خبر

مؤامرة قائمة: لا بطاطا لبنانية بعد اليوم!

"يكاد لا يخلو خطاب أو تصريح واحد لمسؤول في السلطة إلا ويدعو فيه المزارعين وعموم اللبنانيين إلى الزراعة ثم الزراعة، إن للتصدير أو لتغطية الاستهلاك الداخلي، أو حتى للإستهلاك الشخصي.. يبيع المسؤولون الكلام بالأطنان، من دون أن يسجلوا تقدماً ولو خطوة واحدة باتجاه حلول جذرية. يتبجّحون بنظريات مكافحة الاستيراد والسعي لتحقيق الأمن الغذائي، وذاك الكلام المعسول والنظريات الاقتصادية.. ثم نراهم يدعمون التجار والمستوردين والمحتكرين سراً وعلانية.

ولذا، تعاني كافة الزراعات اللبنانية اليوم أزمةً تهدّد وجودها، إلا أن زراعة البطاطا تحديداً تشهد انهياراً لا نظير له، قد يطيح بهذه الزراعة كلياً في لبنان. والسبب ليس ارتفاع الدولار فحسب، بل تواطؤ الحكومات المتعاقبة عليها، لصالح بعض التجار المحظيين. وماذا نأمل من مسؤولين يصف أحدهم المزارعين بـ"مجموعة نقاقين لا قيمة لهم"، وآخر يصرّ على استيراد بذور البطاطا بدل إنتاجها محلياً "لأنو ما بدنا نزعّل المستورد.. المستورد صاحبنا".

حجم الخسائر

 

 بحسبة صغيرة نكتشف حجم الخسارة التي يتكبّدها مزارعو البطاطا هذا العام، بعد تجاوز الدولار 9000 ليرة. ولمن يسأل عن علاقة الدولار بزراعة محلية إليه ما يلي:

يستورد لبنان منذ عشرات الأعوام بذور البطاطا، المخصّصة للزراعة. وقد استورد لهذا الموسم نحو 20 ألف طن. يتراوح سعر الطن بين 750 و1000 دولار. ما يعني أن تكلفة بذور البطاطا فقط تبلغ سنوياً نحو 20 مليون دولار.

 

وفي ظل غياب مصرف إنماء زراعي في لبنان، اعتاد المزارعون على شراء بذور البطاطا من مستوردي البذور من الخارج، كما باقي البذور الزراعية، على أن يسدّدوا ثمنها في موعد الحصاد. ولا ترتبط آلية الشراء تلك برغبتهم بالاستدانة من التجار، إنما بفقرهم وشح السيولة لديهم على مدار العام، باستثناء موسم الحصاد.

وبطبيعة الحال، اشترى مزارعو البطاطا البذور لهذا الموسم في شهري تشرين الثاني وكانون الأول تباعاً، حين كان سعر الدولار يوازي نحو 2000 ليرة لبنانية. وحين حلّ موسم الحصاد واستحق ثمن البذور على المزارعين كان الدولار قد تجاوز 9000 ليرة. وهنا وقعت الكارثة، فمحاصيل البطاطا لا يمكن أن تردّ ثمن البذور هذا. ولم نحتسب أيضاً كلفة المبيدات والأدوية الزراعية وأدوات التعبئة والتوضيب المسعّرة جميعها بالدولار.

الضربة القاضية

 

 مئات المزارعين حالهم اليوم كحال المزارع البقاعي صعب الحاج يوسف، الذي اشترى مع بداية الموسم 120 طناً من بذور البطاطا، بنحو 120 ألف دولار. أي ما يوازي حينها نحو 240 مليون ليرة. انتهى الموسم وحان موعد سداد الدين إلى المستورد. وحسب سعر الصرف في السوق السوداء، والمحدّد من قبل المستورد، يبلغ سعر الدولار 9100 ليرة. ما يعني أنه يتوجب على الحاج يوسف سداد أكثر مليار ليرة ثمن البذور. يقول الحاج يوسف في حديثه إلى "المدن": لا يمكنني تأمين المبلغ المطلوب ثمن البذور من بيع البطاطا. حتى في حال رفع سعر كيلو البطاطا إلى 1500 ليرة، فإن خسائري لن تقل عن 500 دولار بكل دونم أرض، ويُضاف إلى ذلك أن المستوردين والتجار يفرضون على المزارعين سداد ثمن الأدوية والأسمدة نقداً بالدولار "لا ليرة ولا شيك مصرفي". سعر قنينة الدواء على سبيل المثال يبلغ 100 دولار أي نحو 900 ألف ليرة بدلاً من 150 ألف ليرة.

وإذ يتحسّر الحاج يوسف الذي يعتمد على الزراعة كمورد أساسي للعيش ولتأمين تعليم ولده، يقول "لو كنا نعلم ماذا سيحلّ بنا، لما كنا زرعنا البطاطا. إذ لم يبق أمامنا سوى بيع أراض لسداد الديون، إنها الضربة القاضية".