خبر

السودان: السوق السوداء تشدّد قبضتها على الجنيه

قرر اجتماع لجنة إنجاح سياسات توحيد سعر الصرف التصدي لما يحدث في سوق العملات الأجنبية بعد الانخفاض الكبير الذي شهدته العملة السودانية، وطالب بنك السودان بتوفير النقد الأجنبي الكافي للبنوك عبر سياسة المزاد التي صدر منشورها مؤخراً.
وأكد رئيس اللجنة خالد عمر يوسف، بأن المضاربات التي تجري في أسواق العملات الأجنبية تمثل حرباً ضد اقتصاد البلاد ومعاش الناس. وأعلن تصدي الحكومة لها بكل السبل.
وسجلت أسعار الدولار في السوق السوداء أرقاما جديدة مقابل الجنيه حيث بلغ سعره 460 جنيها، في حين يبلغ رسمياً 451 جنيها.
وأصدر بنك السودان المركزي منشوراً لتنظيم عمليات مزادات النقد الأجنبي بعد مضي حوالي ثلاثة أشهر من إطلاق سياسة توحيد سعر الصرف.
وقال إن عقد مزادات النقد الأجنبي من جانب بنك السودان المركزي خطوة أولى للتدخل، وسيتبعها قريباً إطلاق نظام إلكتروني محكم يمكن كافة المتعاملين في سوق النقد الأجنبي من التداول بكل سهولة وشفافية.

وأرجع مختصون تراجع الجنيه أمام الدولار رغم تحرير سعر الصرف إلى السياسات الحكومية التي اعتمدت على وصفة صندوق النقد الدولي دون أن تتحسب لإصلاحات داخلية مطلوبة، الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة إلى أكثر من 363 بالمائة.

فيما يرى آخرون أن ضغوط صندوق النقد لم تصحبها إجراءات، رغم أن المؤسسة الدولية تطلب من الدول خطوات مصاحبة لسياساتها لكي تخفف وطأة الأوضاع الاجتماعية.

لم يتفاءل الخبير الاقتصادي، عبد العزيز إسحاق، بالأوضاع الحالية، لكنه يرى أن الفوضى في السياسات النقدية غير المدروسة ربما تصل بالدولار إلى مستويات عالية تزيد من معاناة السودانيين، وتقلل من قدرتهم الشرائية وتصعد بعدد الفقراء وتصبح المعادلة صعبة للإصلاح.
ومع ذلك لا يرى إسحاق تقدما في ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة بالنسبة لتعويضات الأسر الفقيرة عبر برنامج ثمرات أو دعم الأسر محدودة الدخل في وقت تتآكل فيه قيمة الجنيه السوداني، ما يجعل كل الإجراءات المتخذة بلا فائدة.
وتخفيض قيمة العملة السودانية عبر توجيهات صندوق النقد الدولي يتطلب إصلاحات هيكلية في بنك السودان المركزي والحصول على “وديعة – منحة ” دولاريه لضمان تنفيذ السياسة، ولكن لم يحدث ذلك، وكانت النتيجة زيادة في التضخم ومعاناة للأسر السودانية وفقدان الجنيه قيمته،
وأكد الزين أن القفزة الكبيرة في تخفيض العملة السودانية بنسبة غير مسبوقة غير مبررة على الإطلاق، وسيظل البنك المركزي يجاري السوق الموازية، علما بأنه لا توجد احتياطات في البنك.

وأضاف: يأتي ذلك بجانب أن البنوك السودانية أيضا لم تكن مهيأة لاستقبال الأموال من الخارج، وحتى هذه اللحظة هنالك إجراءات لفتح حسابات مصرفية بالعملة الحرة غير متوافرة لكثير من المصارف السودانية، ما يعنى أن الطريقة السابقة لا تزال مفعلة في السوق السوداء التي ما زالت تستقبل أموال المغتربين حيث أعلنت الدولة عن 24 حافزا للمغتربين، ولكنها تناست الطرق التي يمكن بها جذب تلك المدخرات أو حتى تحويلات الموظفين في الداخل التي تتم عبر طرق متعددة خارج نطاق النظام المصرفي.
وظلت السوق الموازية لشهور في ترقب لسياسة تحرير سعر الصرف ومعرفة الإجراءات المقبلة من الحكومة، خاصة أن هناك كثيرا من العاطلين عن العمل اتخذوا من تجارة الدولار مهنة لهم في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، الأمر الذى يجعلهم حريصين على عدم نجاح تلك السياسة.

فيما ينتهز بعض التجار الكبار أي فرصة لإعادة توزيع خارطة السوق الموازية عبر سحب العملة المحلية من البنوك بكميات كبيرة، ما جعل كثيرا من البنوك غير قادرة على تلبية طلبات تغيير الدولار إلى الجنيه خاصة الكميات الكبيرة.

ويقول الاقتصادي السوداني، عبد المعين عبد الله: هناك أزمة سيولة في البنوك السودانية ربما تعيدنا إلى سابق العهد، مضيفا: الملاحظ أن النقد المحلي في البنوك السودانية من الفئات الصغيرة وغير القابلة للتداول عمرها الافتراضي انتهي، وكثير من المتعاملين يرفضون الفئات الصغيرة المهترئة ويلجؤون إلى السوق الموازية التي تلبي رغباتهم بفئات كبيرة جيدة بلا عناء.
وتابع: الغريب في الأمر أن الفئات الجديدة تجدها مختومة بأختام البنوك التي تتعذر بعدم وجود النقد، ما يشير إلى وجود مؤامرة لإفشال تلك السياسة التي أضرت بكثير من تجار العملة.
وما يحدث الآن هو فوضى في سوق العملات الأجنبية، كما أن مؤتمر باريس لن تنعكس مخرجاته على الاقتصاد السوداني ما لم يكن هناك مفهوم واقعي لتطبيق سياسة التحرير الاقتصادي في السودان، حسب عبد الله.

من جانبه، يرى المحلل المالي، عبد الرؤف عوض، أن هناك الكثير من الإصلاحات الداخلية المطلوبة غير متخذة وأخرى غير مفعلة، فالحكومة تراهن على المنح والقروض الخارجية دون النظر إلى البيئة الداخلية التي تتطلب جراحات عميقة، ولذلك إن دخلت أموال إلى الخزينة العامة فلن تجد واقعا مثاليا تتعامل معه أو دافعا حقيقيا يدعم تلك الأموال المنتظرة.
وأشار إلى استمرار عمليات التهريب للوقود، بالإضافة إلى معاناة القطاع المصرفي من قلة الخبرات وتصاعد النزاعات والخلافات السياسية.