شكلت خدمة الدين الخارجي عبئا كبيرا على الميزانية العامة في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت تلتهم نسبة معتبرة من الموازنات السنوية، مما أثر على حجم الإنفاق العام، في ظل محدودية الموارد المتاحة للدولة.
وانتقلت خدمة الدين الخارجي خلال السنوات العشر الأخيرة، من 60.6 مليون دولار في العام 2009 (4% من صادرات السلع والخدمات)، إلى 368.5 مليون دولار في العام 2019 (%16 من صادرات السلع والخدمات) وفقا للتقارير السنوية للبنك المركزي.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن خدمة الدين الخارجي شكلت 10% من الموازنة السنوية لعام 2013، و15% من ميزانية 2015، لتصل إلى 17.35% من ميزانية 2018، فيما مثلت أقساط الدين الخارجي المستحقة نسبة 24% من ميزانية 2019.
لا أثر للقروض
لجأت الحكومة الموريتانية عدة مرات للاقتراض الخارجي من أجل تغطية نفقاتها الجارية، كما أن القروض التي تمت استدانتها لتمويل النفقات الرأسمالية لم تنعكس على الواقع الاقتصادي للبلد.
ويعتقد الباحث الاقتصادي، الحسين ولد محمد عمر، أن الفساد المستشري في البلد يشكل عائقا أمام استفادة الدولة من القروض، موضحا أن “الجهة التي يفترض أن تذهب إليها القروض لا تستفيد منها في الغالب، كما أن المشاريع العمومية تكون فاشلة في أغلبها”.
وأضاف ولد محمد عمر أن “المتابع للتقارير الدولية سيكتشف بسهولة المرتبة التي تحتلها البلاد في التقارير التي تعنى بالفساد، حيث حلت موريتانيا على سبيل المثال في المرتبة 144 لسنة 2018 على مؤشر مدركات الفساد، وظلت في الترتيب بعد المائة خلال السنوات من 2010 وحتى 2018”.
وأكد الباحث الاقتصادي أنه “ما لم تكن هناك محاربة حقيقية وجادة للفساد، سيكون من غير المرجح أن يظهر أثر هذه القروض على الاقتصاد الوطني”.
وأشار إلى تقرير سري أعده خبراء أمميون ومنع من النشر، ويثبت التقرير أن موريتانيا من بين 22 دولة عالمية الأكثر تهريبا للمساعدات الدولية، إذ إنه كلما زادت المساعدات زادت الأموال المهربة.
وبحسب ولد محمد عمر، فإنه “على الرغم من كون البلاد تقترض من سنوات، إلا أن الاقتصاد الوطني لا يزال بحاجة لمحفزات ودفع إلى الأمام، مما يعني أن الاقتراض لم يحقق الهدف الذي أخذ لأجله”.
قفزة في المديونية
ترجع الزيادة الهائلة في خدمة الدين الخارجي إلى الارتفاع الكبير الذي عرفته المديونية العامة لموريتانيا خلال العقد الأخير، حيث أصبحت تشكل أحد التحديات الرئيسية للاقتصاد الموريتاني، بعد أن تجاوزت نسبة الدين الخارجي العام إلى إجمالي الدخل القومي، حاجز 100% خلال السنوات المنصرمة، مما جعل المنظمات الدولية توصي بضرورة العمل على تخفيض حجم المديونية العامة.
وتظهر قاعدة بيانات البنك الدولي أن إجمالي رصيد الدين الخارجي المستحق على موريتانيا، انتقل من ملياري دولار في 2008، إلى 3.57 مليارات دولار في 2013، قبل أن تصل إلى 3.83 مليارات دولار في 2016، فيما بلغت 5.21 مليارات دولار في العام 2018.
وبمقارنة نسبة أرصدة الدين الخارجي إلى إجمالي الدخل القومي خلال العشر سنوات الأخيرة، تظهر قاعدة بيانات البنك الدولي حول موريتانيا، انتقال هذه النسبة من 84.59% في العام 2009، إلى 110.16% في العام 2015، مسجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق، قبل أن تتراجع في 2017 بشكل طفيف مسجلة 106.88% ثم انخفضت إلى 97.84% في العام 2018.
مساعٍ لشطب الديون
قادت موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة حملة تهدف إلى شطب ديون أفريقيا، وذلك للحد من التأثيرات الاقتصادية لفيروس كورونا.
وخلال ترؤسه لقمة دول الساحل المنعقدة في نواكشوط في 30 من شهر يونيو/ حزيران الماضي، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعا الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى إلغاء ديون أفريقيا، مشددا على ضرورة شطب مديونية القارة الأفريقية حتى تتمكن من مجابهة وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
من جهتها، طالبت وزارة الخارجية مرارا بـ”شطب ديون أفريقيا” لتتمكن من مواجهة فيروس كورونا الذي أصاب مئات الآلاف في القارة السمراء، معتبرة أن الدعم الاقتصادي الذي لقيته القارة لمواجهة الوباء، على أهميته، لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة منه.
يشار إلى أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد طالبا في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، الدائنين الثنائيين للبلدان الأكثر فقرا بـ “تجميد مدفوعات الديون” حتى تتمكن تلك البلدان من تحرير الأموال لمحاربة كورونا.
وكانت موريتانيا استفادت في عام 2007، من إعفاء للديون الخارجية (باستثناء ديون الكويت المجمدة والتي تقدر بـ 900 مليون دولار)، وذلك عقب المسار الانتقالي الذي أفضى لفوز أول رئيس مدني، منتخب بطريقة شفافة.