جوني منيّر – الجمهورية
بدءاً من الغد ستنشغل الأوساط السياسية والإعلامية بالرسائل التي سيحملها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو. ما يعني أنّ اصطفافاً سياسياً سيظهر على أساس نتائج هذه الزيارة، ولكن قبل التطرق الى المعلومات المتوافرة حول هذه الزيارة، فإنّ من الخطأ في مكان التطرق اليها من الزاوية اللبنانية الضيقة، لأن لا بدّ من التعاطي معها من الإطار الإقليمي العريض.
ففي اسرائيل تحضيرات لانتخابات مصيرية يجرى خلالها استعمال كل انواع الاسلحة المسموحة، وسط استنتاج واضح بوجود تفاهمات والتزامات متبادلة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الاميركي دونالد ترامب تقضي بمساعدة اميركية انتخابية لنتنياهو في مقابل التزامه السير في «صفقة القرن» التي سيُعلن عنها الشهر المقبل.
وفي غزة رسائل صاروخية صاعقة، كذلك في الضفة رسائل دموية والمضمون واحد: لا يفكر أحد في تجاوزنا.
في إيران تشديد خناق العقوبات اكثر فأكثر حول عنق الاقتصاد الصعب، فيما لا تشي المرحلة بإمكانية البدء بمفاوضات قبل إعلان «صفقة القرن» وحيث يُتوقع لسلطنة عمان دور ما على هذا الخط الصيف المقبل.
وفي سوريا تعقيدات اضافية فوق التعقيدات القديمة. ذلك انّ دمشق، ومعها طهران، وكذلك موسكو تريد انهاء وضع ادلب الآن ولو عسكرياً، فيما واشنطن تشجع انقرة على ابقاء الوضع معلقاً في انتظار انجاز ترتيبات سياسية مطلوبة.
واكثر من ذلك، تريد تركيا انشاء منطقة نفوذ مباشر لها تحت مسمى «المنطقة الآمنة». ولذلك حشدت 16 ألف جندي تركي وعشرة آلاف عنصر سوري موالٍ لها على مقربة من المناطق الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب» بهدف دفعها خارج الحدود واقامة ادارة مدنية وقوات أمن محلية موالية لها، واعادة توطين زهاء ثلاثة ملايين ونصف مليون نازح سوري نزحوا الى تركيا خلال السنوات الماضية.
وهو ما يعني نفوذاً تركياً ثابتاً داخل سوريا، وفي منطقة عمقها 32 كلم ويحدها غرباً نهر الفرات وشرقاً نهر دجلة ويوجد فيها 650 الف كردي و180 الف سوري وعشرة آلاف تركماني وعشرة آلاف مسيحي.
التعقيدات التي تزداد تشابكاً قد تؤدي الى خطط عسكرية مجنونة تعيد اللهيب الى سوريا، كمثل دفع المسلحين الموجودين داخل ادلب والمقدّرة اعدادهم بعشرات الألوف الى خارج حدود ادلب، وتحديداً شرقاً في اتجاه حلب. هذا احتمال موجود ولكنه سيعني اعادة شمال سوريا الى الفوضى الكاملة.
في المقابل، وبعد اسابيع معدودة من زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد الى طهران، وفي تطور هو الاول من نوعه، عقد رؤساء اركان جيوش ايران والعراق وسوريا اجتماعاً في دمشق، ما من شك انّ هذا الاجتماع تعمّد استباق زيارة بومبيو حيث دعا رئيس الاركان الايرانية من دمشق القوى العسكرية غير الشرعية الى مغادرة الاراضي السورية فوراً، مميِّزاً بين القوى الموجودة بدعوة رسمية من الحكومة السورية وتلك الموجودة بغير إذن.
وما من شك انّ هذا اللقاء الذي أريد له أن يظهر بمثابة تحالف عسكري معلن يحاكي أحد أبرز اهداف طهران بتأمين الطريق البرية من ايران الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وقبل وصول بومبيو ايضاً، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يزور دمشق حاملاً رسالة تتعلق بإدلب.
ولا شك انّ كل هذه التطورات والرسائل ستكون حاضرة في زيارة بومبيو الذي يسعى لحماية مصالح بلاده، وتأمين ظروف ولادة «صفقة القرن» لاكتساب ورقة مهمة في النزاع الاميركي الداخلي. وهو دشّن زيارته باتصال طويل مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وخلافاً لكل المبالغات التي تمّ تسويقُها فإنّ اوساط معنية ومطلعة تعتقد انّ بومبيو لن يكون حاداً بالمقدار الذي تمّ التسويق له. بالتأكيد ستكون مواقفه إنتقادية لأسباب لها علاقة بالوضع الاميركي الداخلي، اضافة الى السعي لمساعدة نتنياهو إنتخابياً. لكن الكلام الذي ساد الساحتين الإعلامية والسياسية حول مواقف حادة وعنيفة مبالغ فيه كثيراً.
ونظراً الى تعقيدات الساحة السورية سيندفع رأس الديبلوماسية الاميركية في تكرار الطلب الاميركي بعدم الضغط لترحيل النازحين السوريين في هذه المرحلة، وسيكرّر المآخذ الاميركية المعروفة على «حزب الله» ودخول «الخطر» الإيراني على أمن المنطقة ووجوب محاربته.
وفي هذا الملف سيصوّب بومبيو في اتجاه الهدف الأهم وهو المتعلق بترسيم الحدود البحرية. ذلك أنه وفق القراءة الاميركية فإنّ إبقاء الامور كما هي عليه على مستوى حصص الغاز البحري المتشابكة بين لبنان واسرائيل سيسمح لإيران من خلال «حزب الله» أن تكون على تماس بحري مع اسرائيل، وبالتالي دخولها الى ملف فائق الحساسية وفق النظرة الاميركية، خصوصاً وأنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله كان تطرق سابقاً وبكلام مباشر حول منصات إستخراج الغاز الاسرائيلية.
وفي هذا السياق لفتت معلومات حول حصول تعاون اسرائيلي ـ يوناني لإنشاء رادار بحري في جزيرة كريت اليونانية يطاول المياه القبرصية والسورية واللبنانية.
وتجدر الاشارة الى اللقاء الذي سيجمع في اسرائيل نتنياهو ونظيره اليوناني اضافة الى الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس مع بومبيو والذي سيبحث في حلّ خطّ انابيب غاز «إيست ميد» والذي سيؤمّن إمداد الغاز الاسرائيلي الى اوروبا.
في المقابل، يبدو انّ الموقف اللبناني لن يكون متلقّياً كما درجت العادة، ولا حتى دفاعياً، بل على الارجح هجومياً بنحو سيفاجئ بومبيو، وسيشرح لبنان اولاً مخاطر إبقاء النازحين السوريين في لبنان وتأثير ذلك على استقراره من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية.
كذلك فإنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيستعرض الاستقرار الحاصل في جنوب لبنان والالتزام الكامل به بشهادة قوات الطوارئ الدولية في مقابل عشرات الانتهاكات والخروقات الاسرائيلية، وهو ما يستوجب ردع اسرائيل وإدانتها.
ولا شك في انّ مستوى الهجوم المعاكس الذي سيتولّاه رئيس الجمهورية سيعتمد بمقدار كبير على مستوى الهجوم والحدّية الاميركيين.