إيلي الفرزلي – الأخبار
منذ سنوات، والمشهد في مراكز المعاينة الميكانيكية على حاله. إهانات بالجملة يتعرض لها المواطنون الذين يضطرون أحياناً إلى الانتظار طيلة النهار ليصل دورهم، في مراكز أُعدّت، عندما وُقّع العقد مع شركة «فال» في عام 2002، لاستقبال 600 ألف سيارة، فيما تشير الإحصاءات الحالية إلى أن نحو مليوني سيارة تسير في لبنان، سبعين في المئة منها يُفترض أن يخضع للمعاينة، أي نحو مليون و400 ألف سيارة، وهو ما يبدو مستحيلاً بالنظر إلى القدرة الحالية للمراكز.
اختصاراً لهذه الإهانة اليومية التي يتعرض لها المواطنون، وتسهيلاً لعمل المراكز، أصدر وزير الداخلية نهاد المشنوق قراراً في 23 نيسان 2018 يعفي كل المركبات التي سبقت معاينتها في عام 2017 من موجب المعاينة لعام 2018. لكنّ الشركة المشغّلة فوجئت بالقرار، فما كان منها إلّا أن اعترضت أمام مجلس شورى الدولة، طالبة إبطاله. واعتبرت «فال» في مراجعتها أن القرار «استند إلى حجج واهية لا أساس لها هي الضغط الهائل أمام مراكز المعاينة، في حين أن عدد المركبات التي تقدّمت للمعاينة خلال الشهر الماضي (أيار 2018) لم يزِد في مختلف مراكز المعاينة عن 4000 مركبة يومياً»، رافضة بالتالي حجة «الضغط الهائل أمام مراكز المعاينة» و«الاختناق المروري أمام المراكز»، التي بنى المشنوق قراره عليها. كذلك أشارت إلى أن لها الصفة والمصلحة للمطالبة بإبطال القرار كونه «رتب عليها أعباء ضخمة وخسائر تُقدّر بملايين الدولارات نتيجة حرمانها من الجعالة التي كانت تستوفيها لقاء إدارة وتشغيل محطات المعاينة، وأنها ستضطر في حال نفاذه إلى تسديد أجور ومخصصات العاملين لديها من دون قيامهم بأيّ عمل ودفع باقي نفقات التشغيل من دون أن تحصل على مداخيل». كما فنّد وكيل الشركة بهيج طبارة «المخالفات القانونية والدستورية التي يتضمّنها القرار، ومنها مخالفته لقانون السير وقانون المحاسبة العمومية ومبدأ المساواة بين المواطنين المكفول دستوراً، إضافة إلى مساهمته في حرمان الدولة من أموال عائدة لها، خلافاً للدستور».
وبالفعل، أصدر «الشورى»، في 7 حزيران 2018، قراراً أولياً قضى بوقف تنفيذ قرار «الداخلية»، إلى حين البتّ بمراجعة الإبطال، مستنداً إلى ما ورد في مطالبة المستدعي، خاصة أن الجهة المستدعى ضدها، أي وزارة الداخلية، لم تتقدّم بأي جواب للمجلس، حتى تاريخ صدور القرار. وفيما بدا ذلك متعمّداً من وزير الداخلية المصرّ على تنفيذ قراره، فقد أكد هذ المنحى، من خلال عدم تنفيذ قرار وقف التنفيذ، إلى حين انتهت مهلة الإعفاء، أي نهاية العام.
ومع اقتناع مطّلعين على الملف بأن القرار يتضمّن مخالفات عديدة، ومنها مخالفته المرسوم رقم 7577 الصادر عام 2002، الذي ينص في مادته التاسعة على أنه «يُحظر إجراء أية معاملة استيفاء لرسوم السير المتوجبة ما لم يبرز مالك السيارة إفادة صادرة عن المؤسسة المعتمدة تثبت أن السيارة قد خضعت للمعاينة الميكانية أو الكشف الميكانيكي وأنها صالحة للسير»، إلا أن هؤلاء يسألون: هل «فال» هي شركة معتمدة؟ ووفق أي نص قانوني؟ وإذا لم تكن معتمدة ولا تملك أي سند قانوني يخوّلها القيام بأعمال المعاينة، ألا يعني ذلك وجوب عدم قبول مراجعتها بالشكل؟ في المقابل، فإنّ مصادر الشركة تجزم أن الشركة تعمل وفق عقد موقّع مع الحكومة اللبنانية، استمرت مفاعيله بحكم استمرارية المرفق العام، وهي بالتالي صاحبة حق بالاعتراض.
بصرف النظر عن الإشكاليات والملاحظات التي يسوقها مسؤول على صلة بالملف، فإن شركة «فال» ذهبت إلى أبعد من هذا النقاش. فبناء على قرار «الشورى»، تقدّمت من وزارة الداخلية، في 4 تشرين الأول 2018، بعريضة ربط نزاع، تعتبر فيها أن قرار المشنوق حرمها من المبالغ العائدة إليها، مطالبة بتعويض قدّرته بـ10 آلاف دولار يومياً على الأقل، أي ما يعادل مليونين و530 ألف دولار عن الفترة الممتدة من 23 نيسان 2018 وحتى نهاية العام.
الشورى أوقف قرار إعفاء السيارات من المعاينة… والمشنوق لم ينفّذ
كل ما سبق، أي طلب الشركة إبطال قرار المشنوق، ثم إصدار «الشورى» قرار وقف تنفيذ، ومن بعده مطالبة الشركة بالتعويض، بدا مستغرباً بالنسبة إلى مطّلعين على الملف.
فالشركة، التي انتهى عقدها الأساسي في نهاية 2012، كانت تقوم بالمعاينة منذ ذلك الحين، عبر اتفاقات رضائية مُدّدت مراراً، بقرارات صادرة عن مجلس الوزراء، انتهى آخرها في الأول من تموز 2015. وهي بالتالي تعمل منذ ذلك التاريخ بدون أي صفة قانونية.
أمّا في المضمون، فقد تبيّن أنّ عدد السيارات التي خضعت للمعاينة في عام 2018، لم يختلف كثيراً عن عددها في العام الذي سبق. إذ تشير إحصاءات صادرة عن هيئة إدارة السير إلى أن عدد المعاينات المنفّذة منذ كانون الثاني إلى أيلول 2018 هو 592 ألف مركبة مختلفة، فيما كان العدد في الفترة نفسها من عام 2017 يعادل 677 ألف سيارة، أي بفارق 12 في المئة فقط. ويعود هذا الفارق الضئيل إلى القدرة المحدودة للمراكز الأربعة للمعاينة الميكانيكية، والمعدّة أصلاً لاستيعاب 600 ألف سيارة، أي إن التراجع في عام 2018 لا يُشكّل تراجعاً ملحوظاً بالنظر إلى واقع المراكز التي لا يمكن أن تعاين كل السيارات، أضف أنه لا يشكّل خسارة كبيرة للشركة التي تتقاضى في الأساس عائدات ضخمة من دون أيّ سند قانوني منذ عام 2015، وهي تدير المعاينة انطلاقاً من مبدأ استمرارية المرفق العام. وفيما يعود جزء يسير من العائدات إلى الدولة، فإن الحصة الأكبر تتقاضاها الشركة، التي استردّت كلفتها الاستثمارية مع انتهاء العقد الأساسي في عام 2012، والتي لا تقوم حالياً بأي استثمارات في القطاع، حيث تعود معداتها إلى عام 2002.