أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد أنه “علينا أن نستكمل مسارنا خلال العام الحالي بسلسلة من المؤتمرات، أقربها مؤتمر الزراعة قرابة منتصف شهر نيسان المقبل، ومؤتمر الصناعة في النصف الثاني من حزيران المقبل، يليه مؤتمرا التكنولوجيا والعمل، وغيرها من الأنشطة المتسارعة تباعاً، التي تنشط لأجل إنجازها لجان المجلس وإدارته”
وخلال مؤتمر نحو سياحة مستدامة ألقى عربيد كلمة جاء فيها
دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، ممثلاً بمعالي وزير السياحة آفيديس كيدانيان.
أصحاب المعالي والسعادة، أيها الحضور الكريم.
مرت السنة الأولى من عمر مجلسنا الجديد بسرعةٍ خاطفة، تكاد لا تعلق تفاصيلها على جدران الذاكرة.
لكنها كانت سنةً مليئة بالعمل، مهّدت للغوص عميقاً في مضامين النشاط العام، لاسيما الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منه.
ولا يخفى عليكم أن العمل في البيئة الرسمية يكتنفه الكثير من الالتباس، ويتطلب من الحذر ما هو أكثر، وهو للأسف موسومٌ كما تعلمون بتهمة البطء الصحيحة حيناً، والظالمة في أحيان كثيرة.
لكن معايشة ضرورات الدولة وأهل الاقتصاد وفئات مجتمع الإنتاج تبين أن إرادة العمل عند المسؤول المدرك لمسؤوليته يمكن لها أن تغير الكثير، خصوصاً إذا وجدت ضمن إطار جهدٍ جماعي متناغم، بين مجموعة من المسؤولين المخلصين لقضايا وطنهم ومجتمعهم.
لقد شكلت السنة الماضية بهذا المعنى محطة تأسيسٍ أوصلتنا إلى هذا اليوم، حيث نطلق في المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤتمرنا الأول، بالشراكة مع وزارة السياحة والنقابات وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وهي مناسبة لشكرهم جميعاً على مساهماتهم المقدرة. ولا أنسى زملائي في لجنة السياحة في المجلس ورئيسها الزميل وديع كنعان الذين يعملون بنشاطٍ لا يهدأ، ومعالي الصديق الوزير محمد شقير الذي لم تمنعه مهامه وانشغالاته عن مواكبنا في مكتب المجلس وفي كل محطة نحتاجه فيها.
كما أود أن أخص بالشكر معالي الوزير أفيديس كيدانيان الذي شاركنا تعب أيام التحضير لهذا المؤتمر يوماً بيوم منذ اليوم الأول وحتى اللحظة الأخيرة.
على أن نستكمل مسارنا خلال العام الحالي بسلسلة من المؤتمرات، أقربها مؤتمر الزراعة قرابة منتصف شهر نيسان المقبل، ومؤتمر الصناعة في النصف الثاني من حزيران المقبل، يليه مؤتمرا التكنولوجيا والعمل، وغيرها من الأنشطة المتسارعة تباعاً، التي تنشط لأجل إنجازها لجان المجلس وإدارته.
ونحن إذ نلتقي اليوم من أجل تتويج جهود كثيرة في مجال السياحة، نواكب من جهةٍ عملا دؤوباً تقوم به الوزارة والنقابات، بينما نتناغم من جهةٍ أخرى مع اتجاهٍ حكومي عام يسير نحو إعادة تفعيل القطاعات الإنتاجية لأول مرة منذ فترةٍ طويلة. سعياً إلى تحقيق نظام اقتصادي أكثر توازناً، وأقدر على الاستدامة من منطلق استغلال كل إمكاناتنا الوطنية، بدلاً من تثقيل القطاعات الناجحة بأعباء قاسية، ثم لومها على احتكار الاهتمام الرسمي.
لقد آن الأوان وفقاً لهذا الفهم لأن تنشط قطاعات مثل السياحة والزراعة والصناعة والتكنولوجيا في سبيل النهوض بالبلد، محميةً بشبكة أمان اجتماعي تخلق المحيط الدافىء للفئات الأكثر حاجةً، وتحمي التراكم الاقتصادي المتوازن باتجاه اقتصادٍ مستدام النمو.
لماذا السياحة اليوم؟ ببساطة لأن لبنان قادر على إدارة سياحة مستدامة طوال العام، ولا ينقصه من أجل ذلك الكثير، وأهدافه في هذا السياق ممكنة وظاهرة.
لقد أثبت النموذج الاقتصادي المأزوم عدم قدرته على تحقيق المصلحة الوطنية، بل إنه أصبح نظاماً مثقلاً بالأعباء، مولّداً للأزمات المتتابعة والمتصاعدة الأثر، إلى جانب كونه غير قادرٍ على حماية المكونات الاجتماعية بمختلف درجات دخولها.
وفي السنوات الأخيرة عانى الاقتصاد اللبناني من تأثيرات سلبية أحدثتها الأوضاع الأمنية المحيطة من ناحية، ومن ناحية ثانية السمعة السيئة التي عززتها الخلافات السياسية التي استمرت لفترة طويلة، والتي كانت أطول من قدرة معطياتنا الاقتصادية على تحملها.
وجميعكم يعلم أن السياحة تحديداً هي أكثر الأنشطة الاقتصادية تأثراً بسمعة البلد المستضيف. وتحدد هذه السمعة الرعاية الإجرائية التي تهدف إلى حماية الزائرين بأمنهم وحقوقهم ومالهم.
ولا شك بأن معالجة هذه الناحية السلبية تتطلب تكثيف التواصل الرسمي والقطاعي مع الخارج، ونحن نرى هذا المؤتمر والمؤتمرات الأخرى المقبلة التي ننوي إطلاقها كخطواتٍ ضمن هذا المسار.
وإن كنت أرغب بترك البحث في عمق الرؤية السياحية لمؤتمركم هذا للاستفادة من خبرات المشاركين، إلّا أنني أجد أنه من المناسب الإشارة إلى بعض الملاحظات الهامة في هذا الإطار.
وأولها الحاجة إلى تزخيم الحركة السياحية على مدار السنة لخلق فرص عملٍ ثابتة غير موسمية.
خصوصاً وأن الحركة السياحية هي منشّطٌ قوي لتجارة التجزئة، أي للطلب الاستهلاكي، وهو المكوّن الأكبر للطلب الكلّي، أي للنشاط الاقتصادي برمّته.
هذا الترابط بين تجارة التجزئة مثلاً والحركة السياحية يجذب السائحين ويدفع لبنان إلى مكانةٍ اقتصاديةٍ كان فقدها لفترةٍ من الزمن.
ثم إن الاستثمار في البنى التحتية هو استثمارٌ ذا مردودٍ عالٍ من ناحيتي المداخيل السياحية المتأتّية منه، وفرص العمل الناتجة عنه.
لا سياحة مستدامة من دون استقرار سياسي.
لا سياحة مستدامة من دون بيئة نظيفة.
لا سياحة مستدامة من دون تكافل وتضامن سياسي.
لا سياحة مستدامة من دون صورة جميلة وسمعة طيبة للبنان.
لا سياحة مستدامة من دون إصلاح حقيقي في الأداء السياسي وفي الإدارة.
لا سياحة ولا اقتصاد مستدامين من دون ثقافة محاسبة حقيقية ووقف فوري للهدر وتقليص الأعباء.
إن هذه النقاط تعتبر من الممكنات التي يستطيع لبنان إنجازها والانطلاق من رحلة التخبط داخل دوائر مفرغة من تبادل التأثير السلبي بين المؤشرات الاقتصادية والقطاعات، إلى مرحلةٍ جديدة من تبادل التأثير الإيجابي بينها، أي إلى دومينو إيجابيات، لبنان قادر على إطلاق شرارته والعمل بجدية عليه، وصولاً إلى يوم الاحتفال بنتائجه