صحيفة الأخبار
يحاول الرئيس سعد الحريري وبعض القوى السياسية تحميل كلفة الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية لموظفي القطاع العام، في استكمال لسياسة ضرب الدولة وحماية مصالح الذي راكموا الثروات من المال العام
منذ أسابيع، يكرّر الرئيس سعد الحريري معزوفة ربط الإصلاحات المالية والاقتصادية بـ«القرارات الصعبة»، في تلميح إلى سلسلة الرتب والرواتب وتحميل إقرارها مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمالية المتراكمة منذ نحو ثلاثة عقود. بات جلياً، منذ جلسات الثقة، أن الحريري يريد حماية زملائه أصحاب المصارف وكبار المودعين، وكل الذين راكموا ثرواتهم نتيجة السياسيات التي تسببت بالازمة. وخلال استقباله أمس المهنئين بعودته بعد عملية «القسطرة» التي خضع لها في باريس، أعاد الحريري الكلام ذاته، مشيراً إلى أن «هناك قرارات صعبة في ما يختص بالموازنة والإصلاحات وعلى الجميع ان يتشارك بمسؤولية اتخاذها». وأضاف أن «الإصلاحات والإجراءات التي سنقوم بها سيتأثر بها الجميع، ولكن اقل واحد سيتأثر بها هو المواطن اللبناني وأكثر من سيتأثر بها هي الإدارة اللبنانية». بدوره، واكب نائب رئيس الحكومة غسان الحاصباني، الحريري، مؤكّدا أنه «لا يمكن ان تكون الإصلاحات الا بإجراءات موجعة وقرارات صارمة».
وكأن أركان السلطة الحاكمة، في مسعاهم للخروج من الازمات المتراكمة نتيجة السياسات الاقتصادية الكارثية على مدى السنوات، يرمون بالمسؤولية على موظّفي القطاع، ويصوّرون منبع الهدر والفساد في الدولة امام اللبنانيين، آتياً من موظّفي الدولة، في سياسة واضحة لضرب القطاع العام، استكمالاً لسياسات الخصخصة بعد عقود من المحاصصة في بنية الدولة المهترئة.
وبدل السعي إلى تطوير القطاع العام ودراسة حاجاته وواقعه الفعلي، تظهر اقتراحات مثل إلغاء سلسلة الرتب والرواتب التي انتظرها الموظفون لسنوات. وهذا الاقتراح ينادي به وزير الخارجية جبران باسيل، تأثراً برؤية رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس. أما الحريري، الذي يخشى المطالبة علناً بإلغاء السلسلة، فيطرح تأجيل إنفاق جزء منها، أو تعديلها أو تخفيضها، في مطالبة مقنّعة لتعطيلها. إلّا أنه في المقابل، يبدو موقف حزب الله وحركة أمل حاسماً في رفض أي مساس بالسلسلة وبحقوق الموظفين.
اللافت، أن هذه القوى السياسية، لا سيّما الحريري، وأثناء محاولاتها المطالبة بتعديل السلسلة أو تعطيلها، لا تطرح مشاركة المصارف في تحمل أعباء الإصلاح (عدا حزب الله الذي طالب نوابه بذلك خلال جلسات نيل الثقة للحكومة الحالية، وباسيل الذي أعلن موقفاً مماثلاً خلال احتفال التيار الوطني في 14 آذار الماضي، على رغم أن المصارف هي الجهة الأكثر استفادةً طوال العقود الماضية من كل التراكمات الاقتصادية السيئة التي حلّت بالبلاد، وتمكّن أصحابها والمودعون الكبار فيها من جمع الثروات على حساب باقي اللبنانيين، ولا يزالون حتى الآن يستفيدون من الهندسات المالية كلّما قرّر المصرف المركزي القيام بإجراءات يضعها في خانة حماية الليرة. فضلاً عن أن أحداً من أولئك الذين يتشاطرون لسلب الموظفين أبسط حقوقهم بسلسلة الرتب والرواتب، لا يسعون إلى إدخال أي تعديلات ضريبية أو إصلاح النظام الضريبي الظالم والمجحف بحقّ الدولة والفئات الأوسع من اللبنانيين، ويساهم في كلّ أشكال تركّز الثروة في أيدي القلة وضرب الفئات الفقيرة.
وفي السياق ذاته، يزداد الانقسام حول خطة الكهرباء التي طرحتها وزارة الطاقة، لتبقى الكثير من الأسئلة من دون أجوبة. فالسؤال الأساسي اليوم، هو كيفية الانتقال إلى حل أزمة الكهرباء: عبر مرحلة انتقالية، أو مرحلة دائمة أم دمج المرحلتين؟
أما المعضلة الثانية، فهي كيفية إجراء المناقصات، ومن هي الجهة التي ستقوم بها؟ هل هي إدارة المناقصات أم مؤسسة كهرباء لبنان؟ ووفق أي طريقة عمل ستحصل؟ هل ستنفذ الأعمال لمصلحة الدولة مباشرة؟ أم سينفذ عبر نظام الـ«BOT»، أي البناء والتشغيل ثم نقل الملكية؟ أم عبر نظام «PPP» أي الشراكة بين القطاع العام والخاص؟ وفضلاً عن ذلك، يبرز بند الاستملاكات عنصر خلاف إضافي، بعد الكشف عن إدراج مبلغ 200 مليون دولار بدل استملاكات لمحطة الكهرباء في سلعاتا، في وقت تعاني خزينة الدولة من عجز كبير، وعدم وجود خطوط نقل حالياً تستطيع استيعاب أي زيادة في الانتاج خلال المرحلة الحالية، والتجاذب السياسي الحاصل حيال مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان المنتهية صلاحيته. الأيام المقبلة ستشهد استعار النقاش بشأن المسألتين: الموازنة والجهات التي ستتحمل كلفة السعي للخروج من الازمة المالية – الاقتصادية او على الأقل التخفيف من وطأتها، وأزمة الكهرباء. وحتى اللحظة، وباستثناء خطة الكهرباء التي أعدتها وزارة الطاقة، لم يقترح أي فريق سياسي خططاً متكاملة لتُطرح للنقاش العام، ليبقى الامر محصوراً بسجالات هدفها تسجيل النقاط لا السعي الجدي إلى الخروج من الأزمات.