“لم أشتر لحماً منذ ثلاثة أشهر”، هكذا قال إعلامي سوري معروف من دمشق، حينما سألناه عن أسعار اللحوم وحصة المستهلك داخل سورية، من البروتين الحيواني، كاشفاً أن راتبه التقاعدي من جريدته التي عمل فيها لنحو 40 عاماً وراتب اتحاد الصحافيين لا يكفياه “للضرورات” لمدة لا تتجاوز عشرة أيام.
وأوضح أن “أكثر من 95% من السوريين لم يأكلوا اللحم منذ أشهر وحينما نجازف نذهب إلى سوق المرجة ونشتري لحم دجاج أو لحماً أحمر مفروماً مجهول المصدر والمكونات”.
وحول أسعار اللحوم ومتوسط دخول السوريين، يضيف الإعلامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه: “صار فيها محكمة إن تكلمنا عن الوضع المعيشي، فمتوسط دخل السوريين، لمن لديه دخل ثابت طبعاً، لا يزيد عن 60 ألف ليرة (الدولار = نحو 4000 ليرة)، وسعر كيلو لحم الخروف نحو 24 ألف ليرة، وسعر كيلو شرحات الدجاج 9500 ليرة”.
ويؤكد الإعلامي السوري أن الحديث في الوسائل الإعلامية أو التصريح لأي وسيلة خارجية عن الوضع المعيشي صار يعرّض قائله لمحكمة وسجن بتهمة وهن نفسية الأمة، وكأن الإذلال وأكل السوريين من حاويات القمامة يعززان نفسية تلك الأمة، مشيراً إلى اعتقال صحافي بالأمس (كنان وقاف) لأنه تطرق للفقر وغلاء الأسعار، وحمّل الحكومة مسؤولية سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها السوريون.
وفي المقابل، يكشف تاجر اللحوم في ريف دمشق، رضوان محمد، أن استهلاك اللحوم الحمراء بسورية اقتصر على الأغنياء وشريحة المسؤولين، إذ لا قدرة برأيه للسوريين على شراء اللحوم بعد غلاء أسعارها.
وحول أسباب ارتفاع اللحوم يشير محمد إلى أن أسعار الأعلاف مرتفعة جداً، ما يؤدي لغلاء المواشي، مبيناً أن تجّار اللحوم تكبّدوا خسائر كبيرة بسبب تراجع البيع، ما دفع كثيرين لإغلاق محالهم وتبديل المهنة.
ويؤكد رئيس الجمعية الحرفية للحامين والقصابة في دمشق، إدمون قطيش، أن 15% من محلات بيع اللحوم أغلقت، بسبب انخفاض الطلب على اللحوم.
وأضاف قطيش في تصريحات صحافية، الثلاثاء الماضي، أن نسبة شراء اللحوم انخفضت 60% بسبب غلاء الأسعار وتقتصر على الأشخاص الميسورين، مرجعاً السبب الأساسي لارتفاع الأسعار إلى التهريب نحو لبنان والمناطق القريبة من المنطقة الشرقية وغيرها.
وأشار إلى أن أسعار اللحوم مرشحة للارتفاع، مبيّناً أن كيلو العلف بلغ 1300 ليرة في السوق السوداء، ومحذراً من انقراض الثروة الحيوانية، لأن السنة المقبلة لن تشهد إنتاجاً جيداً بسبب تهريب الولادات الجديدة للمواشي، وقد تصل نسبة النقص فيها إلى 50%، مؤكداً أن الجمعية طالبت بتعليمات رسمية لمنع تحميل الخراف أو العجول من المحافظات الجنوبية باتجاه الشمال، كونها تصبح عرضة للتهريب مباشرة.
من جهته، يكشف مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة بشار الأسد، أسامة حمود، أنّ خسارة الثروة الحيوانية خلال سنوات الحرب على سورية تراوحت بين 40 و50% من حجم القطيع، وذلك قياساً إلى إحصائية عام 2010 (آخر إحصائية رسمية) والتي بلغ فيها عدد قطيع الأغنام 15510918 رأساً، فيما بلغ عدد رؤوس الأبقار في العام ذاته 1010328 رأساً.
يؤكد رئيس الجمعية الحرفية للحامين والقصابة في دمشق، إدمون قطيش، أن 15% من محلات بيع اللحوم أغلقت، بسبب انخفاض الطلب على اللحوم.
ويشير حمود خلال تصريحات صحافية إلى وجود معوقات أمام عودة الثروة الحيوانية إلى سابق عهدها، منها قلة توفر المواد العلفية في ظل الارتفاع العالمي لأسعارها، والاستنزاف الكبير للعمالة المدربة خلال سنوات الحرب، وضعف الاستثمار بقطاع الثروة الحيوانية، إضافة إلى عدم وجود منظومة متكاملة لتسويق المنتجات.
ويرى الاقتصادي السوري، صلاح يوسف، أن أسعار اللحوم بالأسواق السورية حالياً مثل أو أقل من سعرها قبل الثورة إذا ما قيس السعر بأي عملة عالمية، إذ كان سعر كيلو لحم الخروف عام 2011 نحو 6 دولارات، واليوم هو كذلك أو أقل، معتبراً أن المشكلة تتمثل في تراجع سعر صرف الليرة وقلة دخل السوريين.
ويؤكد يوسف أن تراجع الطلب على معظم السلع بالسوق السورية، بسبب الفقر، كما دخل العديد من المنتجات بخانة الكماليات بالنسبة للسوريين، ودخلت بالتوازي إلى السوق سلع بديلة “مجهولة المصدر وبمواصفات متدنية” غذائية ومعدات صناعية وحتى ألبسة.
وأشار إلى طرق جديدة في البيع لم تكن معروفة بسورية، كشراء الفواكه بالحبة واللحوم بالأوقية “200 غرام” وهذه الحال ينتج عنها تبديل عديد من المهن وإغلاق محال كثيرة بسبب بطء دوران رؤوس الأموال وخسائر التجّار وبعض الشركات.
تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي: