خبر

سوريا : تجارة البالة تزدهر بسبب تدهور صناعة النسيج

أصبحت أسواق ”البالة“ الخيار الأنسب لكثير من السوريين؛ نتيجة تدهور صناعة النسيج وارتفاع أسعار الألبسة الجديدة بسبب كلفة الإنتاج.

وقبل عام 2011 كانت سوريا تنتج 90% من إنتاج العالم من قطن ”ابلاند“ الهام في الصناعات النسيجية، وفقا لدراسات المركز الاقتصادي السوري الأوروبي، لكن هذا الإنتاج تدهور كثيرا بعد الحرب.

ويُقبل المواطنون على أسواق ”البالة“ الشهيرة في دمشق كل يوم سبت، موعد فتح صناديق الألبسة الواصلة حديثا؛ نتيجة سعرها المعقول وجودتها العالية.

وتقول ”أم محمد“ : ”الأسعار هنا ليست منخفضة كثيرًا، لكن ما يشدّنا هو جودة البضاعة ومقاومتها للاهتراء على عكس الألبسة المصنعة محليا“.

وتعاني تجارة ”البالة“ من صعوبات كثيرة؛ بسبب عدم السماح باستيرادها بشكل نظامي؛ ما يجعلها عرضةً لملاحقة دوريات الجمارك التي تداهم السوق وتصادر البضاعة كل فترة.

ويقول بائع : ”منذ عدة أيام صادروا الكثير من البضاعة وتسبّبوا بخسارات كبيرة للتجار. ولا نعلم لماذا يلاحقون بائعي الألبسة المستعملة بهذا الشكل“.

ويعدّ تدهور صناعة النسيج السورية سببا أساسيا في انتشار أسواق الألبسة المستعملة، التي أصبحت أسعارها ونوعيتها مناسبة لمستوى دخل الفرد.

وتنتشر أسواق ”البالة“ في منطقة الإطفائية وشارع الثورة والشيخ سعد بدمشق. أما من لا يمتلك محلا من البائعين، فيعرض بضاعته على الأرصفة وفوق السيارات المركونة على جانب الطريق.

ويؤكد مواطن أنه يفضل التسوق من البسطات لأنها أرخص من المحلات. ويقول: ”أشتري من هنا الأحذية لأبنائي فهي تكفيهم لعدة سنوات، أما البضاعة المحلية فتهترئ بسرعة“.

وفي السنوات الأخيرة، درجت عدة جمعيات أهلية على جمع تبرعات من الألبسة الفائضة عند بعض الناس، واستئجار صالة لعرضها بأسعار رخيصة تناسب الفقراء.

وتقول ”أم محمد“: ”بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، لجأ الناس إلى تبادل الألبسة المستعملة، وتقديمها كهدايا أو بيعها بأسعار رمزية يُرصد ريعها للأعمال الخيرية“.

ولا يستغرب الزائر أن يعثر في سوق الإطفائية على حذاء ألماني بسعر 100 ألف ليرة سورية، فهو مفضّل لدى الكثيرين نتيجة جودته العالية. أما ”أبو علي“ فيقول: ”أفضّل أن أشتري الأحذية من البالة حتى لو دفعت كثيرا“.

وكانت السوق المحلية مكتفية تقريبا من إنتاج الألبسة والأحذية. فصناعة النسيج كانت تساهم بـ27% من الناتج الصناعي و45% من الصادرات حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء. لكن الحرب أوقفت معظم هذه المنشآت.

ويشير بائع  إلى بضاعته الجيدة، قائلا: ”الكنزة عندي بـ8000 ليرة، والبنطلون بـ15000 وهي رخيصة ومصنعة من أجود المواد الأولية لأنها أوروبية المنشأ“.

ويحرص الكثير من الناس على شراء ألبسة ”البالة“ في بداية مارس/ آذار، حيث تبدأ التنزيلات على البضاعة الشتوية.

وتقول ”أم محمد“: ”أشتري ألبسة أبنائي الآن من البالة، وأخبئهم للشتاء القادم، مستفيدةً من تخفيض الأسعار“.

وأثير موضوع الألبسة المستعملة كثيرا خلال السنوات السابقة، وشكّل التجار وفدا قابل المسؤولين من أجل الحصول على رخص الاستيراد بشكل رسمي لكن دون جدوى، وكان الرفض يبرر دائما بضرورة دعم الصناعة الوطنية.

ويرد بائع  على هذا التبرير، قائلا: ”يا أخي… ما هذه الصناعة الوطنية التي يمكن أن تؤثر عليها ألبسة البالة؟“.

وقبل الحرب، وصل عدد المنشآت النسيجية حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء، إلى 2400 منشأة يعمل فيها نحو 30% من عمال الصناعة، ذهب الكثير منهم للعمل في أسواق ”البالة“ بسبب توقف الإنتاج.

ويدافع زبائن الألبسة المستعملة عن أسواق ”البالة“ بقوة. وتقول أم محمد: إن ”مصادرة أسواق البالة غير مقبولة نهائيا… يا أخي لا بيرحموا ولا بيتركوا رحمة الله تنزل على العباد“.