فاتن الحاج – الأخبار
التعاقد بات إحدى القضايا الشائكة التي تبدأ عندها مشكلات التعليم المهني الرسمي ولا تنتهي. في القطاع 13 ألف متعاقد يمكن، بحسب مصادر إدارية مطلعة، خفضهم إلى النصف إذا ما أخذ أساتذة الملاك ساعاتهم القانونية وإذا ما أعيد أساتذة المعهد الفني التربوي من الأعمال الإدارية إلى التعليم وتوقف التشعيب العشوائي للقاعات والمصانع والمختبرات
19 سنة مضت على آخر مباراة تثبيت لأساتذة التعليم المهني الرسمي عبر مجلس الخدمة المدنية. منذ ذلك الوقت، أحكمت العقلية الزبائنية سيطرتها على مسار التعاقد السنوي مع الأساتذة، تارة بذريعة تشعب الاختصاصات (170 اختصاصاً)، أو بحجة افتتاح معاهد ومدارس مهنية جديدة، أو بتكليف أساتذة الملاك بأعمال إدارية بدلاً من التعليم لزيادة أعداد المتعاقدين . أدّى ذلك إلى رفع عدد المتعاقدين إلى 13 ألفاً، فيما لا يتعدى عدد الداخلين في الملاك 1600 أستاذ.
حتى أساتذة المعهد الفني التربوي الـ 602، المعينون بموجب المرسوم 9736 بتاريخ 15/1/2013، لم يصمدوا كثيراً في ملاك التعليم. إذ تؤكّد مصادر في المديرية العامة للتعليم المهني إنّ أكثر من نصف هؤلاء كُلفوا بمهام إدارية، لا سيما في إدارة المصانع والمختبرات وأعمال النظارة، وبعضهم لم يدّرس سنة واحدة بعد التعيين، في مخالفة صريحة للمرسوم الذي يشترط ممارسة التعليم لمدة 4 سنوات على الأقل قبل الانتقال إلى أي موقع آخر.
تحتسب المصادر الهدر الحاصل سنوياً وفق الآتي: «لو افترضنا أنّ 300 أستاذ انتقلوا إلى الملاك الإداري فهذا يستلزم تغطية كل منهم لـ 18 ساعة في الأسبوع بما يساوي 5400 ساعة تعليم أسبوعياً. وبما أن السنة الدراسية هي 30 أسبوعاً، يصبح مجموع الساعات السنوية المطلوب تغطيتها 162 ألف ساعة (معدل أجر الساعة 40 ألف ليرة)، أي أن معدل كلفة الساعات التي يفترض أن يدرسها أساتذة الملاك وتغطى بالتعاقد هي 6 مليارات و480 مليون ليرة سنوياً، ما يعني عملياً أن الدولة تدفع مرتين.
وبحسب المصادر، ترافق ذلك مع تشعيب المصانع بحسب الشهادات التعليمية (BT وTS والإجازة) بعدما كانت مشتركة بين كل الشهادات، بهدف استحداث مواقع إدارية جديدة للأساتذة المعينين من جهة وزيادة أعداد المتعاقدين في التعليم من جهة ثانية.
التشعيب لم يطاول المصانع والمختبرات فحسب، بل القاعات الدراسية أيضاً. فالتعميم الرقم 5 بتاريخ 16/9/2010 سمح بالتجزئة إلى شعبتين إذا كان عدد الطلاب يتجاوز 24 طالباً، إلاّ أنّ المصادر تحدثت عن واقع مختلف وهو اعتماد التشعيب عندما يصبح عدد الطلاب 13 وليس 24. لماذا 13؟ تجيب: «من أجل مضاعفة الأساتذة المتعاقدين في الساعات النظرية والتطبيقية على السواء، فإذا كان لدينا 50 طالباً مثلاً، فإن التعميم يسمح بتوزيعهم على شعبتين، في حين أن ما يحصل هو تقسيمهم إلى 4 شعب، وعندما يكون عدد الطلاب في الشعبة 13 طالباً، يُفرد لهم أستاذان في الأعمال التطبيقية بدلاً من أستاذ واحد».
تدفع الدولة لمتعاقدين 6,5 مليار ليرة سنوياً بدل ساعات يفترض أن يدرسها أساتذة الملاك
وبهدف استكمال العدد الذي يبرر افتتاح شعبة إضافية يجري تسجيل طلاب وهميين عن طريق ابتزاز الأساتذة، أصحاب الحاجة. وهنا تشرح المصادر أن المدير يطلب من الأساتذة المنوي التعاقد معهم أن يدفعوا رسوم الطلاب الوهميين كشرط أساسي لافتتاح الشعبة. وأحياناً، تجري تغطية رسوم هؤلاء الطلاب الوهميين على حساب منظمة الأمم المتحدة التي تموّل تعليم النازحين غير اللبنانيين. فالتعميم 6/2017 الذي أصدره المدير العام السابق للتعليم المهني والتقني أحمد دياب سمح بتسجيل طلاب لبنانيين على حساب المنظمة إضافة إلى الطلاب النازحين. واستمر العمل بأحكام هذا التعميم في العام الدراسي الحالي 2018 – 2019 مع التعميم 40 /2018 الذي أصدرته المديرة العامة بالتكليف سلام يونس.
في مجال آخر، تحدثت المصادر عن هدر في إسداء ساعات العمل التطبيقي إلى أساتذة لديهم «تصنيف جامعي»، وهؤلاء مقّسمون إلى ثلاث فئات (الفئة الأولى: أجرة الساعة 100 ألف ليرة، الفئة الثانية: 83 ألف ليرة، الفئة الثالثة: 65 ألف ليرة)، في حين أنّه يمكن الاستعانة بأساتذة ليس لديهم هذا التصنيف (أجرة ساعتهم 46 ألف ليرة) لتغطية هذه الساعات، بل يصدف أن يدخل المصنع أو المختبر أستاذان يشرفان على العمل نفسه ويقدمان المعلومات نفسها، فيتقاضى الأول 100 ألف ليرة والثاني 46 ألفاً. وبينما لا تتعدى تعويضات الأستاذ المتعلقة بالإشراف على مشروع التخرج في الجامعة اللبنانية الـ950 ألف ليرة، قد تصل هذه التعويضات في التعليم المهني إلى 6 ملايين ليرة. وتشرح المصادر أنّ المشروع يضم 6 طلاب وما دون، ويمضي الأستاذ مع كل طالب 10 ساعات، أي أنّه يمكن أن يغطي 60 ساعة.
وانعاشاً للذاكرة، فقد ضجت أروقة المهنيات الرسمية بخبر التعاقد مع 2000 أستاذ جديد دفعة واحدة في منتصف العام الدراسي 2016 – 2017 بسبب فتح سبعة معاهد جديدة. لكنّ أيّاً من الأساتذة أو ممثليهم لا سيما رابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي لم يجرؤ يومها على الاعتراض، في وقت لا يكفّ هؤلاء فيه عن القول إنهم يشعرون بأن التعليم المهني تابع لقبرص، نتيجة ما يعدّونه تمييزاً متراكماً ضد القطاع والتوجه إلى شطبه من هيكلية وزارة التربية، مقابل استنفار كامل تجاه التعليم الأكاديمي.
في انتظار العملية الجراحية لهذا الملف، تتمسك مصادر تربوية بقاعدة ذهبية: التعليم لا يريد صاحب حاجة، بل صاحب كفاءة. وتوضح أن الحاجة إلى العمل تدفع الكثيرين إلى التعاقد في التعليم الذي بات مهنة متاحة لكل الناس، من دون أي إعداد مسبق. ففي التعليم المهني، تعاقد أكثر من 650 أستاذاً في عام 2017 بأقل من 4 ساعات أسبوعياً، بما يخالف مرسوم تنظيم أصول التعاقد للتدريس بالساعة والقرار 25 /2007 الخاص بتطبيق أصول التعاقد. وفي العام 2018، انخفض العدد إلى 350 أستاذاً بعدما أقفل باب التعاقد رسمياً، فيما لا تزال العقود لهذا العام قيد الدرس.
«التعاقد السياسي»، كما تقول المصادر، يوهم المتعاقد بأنّه أصبح موظفاً، فيسعى الأخير إلى التشبث ولو بساعات قليلة من أجل الخضوع لمباراة محصورة عبر مجلس الخدمة المدنية تتيح له التثبيت في الملاك.