جوني منيّر – الجمهورية
فاجأ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله جميعَ المراقبين بأسلوب الردّ الذي اعتمده على القنابل الصوتية التي رماها وزيرُ الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته لبيروت. نصرالله تعامل بجدّيةٍ كاملةٍ مع بيان بومبيو المكتوب، وعلى اعتبار أنه برنامجُ العمل الفعلي لزيارته.
لم يقابل نصرالله الكلام العنيف بالغضب والتهديد، هو رَدّ بنحوٍ هادئ ولكن صارم في الوقت عينه، الى درجة انّ الاوساط الديبلوماسية الخبيرة بالسياسة الاميركية لخّصت تعليقها على كلام السيد نصرالله بالقول: «ردّ هادئ وذكي».
ولم يعد خافياً على الذين يتواصلون مع الديبلوماسية الاميركية وجود نوع من الإقرار الاميركي بالأداء الذكي لـ»حزب الله»، كذلك بالإعجاب «بالشطارة» الديبلوماسية الايرانية.
بومبيو كان غادر المنطقة كما دخلها بصواريخ «حماس» في العمق الاسرائيلي، والاهم أنّ الصاروخ الأخير والذي تزامن مع بدء رحلة رئيس الحكومة الاسرائيلية الى واشنطن ما ادّى الى قطعها وإحباطها، كان صاروخاً دقيق التوجيه ويحمل كمية كبيرة من المتفجرات وسلك مساراً لا تغطيه منظومة «القبة الحديد».
وعدا انّ هذا الصاروخ اوقع سبعة جرحى فهو أنتج سخرية من قدرة الردع الاسرائيلي وهدّد الحملة الانتخابية لنتنياهو والتي يدعمها الرئيس دونالد ترامب بكل قوته.
ولا شك انّ الصاروخ الذي أُطلق من جنوب غزة اصاب نقطة الضعف لدى نتنياهو بالعجز عن حلّ المشكلة الامنية. وأخذ خصوم نتنياهو عليه انه بعد عشر سنوات وثلاثة حروب على غزة بينها اثنتان خلال وجوده رئيساً للحكومة فإنّ «حماس» هي التي تقرّر موعدَ عودته من زيارة بالغة الاهمية وتاريخية لواشنطن.
وخلال العام الفائت حصلت عشر جولات قتالية بين «حماس» والجيش الاسرائيلي لتنتهيَ كل جولة بما يشبه العجز الاسرائيلي. وفي التقديرات انّ «حماس» تملك نحو خمسة آلاف صاروخ من بينها صواريخ دقيقة التوجيه وقادرة على ضرب العمق الاسرائيلي إضافة الى 37 ألف مقاتل، الى جانب امتلاك حركة «الجهاد الاسلامي» ثمانية آلاف صاروخ وستة آلاف مقاتل.
وهذا الواقع جعل نتنياهو يأمر بِردٍّ جوي عنيف ولكن من دون اسقاط ضحايا بشرية. ما يعني انه يريد انقاذ صورته الانتخابية ولكن من دون الإنجرار الى مواجهة مفتوحة او الانزلاق في اتجاه الحرب.
وكذلك «حماس» التي اكتفت بالنقاط التي كسبتها جراء اصابة الصاروخ لبلدة شمال تل ابيب، فهي ردت على الغارات الاسرائيلية من خلال اقتصار صواريخها القصيرة المدى على مستوطنات قريبة جداً من غزة متجنّبةً استهدافَ العمق الاسرائيلي مرة جديدة. كانت تقول إنها لا تريد الحرب الآن.
وعلى رغم أنّ آخر استطلاعات الرأي الاسرائيلية اشارت الى انّ 53 % من الاسرائيليين اعتبروا انّ الردَّ كان ضعيفاً، وانّ أداءَ نتنياهو كان 33% غير جيد في مقابل 24% قالوا إنه جيد. الّا انّ حملته الانتخابية لم تتأثر كثيراً حيث ما زال 45 % يؤيّدونه في مقابل 34% فقط لبيني غانتس.
المشكلة ليست هنا، فمكمنُ الخطورة انّ ترامب يعمل نيابة عن الحكومة الاسرائيلية وهو يذهب بعيداً في تنفيذ أجندتها واحلامها. بالتأكيد للرئيس الاميركي اهدافُه كمثل استمالة اليهود الاميركيين وانتزاعهم من حضن الديموقراطيين الى الساحة الجمهورية وضمان التجديد لنفسه. لكنّ المشكلة انّ لإسرائيل اطماعاً كثيرة واجندة حافلة.
وقيل في هذا الاطار إنّ نتنياهو وخلال لقائه مع ترامب طرح خطة جديدة لإخراج ايران من سوريا وإنّ الرئيس الاميركي أُعجِب بها ووعده بالبحث في شأنها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه لا يمكن السير بها من دون موافقة موسكو، وإنه بات اكثرَ تحرراً بعد ختم تحقيق مولر.
وفي المعلومات ايضاً انّ القيادة العسكرية الاميركية وبعد تراجع البيت الابيض عن تنفيذ انسحاب كامل من سوريا، قسّمت الحضور العسكري الاميركي الى ثلاث نقاط. الاولى في منبج عند الحدود مع تركيا لتسيير دوريات مشتركة مع الاتراك، وربما للجم طموحاتهم. والثانية شرق الفرات. والثالثة في قاعدة التنف عند الحدود مع الاردن حيث تتحكم بالطريق عبر البرّ بين طهران ولبنان.
وفي المدة الاخيرة زَوّد الجيش الاميركي الأكراد في سوريا اسلحة ومعدات عسكرية اميركية وسط التوتر الحاصل بين واشنطن وانقرة. كل ذلك يُنبئ أنّ الواقع المتوتر في سوريا ما يزال قائماً وانّ الصورة لم تتّضح بعد، وانّ إدلب قد تفجّر كثيراً من المفاجآت.
وصحيح انّ هنالك كثيراً من التعارض بين واشنطن وموسكو في سوريا، الّا انّ الانسجام بينهما حول الخطوط العريضة ما يزال قائماً وهو سيبقى قائماً الى أمد غير محدَّد على الأرجح.
وحتى في ملف الوجود الايراني في سوريا هنالك تعارض في النظرة في بعض الجوانب بين القيادتين الاميركية والروسية، ولكنّ هنالك تقاطعات موجودة وراسخة في جوانب اخرى.
وعلى سبيل المثال فإنّ الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الى موسكو أظهرت بعض جوانب التفاهم الاميركي – الروسي.
وخلافاً للإستنتاجات المتسرّعة، فإنّ القيادة الروسية راعت كثيراً الطلب الاميركي بوضع ملف عودة النازحين السوريين جانباً في هذه المرحلة. فخلال الاجتماع بين الرئيسين اللبناني والروسي قال بوتين إنّ روسيا تعمل على تسهيل عودة النازحين وتأمين ذلك خصوصاً في مجال ازالة الألغام واعمار المنازل.
وفي البيان المشترك ورد في البند السابع أنّ حلّ مشكلة عودة النازحين يعتمد على تهيئة الظروف المؤاتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال اعادة الإعمار، ودعوة المجتمع الدولي والامم المتحدة والمنظمات الانسانية الى تأمين كل مساعدة ممكنة لهذه الغاية.
في اختصار، إنّ روسيا تقول إنّ ظروف العودة حتى الآن غير مؤمّنة.
وفي ملاحظة ثانية سريعة حول التقاطع الاميركي- الروسي، فإنّ التفاهم «النفطي» اللبناني – الروسي لا يمثل تحدّياً للاميركيين لا بل على العكس فخلال المدة الاخيرة ابدت شركات النفط الاميركية ولا سيما منها «اكسون موبيل» عدم رغبتها في المشاركة في مناقصات التلزيم النفطي، مُخلية الساحة في ذلك عن سابق تصوّر وتصميم للشركات الروسية.
ومن الطبيعي أن يكون لهذا «الكرم» النفطي مقابلٌ ما في المنطقة