بروفسور غريتا صعب – الجمهورية
ما الجديد في الاتفاق النووي الذي يدخل عامه الرابع مع التزام إيران التام بمضمونه؟ بينما انسحبت إدارة الرئيس ترامب من الاتفاقية في أيار 2018 وتسعى لفرض عقوبات جديدة على طهران.
يعتقد الأميركيون انّ المعونة الاقتصادية وغيرها هي نوع من انواع الضغط، التي تحمل ايران على الجلوس مجدداً الى مائدة المفاوضات ووقف برنامج الصواريخ البالستية أو الحدّ منها، والتخفيف من وجودها الاقليمي إن كان في سوريا او العراق او غيرها من المناطق. وانسحاب اميركا من الاتفاق قد يكون تهديداً مباشراً لإيران، لكن، ولمنع التصعيد، يجب على طهران المضي في الالتزام بتطبيق الاتفاقية وممارسة ضبط النفس وتهدئة الصراعات الاقليمية.
وقد يكون من المنطقي أنّ باقي أطراف الاتفاقية يتوجّب عليهم إشراك ايران ومنع أحادية اميركا كونه ولغاية الآن وحسب المراقبين، إيران ما زالت ملتزمة بتطبيق الاتفاقية. وإيران قد تستمر في نهجها الحالي، وهو الامتثال للصفقة لكنّ ذلك سيتطلّب استمرار الجهود التي تبذلها اوروبا بشكل خاص وكذلك روسيا والصين.
ومصير الاتفاق الآن JEPOA يبدو انه يعتمد على سباق ثلاثي حتى الساعة:
1 – تحاول الولايات المتحدة توفير أقصى قدر من الضغط على ايران على امل انهيار الاقتصاد الإيراني.
2 – تمارس إيران الصبر على هذه الامور على امل ان تفشل إدارة ترامب وان يتنازل في العام 2020 عن السلطة.
3 – أوروبا ودورها في تقديم الحوافز الاقتصادية والدبلوماسية الكافية لتبقى إيران في الصفقة من دون تعميق الخلاف العابر للمحيط.
ولا بد من التذكير انّ رفع العقوبات الدولية التي لها صلة بالأنشطة النووية في كانون الثاني 2016 ترك ملامح انتعاش للاقتصاد الايراني بشكل عام، إذ كان معدل نموّ الناتج المحلي 1.6 بالمئة في العام الذي سبق الاتفاقية وارتفع الى 12.5 بالمئة في العام الذي تلاها، وتواصلت نسبة النمو بقدر 3.7 بالمئة ما بين العامين 2017 و2018، وانخفض معدّل التضخم الى ما دون الـ10 بالمئة.
وعلى رغم من توقيع اتفاقيات مع كبار الشركات العالمية، يبدو انّ تطبيع العلاقات المصرفية ما زال عالقاً ويحتاج الى المزيد من الجهود، ويبدو ايضاً انّ معدل النمو قد يتباطأ بعد العام 2017 بسبب زيادة الشكوك حول مصير JCPOA الأمر الذي دفع الشركات الكبرى لترك ايران ووضع السوق في طيّ النسيان – ويبدو الآن انّ الاسواق الإيرانية غير مؤاتية لأيّ عملية استثمار في ظل تزايد العقوبات، لاسيما الموجّهة الى شريان الحياه الإيرانية وصادراته النفطية. وقد نجحت ادارة الرئيس الاميركي في سحب اكبر كمية من النفط الايراني من الاسواق، والذي شكل ضرراً. إنما وعلى ما يبدو فإنّ الضرر الاكبر يأتي من شروط اميركا على أنّ عائدات النفط، والتي تشكل 35 في المئة من ايرادات الحكومة حسب الميزانية السنوية، تبقى حبيسة في حسابات معينة لا يمكن استخدامها الّا في الواردات من تلك البلدان.
ولعل الدليل الاكبر على متاعب ايران الاقتصادية بعد رفع الحظر عنها في ازمة العملة، انها شهدت خسارة تفوق 70 في المئة من قيمتها بين آذار وايلول من العام 2018. والواقع انّ العقوبات الأميركية شرّعت الباب امام جوانب الضعف المتأصلة في الاقتصاد الايراني وعثرات صناع السياسة الإيرانية في معالجتها. ومن المهم قوله، وحتى قبل اعادة فرض العقوبات المالية، انّ القطاع المصرفي في ايران يشكو من مشكلات كبيرة بسبب ارتفاع نسبة القروض المعدومة والتي وصلت الى مستويات تهدّد بالانهيار الكامل؛ كذلك وجود عشرات الاتحادات الائتمانية غير المرخصة التي تضخمت خلال السنوات القليلة الماضية وأصبحت معسرة في العام 2017، الأمر الذي دفع المودعين الى الشوارع واضطرت معه الحكومة الإيرانية الى سداد هذه المبالغ للمودعين، ما أحدث تأثيراً كبيراً على العملة واسعار الفوائد.
وتزامن ذلك مع تحويل الايرانيين اموالهم الى عملات اجنبية، وأدى الامر الى زيادة الطلب على العملة الصعبة وتزامن مع التحديات التي تواجهها ايران من عائدات النفط وكيفية اعادتها الى البلاد. وجاء رد الحكومة الإيرانية كارثياً، اذ انها لم تتخذ اجراءات وقائية، الامر الذي ادى الى تفاقم الازمة عن طريق تخفيض سعر الصرف الرسمي بنحو 15 بالمئة وتقييد حركة رؤوس الاموال، واعتبار انّ حيازة العملة الأجنبية بنسبة تزيد عن 10000 يورو هو أمر غير قانوني. كل هذه الأمور أدت الى انتعاش السوق السوداء وهروب رؤوس الأموال. وفي آب 2018 قال المسؤولون الايرانيون انّ البلاد سوف تخسر ما يقرب من مليون وظيفة بحلول آذار 2019 نتيجة للعقوبات.
وفي موازاة ذلك، سَعت حكومة ريحاني لكسر حدة تأثيرات العقوبات الأميركية وتوسيع العلاقات التجارية مع الدول المجاورة. وفي آب الماضي سمح خامنئي بإنشاء محاكم خاصة للنظر في قضايا الفساد الاقتصادي، بيد انّ الجهود الرامية الى معالجة مشكلة الفساد سوف تواجه معركة صعبة، في الوقت الذي تعتمد ايران بشكل متزايد على التهريب وتجارة السوق السوداء والتحايل على العقوبات.
الجدير ذكره هنا انه ورغم ما تعانيه ايران من مشكلات داخلية وخارجية، فإنّ سنوات من الخبرة في إدارة ضعف الاقتصاد مع ارتفاع التضخم مقترن باستمرار الحوار الاقتصادي مع الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين والهند وبعض الدول المجاورة لإيران، هو أمر يساعد في ان تحافظ إيران على بقاء الاقتصاد سليماً. ولمَن يراهن على الاحتجاجات الداخلية، فإنها لم تتطوّر لتصل الى حركة قومية. ويبقى قولهم إنّ زوال الـ JCPOA ليس حتمياً بعد الانسحاب الاميركي ونتيجة الجهود الأوروبية الرامية الى الحفاظ على قدر من التجارة مع ايران. لذلك ينبغي القول إنّ مشكلات إيران ليست فقط عقوبات أميركية، إنما مشكلات اقتصادية داخلية ساعدت بشكل كبير على التدهور الحالي الحاصل فيها.