحزب المعنيون بهذا الأمر أن عدم استثناء المشتقات النفطية من هذه الضريبة يصيب سلعة لا تتمتع بمرونة كافية، أي إن الطلب عليها لن ينخفض بمجرد زيادة الضريبة عليها بسبب الترتيبات التي اعتادها اللبنانيون على مدى العقود الماضية، في ظل عدم وجود نقل عام، واعتيادهم الانتقال بالسيارات الخاصة... في مراحل ماضية زيدت الضريبة على البنزين إلى 4000 ليرة على الصفيحة الواحدة ولم يؤدّ الأمر إلى تراجع الطلب عليها.