صحيفة الجمهورية
ينطوي الأسبوع الجاري على افتتاحية ناشطة للدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية، استهلها مجلس النواب بجلسة تشريعية وصفت بالمنتجة في إنجاز جدول أعمال الجلسة بالكامل، عبر تصديق معظمه وإسقاط بعض الاقتراحات وإحالة البعض الآخر الى اللجان النيابية المختصة. واستكملتها الحكومة بجلسة عادية لمجلس الوزراء، كانت هادئة سياسياً خلافاً للجو المتشنّج الذي ساد مع الجلسة الاولى للحكومة، الّا انّ التعثّر التي سقطت فيه في التعيينات العسكرية المرتبطة بالمجلس العسكري، جراء اعتراضات برزت حول بعض الاسماء المقترحة، وخصوصاً حول الإسم المقترح لشغل منصب الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع، يؤشّر الى انّ ملف التعيينات المنتظرة ئفي سائر المراكز الادارية لن يكون باليسر المنتظر، بل سيكون أمام مخاض صعب في مجلس الوزراء.
إذا كانت حركة الموفدين الدوليين في اتجاه لبنان قد تحكّمت بإيقاع المشهد الداخلي خلال هذا الاسبوع، بما أثير خلالها حول النازحين السوريّين وما لفت فيها من تشديد الموفدين على عودتهم «الطوعيّة والآمنة» الى سوريا، وكذلك مؤتمر «سيدر» والاستياء الفرنسي ممّا وُصِف بـ«عدم جديّة الجانب اللبناني» في تنفيذ متطلّبات هذا المؤتمر، وكذلك حول «حزب الله» والهجمة الاميركية البريطانية عليه، فإنّ الاسبوع المقبل سيشكّل في جانب منه امتداداً لهذه الحركة عبر الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت، في إطار جولة تقوده الى كل من إسرائيل والكويت.
وأكدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ زيارة بومبيو الى المنطقة، تندرج في سياق الاجندة الاميركية المعلنة الهادفة من جهة الى بناء الأسس مع الدول الحليفة لواشنطن حول كيفية مواجهة الخطر الايراني ووقف تمدّد نفوذ إيران في المنطقة»، والضاغطة من جهة ثانية على «حزب الله»، الذي اعلنت الادارة الاميركية أنّها تُحضِّر لمزيد من العقوبات على الحزب، في سياق الخطة الاميركية الهادفة الى التضييق على «حزب الله وخنقه سياسياً ومالياً».
إستياء أميركي
واذ أكدت المصادر انّ ما يحمله بومبيو معه سبق ان مهّد له ساترفيلد في لقاءاته التي أجراها في لبنان خلال زيارته الاخيرة، لفتت الانتباه الى «استياء أميركي من الموقف الرسمي اللبناني، وعلى وجه الخصوص موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتماهى مع موقف «حزب الله»، ويقدّم تبريرات غير مُقنعة حيال الحزب، تحتضنه وتتبنّى توجهاته وتتجاهل حقيقة تعاظم قوته وتهديده الدائم لبنية الدولة اللبنانية، والاستقرار العام في لبنان والمنطقة».
ولفتت المصادر الى انّ هذا الاستياء نُقِل الى جهات رسمية لبنانية من خلال قنوات ديبلوماسية عربية وغربية، إضافة الى انّ مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد عبّر عن هذا الاستياء صراحة أمام بعض الشخصيات اللبنانية التي التقى بها خلال زيارته الاخيرة للبنان، والتي شدّد أمامها على ضرورة زيادة الضغوط على «حزب الله» ومنعه من الامساك بلبنان.
بري: لا لساترفيلد
في هذا السياق، وفيما لوحظ عدم لقاء ساترفيلد رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، برز موقف لافت للانتباه من الرئيس بري كشف فيه انّ ساترفيلد لم يطلب موعداً للقائه، الّا انه قال: وحتى لو طلب هذا الموعد، فسأرفض استقباله.
وعلمت «الجمهورية» انّ سبب رفض بري استقبال ساترفيلد، مردّه الى اللقاء الاخير الذي عقد بينهما قبل فترة وكانت أجواؤه عاصفة، خلال تناولهما ملف الحدود البحرية اللبنانية حيث بَدا انّ ساترفيلد لم يلعب او يمارس دور الوسيط بل تبنّى الموقف الاسرائيلي بطريقة حادة، وسعى الى ممارسة ضغط على لبنان للقبول بمشروع حل أميركي لأزمة الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل يصبّ في النهاية في خدمة مصلحة اسرائيل. وفي هذا اللقاء، وبعد النقاش توجّه ساترافيلد الى بري بكلام خارج إطار الديبلوماسية «take it or leave it»، أي بمعنى خذها (كما هي) او اتركها، وبالمعنى السياسي اقبل او ارفض.
وبحسب المعلومات فإنّ ما بَدر عن ساترفيلد، دفع بري الى مقاطعته والقول له بطريقة حادة: أنا نبيه بري، تقول لي هذا الكلام. وما دمت تقول ذلك، الطرح الاميركي غير مقبول، وموقفنا ثابت ومعروف بالتمسّك بحقنا الكامل، ومساحة الـ860 كلم2 في البحر، التي تحاول اسرائيل ان تسطو عليها، وعلى الثروة النفطية الغازيّة التي تكتنزها، هي ليست وحدها ملك للبنان وضمن مياهه الاقليمية وحدوده البحرية، بل تُضاف اليها مساحة تزيد عن 500 كلم2 جنوباً، هي أيضاً ملك للبنان.
ورداً على سؤال قال بري امام زوّاره: في ذلك اللقاء تناول ساترفيلد موضوع الحدود بمنطق فوقي، فرددت عليه بطريقة لم يتوقعها، وانتهى اللقاء معه الى الفشل. وكان واضحاً انّ موقفه لا يتماهى فقط مع موقف اسرائيل بل كان أسوأ من موقفها.
واضاف بري قائلاً: مثل هؤلاء يمارسون اليوم نوعاً من السياسة انا أسمّيه «سياسة الثيران الهائجة»، والتي يبدو انهم يَقتدون بها سياسة رئيسهم. والمشكلة مع ساترفيلد انه ما زال على ذات المنوال، وزيارته الاخيرة جاءت لتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، لم يتعلموا من التجربة التي شهدنا كلنا فصولها ولم توصلهم الى أي نتيجة.
في الماضي كنت ألتقي جيفري فيلتمان، وإن سمّيته زعيم 14 آذار، وكنّا نتناقش ونتجادل من دون ان تبلغ الامور حد التوتر، مع اننا نكون مختلفين جذرياً في المواقف. كنتُ أجد سعادة في الاختلاف معه، وحتى الآن ما زالت تحصل بيني وبينه مراسلات و«نَكوزات». هناك فرق كبير بينه وبين ساترفيلد.
وحول كثرة الوفود، أجاب بري بشيء من المزاح: «عندما يكثر الصحافيون الاجانب في هذا البلد، وكذلك عندما تتزايد الوفود في الحج الى لبنان، فهذا يدفعنا الى القول: الله ينجّينا. واضح انّ كل «ضيف» آت وفق منظوره، الفرنسيون همّهم الأول «سيدر» وهم اليوم «زعلانين شوَي» حوله، والبريطانيون موقفهم مستغرب، فما هو تأثير موقفهم من «حزب الله» سواء على الحزب او على لبنان؟ أصلاً إنّ الاميركيين «مكفيين وموفيين». أخشى ان يكون تأثير موقف الحزب فقط على اللبنانيين الموجودين في بريطانيا».
حيوية حكومية
على صعيد آخر، اكدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ الاسبوع المقبل سيشهد تفعيلاً للنشاط الحكومي حول ملف التعيينات إنفاذاً لوعد رئيس الحكومة سعد الحريري بأنه سيوضع على نار حامية في وقت قريب، بالتوازي مع خطوات تصبّ في إعادة ترميم الموقف اللبناني من مؤتمر «سيدر»، الذي لمس القيّمون على هذا المؤتمر تصدّعاً واضحاً فيه، دَفعهم الى الاعلان صراحة انّ لبنان ليس جدياً حيال الالتزام بمتطلبات سيدر، وما زال يسير في الاتجاه المعاكس له.
وبحسب المصادر انه على الرغم من انّ ارتدادات سيدر دخلت في الاطار السلبي، فإنّ رئيس الحكومة حريص على التمسّك بـ»سيدر» بوصفه محطة فرج للبنان. وبالتالي، فهو ماض في إثبات انّ لبنان جدي جداً في الالتزام بما هو مطلوب منه ويسلك الطريق الذي رسمه لنفسه منذ «سيدر»، عبر الذهاب الى إصلاحات واتخاذ خطوات وقرارات وإجراءات، حتى ولو كانت غير شعبية.
خليل: جاهزون
الى ذلك، يشكل مشروع موازنة العام 2019 عنواناً اساساً في أجندة العمل الحكومي في هذه الفترة. وقال وزير المالية علي حسن خليل لـ«الجمهورية» انّ كل ما خَصّ مشروع موازنة العام 2019 قد أنجز وأحيل الى مجلس الوزراء في انتظار ان توجّه الدعوة لجلسات متتالية، لدرس الموازنة في مجلس الوزراء، حيث يفترض ان يتم ذلك في وقت قريب، وذلك تمهيداً لإحالتها الى المجلس النيابي لإقرارها قبل 31 ايار المقبل، ونحن على جهوزية تامة لبدء هذا النقاش.
نصرالله: لا تراجع
في سياق داخلي آخر، برزت إطلالة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في احتفال أقامته هيئة دعم المقاومة امس، تَوقّف فيها مطوّلاً عند توجّه الحزب لخوض معركة مكافحة الفساد، مؤكداً المضي فيها حتى نهاياتها، غامزاً في معرض كلامه من قناة الرئيس فؤاد السنيورة من دون ان يسمّيه، في الملف المتعلق بحسابات المالية والـ11 مليار دولار.
ورَدّ «نصرالله» توقيت حملة الحزب على الفساد الى «الخطر على الوجود الذي لم يعد من الجائز الصمت عليه، فالمعركة واجبة ولا تقل أهمية وقداسة عن معركة مواجهة العدو ونحن أمام مفصل وجودي».
وقال: البعض قال انّ هدفنا الانتقام السياسي، ولو كان الامر كذلك لَما ساهمنا في قيام هذه الحكومة، لكن ما نريده هو وقف سرقة المال العام.
وفي قضية الـ11 مليار دولار، قال نصرالله: «سيحاولون تحوير مسار المعركة على الفساد وتحويلها صراعاً طائفياً ومذهبياً لحماية فاسدين «مفترضين»، وسيراهنون على تعبنا وخوفنا. ولكن لا تراهنوا على ذلك لأننا لن نتعب، سيحاولون التيئيس والتشكيك في ما نقوم به لاسترجاع المال العام وتصويرنا وكأننا نريد تصفية الحسابات، لكن هذا غير صحيح. وسيلجأون ايضاً الى الشتائم والسباب، ومن لديه حجارة فليرمها على زجاجنا إذا وجده، وليحمل الملفات الى القضاء».
وإذ اكد عدم التراجع وعدم الرهان على حرب طائفية او داخلية، قال: «توقّعوا منّا كل شيء في هذه المعركة».
عون: تسريع العودة
وقد حضر ملف إعادة النازحين في لقاء رئيس الجمهورية مع مفوض الامم المتحدة فيليبو غراندي، حيث دعا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الى مواكبة لبنان في عملية تسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم وتسريعها.
وعلمت «الجمهورية» انّ غراندي أبلغ رئيس الجمهورية انه أمضى يومين في جولة ميدانية في سوريا التقى خلالها مسؤولي الأمم المتحدة وفريق الموفد الأممي الخاص الى سوريا غير بدرسون، وجالَ على النازحين في بعض المناطق في ريف دمشق وحلب وحمص حيث اطّلع على أوضاعهم والتقى بعض العائدين من لبنان.
وتحدث غراندي عن مجموعة من الإقتراحات التي ناقشها مع المسؤولين السوريين، بغية تأمين الأجواء التي تسمح بعودة طوعية وآمنة ومستدامة من اجل التسريع في برامج العودة اليها.
وفي لقاءات اخرى كان غراندي واضحاً في إشارته الى حجم العقبات التي تواجه فرق الأمم المتحدة في سوريا والإجراءات التي تحدّ من حركتهم، وخصوصاً في المناطق التي يحظّر النظام دخولها على اي من مندوبي الأمم المتحدة والمنظمات الأممية والمجتمع المدني.
الغريب: لسنا عنصريين
وحضر ملف اعادة النازحين، ايضاً، في بكركي عبر زيارة قام بها وزير المهجرين صالح الغريب للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وذلك في إطار الجولات التي يقوم بها لإحاطة الرؤساء وقادة الطوائف علماً بما يقوم به حيال ملف النازحين ولتأمين موقف وطني جامع على هذا العمل، وايضاً في أجواء التواصل الذي يقوم به مع الجهات السورية لتحقيق عودة النازحين.
وأكّد الغريب لـ«الجمهورية» اننا «نَتشارك والبطريرك الراعي اللغة نفسها حول هذا الملف السيادي الوطني، ولقد شجّعنا البطريرك على العمل الذي نقوم به».
وأشار الغريب إلى أنه لمس من خلال زياراته ولقاءاته أن «لا طرف يريد إبقاء النازحين، ونحن نؤكد للجميع أننا لسنا عنصريين بل نقارب الملف وفق ما تقتضي مصلحة بلادنا، فلبنان لم يعد يتحمّل، والجميع يتفهّم ذلك».
المعلمون
من جهة ثانية، يصادف اليوم «عيد المعلم». ولقد شكّلت هذه المناسبة محطة ذكّر فيها المعلمون بمطالبهم، ودعوا الدولة الى تلبيتها، وإلّا فالعودة الى الشارع (ص 8).