صحيفة الجمهورية
الحدث اللبناني، ظهر من الرياض عبر استقبال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لرئيس الحكومة سعد الحريري، فيما الداخل محكوم باصطفاف سياسي لم ينفرط عقده بعد، وتباينات حادة وإشكالات داخل الحكومة حول قضايا سياسية خلافية مرتبطة بملف النازحين والعلاقة مع سوريا، وبحال أقرب الى اللامبالاة، من قبل السلطة، حيال الملفات الاساسية حيث تقف هذه السلطة على ضفاف هذه الملفات، من دون ان تقاربها في الجوهر، وخصوصاً تلك المتصلة بضخ الحيوية والانتعاش في الوضع الاقتصادي المأزوم، وايضاً تلك المرتبطة بمؤتمر «سيدر» ومتطلباته.
في الرياض، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز امس، الرئيس الحريري في مكتبه في قصر اليمامة في الرياض، وتم البحث في سبل تعزيز التعاون بين البلدين، ومستجدات الأوضاع في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
وحضر اللقاء وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مساعد بن محمد العيبان، وزير الخارجية إبراهيم العساف، المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، والسفير اللبناني لدى المملكة فوزي كبارة.
الى بروكسل
وجاء استقبال الملك سلمان للرئيس الحريري، عشية توجّه رئيس الحكومة الى بروكسل لترؤس الوفد اللبناني الرسمي إلى مؤتمر النازحين الذي يبدأ أعماله غداً في العاصمة البلجيكية.
علماً انّ مشاركة لبنان ما زالت في دائرة الاخذ والرد لناحية تشكيلة الوفد التي اقتصرت الى جانب الحريري على وزير التربية اكرم شهيّب ووزير الشؤون الإجتماعية ريشار قيومجيان، والتي أثارت في الأجواء الداخلية تساؤلات حول مغزى استبعاد وزير شؤون النازحين صالح الغريب عن تشكيلة الوفد، في وقت أفيد عن اتصالات جرت على اكثر من صعيد رئاسي وسياسي بهدف اعادة استدراك هذا الامر.
وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية»: السؤال الذي يطرح حول هذه المسألة هو كيف تم تشكيل الوفد، وهل تم ذلك في مجلس الوزراء ام خارجه؟ واضح انّ هناك قطبة مخفية فمن المسؤول عنها؟ وفي اي حال دارت الاتصالات على اكثر من محور في الساعات الماضية.
مصادر الغريب
وفيما اشارت المصادر الى انه ما يزال هناك مجال لحسم مشاركة الغريب ضمن الوفد اللبناني او عدمها، ابلغت مصادر موثوقة «الجمهورية» قولها: ان لا تغيير في تشكيلة الوفد اللبناني المرافق للحريري الذي عاد الى بيروت ليل امس، ويتوجّه مساء غد الاربعاء الى بروكسل.
وقالت مصادر مقربة من الغريب انّ استبعاده عن الوفد هو استبعاد سياسي، الهدف منه اتّباع سياسة مغايرة في معالجة ملف النازحين، معربة عن أسفها كيف انّ الشغل الشاغل للحكومة اصبح جني الأموال بدل مواجهة خطر هذا الملف وتناسيه.
وفي تعبير لافت جداً، رأت المصادر انّ ما حصل في موضوع مؤتمر بروكسل هو انقلاب على التفاهمات الحاصلة في هذا الملف منذ ما قبل الانتخابات.
وعما اذا كان الغريب يقاصص على زيارته الاخيرة لسوريا، قالت المصادر: غريب الحديث عن هذا الامر، اذ انّ الحريري نفسه يعلم انّ الوزير الغريب لم يتجاوزه.
عبء النازحين
وعشيّة مؤتمر النازحين، أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري حديثه على وجوب العودة السريعة للنازحين، وهذا يتطلب قبل كل شيء التواصل مع الحكومة السورية لتنسيق هذه العودة.
وفي السياق نفسه، لاحظ مرجع سياسي ما سمّاه «تدرجاً سلبياً في التعاطي مع ملف النازحين»، وقال لـ«الجمهورية»: العالم الخارجي كله له نظرته الى هذا الموضوع، ويبدو انه لا يبالي بالعودة، المهم ان تبعد هذا العبء عنه.
وامّا في لبنان فلا يبدو انّ هذا الموضوع يقارب بما يستحقه، بل ثمة انقسام سياسي حاد حوله. وبالتالي، وامام تفاقم هذا العبء، لا بد للجانب اللبناني ان يثبت جدية في الخلاص منه، بدل الانصياع الى اعتبارات إقليمية او دولية تعطّل هذه العودة. الذي يأكل العصي هو لبنان وحده، واذا كان للمجتمع الدولي اعتباراته، فللبنان أزمته الكبرى في هذا الملف الذي زاد عبئه عن مليوني نازح، وهذا يوجب طرق كل الابواب من دون استثناء لإعادتهم.
وكشفت المصادر انّ الفاتيكان سبق له ان وجّه رسالة تحذير للبنان من ان ليس لدى المجتمع الدولي اي رغبة في اعادة النازحين الى سوريا، وهذا الامر تأكّد للبنان من خلال الموفدين الذين يزورونه، وايضاً من خلال التقارير التي تَرد من الدول الكبرى وتؤكد انّ ملف النازحين مؤجل، وهذا ما يبعث على الخشية من ان يكون خلف هذا التأجيل تَوجّه لتوطين النازحين السوريين في أماكن لجوئهم، وهو الامر الذي نظّر له بعض مسؤولي الدول الكبرى. وهذا الامر إذا تبيّن انه جدي، معناه إدخال لبنان في دهليز شديد الخطورة يهدد مستقبله وكيانه.
محاكمة الرؤساء والوزراء
من جهة ثانية، ما زال عنوان مكافحة الفساد متصدراً المشهد الداخلي، فمجلس النواب يسوده ضجيج واضح حول مسألة التوظيفات المخالفة للقانون، ولجنة المال والموازنة تقارب هذه المسألة ولكن من دون أفق واضح حتى الآن، أكانت بالنسبة الى الجهات التي وظّفت خلافاً للقانون، وهل سيتم إخضاعها للمساءلة والمحاسبة، او حيال مصير الكم الكبير من الموظفين الذين تمّ إدخالهم الى الادارات والمؤسسات اللبنانية لاعتبارات سياسية وانتخابية، وهل سيبقون في مراكز توظيفهم ام سيتم اتخاذ اجراءات بحقهم؟ فحتى الآن تبدو الصورة غامضة.
وفي وقت ما زالت فيه المعركة الموعودة ضد الفساد في السياق الكلامي، ولم تقترب بعد من اي ملف يثبت جدية التوجه نحو هذه المعركة، علمت «الجمهورية» انّ نقاشات تجري في اوساط جهات سياسية رفعت لواء مكافحة الفساد، حول كيفية الذهاب الى هذه المعركة، والى اي مدى يمكن الذهاب فيه في ملفات الفساد، طارحة أسئلة تشكيكية حول إمكان الربح في هذه المعركة وإمكان اختراق «محميات الفساد» المغطاة سياسياً.
وفيما رسمت مصادر سياسية علامات تشكيك في وصول ما سمّتها معركة كشف الحسابات الحقيقية للدولة خلال السنوات الاخيرة، علمت «الجمهورية» انّ الفترة المقبلة ستشهد مشاورات على الخطوط الرئاسية الثلاثة تمهّد لوضع قانون يحدد صلاحيات المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بما يعطي لهذا المجلس فعاليته المطلوبة وآليات عمله، وكيفية التحقيق والادعاء والتوقيف وصولاً الى كيفية إصدار الحكم.
وقالت مصادر مواكبة لهذا الامر لـ«الجمهورية»: بعد انتخاب المجلس النيابي لحصته «السباعية» في المجلس الاعلى، ينتظر ان يحدد الجانب القضائي حصته «الثمانيّة» في هذا المجلس، تمهيداً لأداء أعضاء قسم اليمين في جلسة يعقدها المجلس النيابي لهذه الغاية.
أين إصلاحات «سيدر»؟
في انتظار العودة المرتقبة للمنسق الفرنسي في مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان الى بيروت، تتزايد العلامات التشاؤمية في فضاء هذا المؤتمر. وقالت مصادر معنية به لـ«الجمهورية»: انّ الاشارات الخارجية، وخصوصاً من قبل الدول المانحة، ما زالت ترد الى لبنان بشكل مكثّف وتسجّل مآخذ على الجانب اللبناني واستغراباً لتردده في وضع القطار اللبناني على سكة المؤتمر. وبناء على ذلك ترسم علامات استفهام حول مصير «سيدر» وتضعه في مهب الاحتمالات الشديدة السلبية.
ونقلت المصادر عن جهات فرنسية قولها ما مفاده: «يحزننا ان نشعر بأنّ لبنان غير جدي، نسمع الكثير من الكلام، ولكن لم نلمس من الحكومة اللبنانية اي ترجمة حقيقية لما تقوله، خصوصاً ما يتصل بالاصلاحات الضرورية التي يوجبها «سيدر»، والتي يبدو انها اصلاحات نائمة ولا تجد من يوقظها. نحن نستغرب لماذا هذا التأخير؟ فيما المطلوب مبادرة سريعة من قبل الحكومة اللبنانية لأن تدخل نطاق تحضير متطلبات سيدر قبل أي عمل آخر. نحن حالياً في فترة انتظار، ولكن ليس لوقت طويل، والكرة ليست في ملعبنا ولا في ملعب الدول المانحة والمستثمرين بل في ملعب الحكومة اللبنانية.
بومبيو
على صعيد داخلي آخر، يتأهب لبنان للتوقف عند محطة اميركية، تتمثل بزيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، حيث علمت «الجمهورية» انّ زيارته الى لبنان ستكون الاسبوع المقبل وليس هذا الاسبوع، ويعود السبب الى انّ الخيار كان بين ان يبدأ وزير الخارجية الاميركية جولته في لبنان التي تقوده ايضاً الى الكويت واسرائيل، او ان يختمها فيه، فتقرر ان يكون لبنان المحطة الاخيرة لهذه الجولة.
وكشفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: ان لبنان ينتظر ما سيحمله وزير الخارجية الاميركية، واي ملفات سيتناولها. الّا ان الجانب اللبناني، وتبعاً للأجندة الاميركية التي يعبّر عنها كل الزوار الاميركيين، وآخرهم مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد ساترفيلد، يمتلك أجندة أجوبة جاهزة على اي طروحات اميركية، سواء لناحية التأكيد على النأي بالنفس، وايضاً في ما خَص «حزب الله» لناحية التأكيد على انه مكوّن لبناني له حضوره في الحكومة والمجلس النيابي وله ثقل شعبي وازن، ويشكّل احد عوامل التوازن الداخلي.
أضافت المصادر انه اذا كان ملف النازحين السوريين احد الملفات الاساسية التي سيطلب فيها لبنان دعم واشنطن لإزاحة هذا العبء عنه، فإنّ الملف الاكثر حساسية، والذي يتردد انه سيشكل محور زيارة بومبيو، يتعلق بالحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ومطلب لبنان حيال هذه المسألة يشدد على الترسيم السريع لهذه الحدود بدءاً من البر وصولاً الى البحر.
واشارت المصادر الى انّ الاجابات اللبنانية ستحمل رفضاً لبنانياً للاقتراح الاميركي بالقبول بـ«خط هوف»، لأنه يمس بسيادة لبنان وبحقه بثروته من النفط البحري والغاز.
وأوضحت انّ هذا الخط تمّ رسمه في العام 2012، عبر الموفد الاميركي فريدريك هوف، الذي اقترح من خلاله ان يتم تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل عند الحدود البحرية الجنوبية، بحيث يعطى لبنان مساحة 500 كلم2 وتعطى اسرائيل 360 كلم2 من أصل مساحة الـ860 كلم2. وهو الامر الذي رفضه لبنان، خصوصاً انّ الاقتراح الاميركي يعطي اسرائيل من حق لبنان الكامل على مساحة الـ860 كلم2، فضلاً عن انّ دراسات دولية جديدة اكدت انّ حق لبنان يزيد عن الـ860 كلم2، بل هو يقارب الـ1350 كلم2.
وهذا الامر ذكّر به بري في الفترة الاخيرة، مشيراً الى انه سبق وابلغ ساترفيلد موقف لبنان منه، والذي قال فيه: الطرح الاميركي غير مقبول، الـ 860 كلم2 هي حق للبنان، وليست هي فقط ملك للبنان وضمن مياهه الاقليمية وحدوده البحرية، بل هناك مساحة اخرى تزيد على الـ500 كلم2 جنوباً هي ايضاً ملك للبنان.
ولفتت المصادر الى محاولات لتمرير هذا الامر على لبنان تارة باستخدام لغة الترهيب، وتارة اخرى بالترغيب على شاكلة انّ لبنان في أزمة، وعليه بدل الدخول في خلافات وتباينات أن يُسارع الى بدء استخراج نفطه. او بالتحايل على شاكلة القول انّ «خط هوف» هو خط مؤقت وليس حدوداً نهائية. الّا ان كل هذه المحاولات مرفوضة من قبل لبنان، فضلاً عن انّ «المؤقت» هو «دائم» بالنسبة الى اسرائيل، وخير دليل الحدود البرية.
وأشارت المصادر الى موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (الذي استقبل أمس وزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس) حيال هذا الموضوع، والذي اكد فيه انّ لبنان متمسّك بحدوده البرية والبحرية، وانّ المساحة الممنوحة لإسرائيل تحت عنوان «خط هوف» تنتزع من لبنان مساحات واسعة فيها، بينما هي حق للبنان وتقع ضمن حدوده ومياهه الاقليمية.