عماد مرمل – الجمهورية
ينعقد مؤتمر بروكسل – 3 المتعلق بالنازحين السوريين منتصف هذا الاسبوع، في حضور ممثلين عن الدول والجهات المانحة، والدول المضيفة للنازحين، وفي طليعتها لبنان الذي يستضيف أعداداً ضخمة منهم. لكنّ المفارقة انّ الوفد الرسمي اللبناني يذهب الى المؤتمر «مبتوراً»، بفعل غياب او تغييب وزراء عنه من جهة، ونتيجة انقسام داخلي حول آلية معالجة هذا الملف من جهة أخرى.
لعلّ من «غرائب» مؤتمر بروكسل – 3، انّ وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لم يُدع إليه، ما دفع رئيس «الحزب الديموقراطي» النائب طلال ارسلان الى التغريد عبر «تويتر»، قائلاً: «لا مؤتمرات ولا زيارات ولا ندوات ولا وفود تشرّفنا ان يكون وزيرنا في عدادها، إلّا على القواعد الصريحة والشفافة بتبنّي توجهات رئيس الجمهورية والبيان الوزاري لجهة مقاربة موضوع النازحين السوريين. كفى متاجرة بمصالح البلد العليا من أي كان. مصلحة لبنان يجب ان تكون فوق الجميع، لا ان يبقى شغلنا الشاغل الشحاذة».
ما هي قصة استبعاد الغريب من الوفد الرسمي؟
يتولى الاتحاد الاوروبي، في العادة، توجيه الدعوات الى حضور مؤتمر النازحين في بروكسل، كما حصل خلال المرتين السابقتين بنسختيه الاولى والثانية.
وعلى سبيل المثال، شملت مروحة الدعوات الاوروبية العام الماضي، إضافة الى رئيس الحكومة، كلّاً من وزراء «الصحة» و«التربية» و«النازحين» و«الشؤون الاجتماعية»، ربطاً ببرامج المساعدات التي يناقشها المانحون.
هذه السنة اختلف المعيار والمقياس، إذ تمّ تجاهل وزيري «النازحين» صالح الغريب و«الصحة» جميل جبق من اللائحة الاوروبية للمدعوين الرسميين، وهو الامر الذي أعطاه البعض تفسيرات سياسية ترتبط بـ«التموضع الاستراتيجي» لكل من الوزيرين «المغضوب» عليهما، ذلك انّ جبق يمثّل «حزب الله» في الحكومة وبالتالي لا يمكن فصل دوافع تغييبه عن هذا التمثيل، فيما يعكس استبعاد الغريب الحليف لدمشق انزعاجاً أوروبياً من السياسات التي يعتمدها منذ تسلّمه وزارة الدولة لشؤون النازحين، وتحديداً لجهة اعتراضه على سلوك المجتمع الدولي وسعيه الى تفعيل قناة التواصل المباشر مع الجانب السوري كونها تشكّل، في رأيه، الممر الاسهل والاسرع لتأمين عودة النازحين.
كذلك يغيب وزير الخارجية جبران باسيل عن مؤتمر بروكسل الذي بات على ما يبدو من «اختصاص» الحريري وفريقه، بينما يستعد باسيل لمرافقة رئيس الجمهورية ميشال عون في زيارته المقررة هذا الشهر الى موسكو، حيث ستكون المبادرة الروسية لإعادة النازحين حاضرة بقوة في النقاشات مع الرئيس فلاديمير بوتين والمسؤولين الروس الآخرين.
وفي المعلومات، انّ الغريب استفسر مباشرة من الحريري عن أسباب استبعاده، فأوضح له الحريري أن ليس هو من يحدّد الدعوات، بل انها تأتي من الجانب الاوروبي، «وانت تعرف ذلك يا صالح..».
لكن ما يعرفه الغريب أيضاً هو انّ من حق رئيس الحكومة وصلاحيته ان يضم الى الوفد اللبناني من يشاء، وهذا ما تبلّغه وزير النازحين من جهات معنية في الاتحاد الاوروبي بعد استيضاحه لها حول هذه المسألة تحديداً، وبالتالي فقد كان في استطاعة الحريري ان يضيف الغريب الى الوفد الرسمي، لو أراد، إلّا انه لم يفعل ما يؤشّر الى فتور في العلاقة بين الرجلين.
بهذا المعنى، شعر الغريب أنّ الحريري اتخذ من «التقنين» الاوروبي للدعوات الموجهة الى الطرف اللبناني «ذريعة» لكي يتملّص من اصطحابه معه الى مؤتمر بروكسل، في إشارة تعبّر عن امتعاض رئيس الحكومة من بعض تصرفات وزير النازحين او خياراته.
وتؤكد أوساط الغريب انّ الرد الافضل على محاولات «الاقصاء»، سواء كانت اوروبية ام محلية، يتمثّل في الدفع نحو تكثيف وتيرة عودة النازحين وتطوير التعاون مع الدولة السورية في هذا الاتجاه، لافتة الى انّ هناك شيئاً ما يجري تحضيره بين الغريب ودمشق في سياق خطة شاملة، قيد الاعداد، لمعالجة ملف النزوح، «مع الاخذ في الاعتبار انّ الكرة في ملعبنا بالدرجة الاولى».
وحتى ذلك الحين، توضح مصادر الحريري انّ لبنان يأمل في الحصول من الدول والجهات المانحة المشاركة في مؤتمر بروكسل على مساعدات تتراوح بين مليار و200 الى 500 مليون دولار، للتخفيف من أعباء استضافة النازحين، «علماً انّ ما طلبناه أساساً هو مليارين و500 مليون دولار».
وتشير المصادر الى انّ رئيس الحكومة سيؤكد «ضرورة العودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين»، كما ورد في البيان الوزاري، إلّا انه سيشدد في الوقت ذاته على وجوب ان يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته الاخلاقية والاممية بالمساهمة في مساعدة لبنان ودعمه لتحمّل أعباء النازحين، ما داموا موجودين جزئياً او كلياً على أرضه.
وتلفت المصادر الى انّ مؤتمر بروكسل تحديداً ليس معنياً بالبحث في مسألة العودة، من دون ان يمنع ذلك احتمال التطرق اليها في مداخلات بعض المشاركين.
وتعليقاً على تلميح ارسلان الى انّ مؤتمر بروكسل هو لـ«الشحاذة»، تجيب مصادر الحريري: «إذا كانت لديه وسائل تمويل أخرى لتغطية أعباء النزوح، فليفصح عنها، لكن ما نعرفه حتى الآن انه لا يمكن قطف الدولارات من الاشجار»!