صحيفة الجمهورية
فيما تتواصل الحركة الديبلوماسية في اتجاه لبنان منذ تأليف الحكومة، سجلت أمس بداية تعيينات إدراية وعسكرية ضئيلة وخجولة، في ظل الضجيج السياسي الدائر حول ملف الفساد وما يحصل من تقاذف مواقف يوحي بعضها انّ هذا الملف ليس من النوع القابل للمعالجة السهلة، خصوصاً في ضوء ما بدأ يُحدثه من اصطفافات سياسية وطائفية ومذهبية، في وقت أكدت أوساط معنية لـ»الجمهورية» انّ المطلوب هو ضبط الحسابات المالية العامّة للدولة، والبناء على ذلك لوقف الهدر والسرقة التي يتعرض لها المال العام من الآن وصاعداً.
على وقع استمرار فصول مسرحية الحرب المعلنة على الفساد، استكمل المجلس النيابي جلسته التشريعية في الدورة الإستثنائية المفتوحة له والتي ستنتهي باستقباله دورته العادية في أول ثلثاء بعد 15 آذار الجاري، الذي سيشهد أول جلسة نيابية رقابية على الحكومة تنعقد في النصف الثاني، على حد ما اعلن رئيس المجلس نبيه بري في ختام جلسة أمس، على ان تتحدد في حينه طبيعتها بين ان تكون للمناقشة العامة او للاستجواب او للاسئلة والاجوبة.
وكان المجلس صادق أمس على إعطاء 6 درجات للأساتذة المتمرنين في التعليم الثانوي الرسمي، وأعطى بري الحكومة مهلة شهر لدرس اقتراح قانون الموارد البترولية في البر، بعد إصرار رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيرة الطاقة ندى البستاني ووزير الخارجية جبران باسيل على درسه في الحكومة خلال شهر.
مجلس الوزراء
وما ان انتهت جلسة مجلس النواب، حتى كان لمجلس الوزراء جلسته الاسبوعية في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انها كانت جلسة هادئة غابت عنها السياسة، وكانت الأجواء ودية تخللها حتى المزاح. ولكن المشهد تغيّر بعدما انطلق قطار التعيينات بسَحب رئيس الحكومة سعد الحريري بند تعيين اعضاء في المجلس العسكري عند الوصول إليه، وذلك على عكس ما كان متوقعاً بعدما مرّت الاسماء على القوى السياسة وحصدت توافقاً.
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري سحب هذا البند بعد الاتفاق الذي تم بينه وبين رئيس الجمهورية خلال الخلوة التي جمعتهما قبَيل الجلسة، والسبب هو العميد محمود الاسمر المرشّح السني لمركز الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع. وفي المعلومات انّ قائد الجيش العماد جوزف عون هو من يعترض على هذا الاسم.
الى ذلك عيّن مجلس الوزراء القاضي محمود مكية أميناً عاماً له، والعميد الياس البيسري مديراً عاماً للأمن العام بالوكالة لمدة سنة بعد شغور هذا المركز بسبب إحالة العميد رولان ابو جوده إلى التقاعد. ووافق مجلس الوزراء على تمديد عقد إدارة شبكتي الهاتف الخلوي حتى نهاية السنة.
وطلب وزراء «القوات اللبنانية» إعادة النظر في المؤشرات التي تعطى على أساسها الحوافز التشغيلية للشركات، على ان تكون في اتجاه رفع عائدات الخزينة، وعلى أساسها تم الاتفاق على ان يعود وزير الاتصالات الى مجلس الوزراء بصيغة جديدة لهذه المؤشرات والحوافز مُرفقة بتصور شامل لقطاع الاتصالات وتطبيق القانون 431، والاسراع في إعادة إحياء الهيئة الناظمة للإتصالات وتعيين أعضائها أساساً للإصلاحات، علماً انّ دفتر الشروط كان قد وزِّع على الوزراء منذ اسبوعين، وسيطرح في المجلس عند الانتهاء من درسه وإضافة تعديلات واقتراحات عليه بهدف البدء بالتحضير للمناقصة التي تحتاج إلى أكثر من 200 يوم.
وخلال الجلسة سأل الوزير محمود قماطي عن سبب درس جدول أعمال خفيف لا يتضمن بنوداً ثقيلة تعنى مباشرة بمصالح الناس، فردّ الحريري عليه قائلاً: «كل وزير في صدد إعداد ملفات تعنى بوزارته وسنبدأ قريباً بإدراجها على جدول الأعمال»، وقال له ممازحاً: «رَح تندم على هالحكي» لأنّ الجلسات المقبلة ستكون مكثفة، لدينا الكثير من العمل وستناقشون جداول أعمال من 200 و300 بند قريباً». وعلّقت وزيرة الطاقة ندى البستاني مؤكدة انّ خطة الكهرباء ستكون جاهزة خلال اسبوعين، وستطرحها في مجلس الوزراء. أمّا رئيس الجمهورية فأكّد انه في الجلسة المقبلة سيتم إعادة النظر في الإعفاءات الجمركية للمؤسسات.
وطلبت الكلام الوزيرة مي شدياق، فعرّفها رئيس الجمهورية على انها «وزيرة الثقافة»، وعندما صححت له أنها وزيرة التنمية الإدارية قال الحريري: «وصلت ع تمّها وأخدوها». واستوضحت شدياق ما حصل مع الدولة السويسرية في ما خَصّ صفقة السلاح، وأكدت انّ هذا سيرتد سلباً على سمعة لبنان، فرد الوزير الياس بوصعب قائلاً انّ الموضوع أثير بالإعلام، محاولاً استبعاد الجيش اللبناني عن هذا الموضوع، وموضحاً ما حصل. وتدخّل الوزير علي حسن خليل وقال انّ الموضوع انتهى بعد كشف السفارة السويسرية على الاسلحة العينية، وتمنّى توضيح كل الإلتباسات.
وطلب الوزير جبران باسيل خلال الجلسة «ان يكون هناك مدير عام لقوى الامن الداخلي بالوكالة، على غرار الأمن العام، طالما أنّ هذا الامر معتمد ضمن الهيكلية».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ وزراء «القوات» قدموا مداخلات في أكثر من بند، ولكن تركيزهم الأساسي كان على موضوعين:
ـ الأول، يتعلق بقرار سويسرا حظر بيع السلاح إلى لبنان، فأكدت «القوات» أنّ هذا القرار يُسيء إلى سمعة لبنان، خصوصاً انّ الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني تحديداً، غير معني بالخطأ الذي وقع مع الدولة السويسرية. وبالتالي على الحكومة ان تتحمّل مسؤولياتها في هذا المجال، وعدم استيراد السلاح من سويسرا لا يعني عدم الطلب منها إلغاء قرار الحظر الذي ينعكس سلباً على صورة لبنان الدولية. ودعت «القوات» الوزراء المعنيين إلى الإسراع في معالجة هذا الأمر.
ـ الثاني، يتصل بالتمديد لشركتي الخلوي، حيث أكدت «القوات» انّ أي تمديد يجب ان يرتبط بأجندة رباعية: التقدّم الى مجلس الوزراء بتصور شامل وكاف ووافٍ عن قطاع الاتصالات بالشراكة مع القطاع الخاص بغية ان يتمكن المجلس من أن يبني على الشيء مقتضاه؛ الإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة للاتصالات؛ البحث عن السبل والحوافز التي تسمح بتحقيق أعلى وأكبر نسبة عائدات لخزينة الدولة، والعودة إلى مجلس الوزراء بالتصور الكامل حول الحوافز الجديدة للشركتين».
عون وبريطانيا و«الحزب»
على انّ اللافت في المشهد السياسي المحلي في ضوء الحركة الديبلوماسية النشطة التي يشهدها لبنان، المواقف التي أطلقها وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية اليستر بيرت خلال جولته على المسؤولين اللبنانيين، وتأكيده موقف بلاده لجهة تصنيف «حزب الله» بأنه «منظمة ارهابية». وردّ عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قائلاً: «انّ لبنان أخذ علماً بالموقف البريطاني من «حزب الله»، وقد يكون من المفيد الإشارة الى انّ الامتداد الاقليمي لـ«حزب الله»، لا يعني أنّ تأثيره على السياسة اللبنانية يتجاوز كونه جزءاً من الشعب اللبناني وممثلاً في الحكومة ومجلس النواب».
من جهته، اشار بيرت الى «انّ هذه العلاقات لن تتأثر في أي موقف تتخذه بريطانيا حيال «حزب الله». ونقل الى عون رغبة بلاده في توثيق العلاقات اللبنانية – البريطانية وتعزيزها في المجالات كافة، مشيراً الى «انّ المؤتمر الاقتصادي الذي عقد أخيراً في لندن هو جزء من خطة الدعم البريطانية للاقتصاد اللبناني».
دعم الماني
الى ذلك، وردت معلومات «الجمهورية» عن المحادثات التي أجراها المبعوث الألماني نيلز أنين مع المسؤولين أمس الاول، وأنه ركز على الموقف الألماني الداعم للبنان عبر العلاقات المباشرة مع المسؤولين اللبنانيين ومن خلال الدور الذي تلعبه المانيا في إطار قوات «اليونيفيل» البحرية، مشدداً على أهمية الاستمرار في سياسة «النأي بالنفس» التي تضع لبنان خارج إطار المناطق المشتعلة والحرائق الكبيرة في اراضي جارته سوريا.
وطرح أنين على الذين التقاهم مجموعة أسئلة استطلاعية تركزت على النقاط الآتية:
– الوضع في سوريا والمنطقة وملف النازحين واللاجئين السوريين، مشدداً على الموقف الأوروبي الموحد من هذا الملف ودعوته الى تهيئة الظروف التي تسمح لهم بالعودة الآمنة، مُشككاً بقدرة النظام السوري على حماية أبنائه، عن قصد او غير قصد، وقصور مؤسسات الأمم المتحدة على الوصول الى جميع النازحين في الأراضي السورية نظراً الى العوائق التي تحول دون ذلك.
– عبّر عن ضرورة تعزيز الحوار بين لبنان والاتحاد الأوروبي في شأن النازحين لتعزيز المساعدات التي ستنالها دول الجوار السوري عشيّة مؤتمر «بروكسل 3» المخصّص لهذه الغاية، معتبراً أنّ الفوارق بين مواقف الإتحاد وبيروت كبيرة لكنّ الأجواء تسمح بالوصول الى قواسم مشتركة قابلة للتطبيق.
– سأل الموفد الألماني عن جديد المبادرة الروسية وما هي المراحل التي قطعتها إذا كانت ما زالت مستمرة في ظل المقاطعة الغربية وعدم وجود قرار بتمويلها كما كان يشتهي الروس؟ وسأل الرئيس عون تحديداً عن القضايا التي ستكون مدار بحث في زيارته الى موسكو ولقائه المرتقب مع الرئيس فلاديمير بوتين؟
لبنان و«سيدر»
وفي وقت تتواصل الاشارات الفرنسية الى استياء واضح من تعاطي لبنان مع مؤتمر «سيدر»، وتشكيك بجدية المسؤولين اللبنانيين في اجراء الاصلاحات التي يفرضها المؤتمر قبل تلقي التقديمات المقررة، اكد عون «انّ لدى لبنان الارادة للسير إيجاباً على طريق الانقاذ من الوضع الراهن الذي يمر به»، لافتاً الى «انّ الحكومة عازمة على تطبيق خطة النهوض الاقتصادي للانتقال بالاقتصاد من اقتصاد ريعي الى منتج، كذلك نعمل جاهدين على تطبيق توصيات مؤتمر «سيدر» لاسيما منها ما يتعلق بالاصلاحات والمشاريع القائمة على التعاون بين القطاعين العام والخاص». وشدّد على ضرورة دعم لبنان لإعادة النازحين الى المناطق الآمنة»، لافتاً الى «انّ تداعيات بقائهم في لبنان تتزايد، وآخر ما سجّل من إحصاءات تشير الى انّ نسبة الولادات لدى العائلات السورية بلغت 51% من نسبة الولادات في لبنان».
شكوى من أنابيب
من جهة ثانية، وجّه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رسائل إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة الجمعية العامة والممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، والى وزراء خارجية قبرص واليونان وإيطاليا بخصوص مشروع مد خط أنابيب غاز بايبلاين بين إسرائيل وقبرص واليونان ومن ثم إلى إيطاليا. ونَبّه باسيل إلى «عدم المَس بحقوق لبنان في المنطقة الإقتصادية الخالصة ووجوب الاحتكام إلى القوانين الدولية الخاصة بالبحار، والاحداثيات التي أرسلها لبنان إلى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة». وأكد أنّ «لبنان لن يسمح بالتعدي على حقوقه وسيادته».
«هولاند» في المختارة
من جهة ثانية نظّم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في قصر المختارة أمس إستقبالاً على شرف الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند، الذي قال في المناسبة: «انّ اللبنانيين ما زالوا يحملون عبء اللاجئين والنازحين ويقومون بذلك باسم قيمهم وباسم الاسرة الدولية، لهذا السبب إنّ فرنسا وكذلك الاسرة الدولية يجب أن تكونا الى جانبهم في هذه الاوقات».
من جهته قال جنبلاط: «شاء القدر ان تكون معنا في آذار منذ 14 عاماً، ومع الشعب اللبناني في انتفاضته من اجل الحرية والكرامة وفي مواجهة الهيمنة والاجرام. لن ننسى وقفتك معنا، ولن ينسى الشعب اللبناني تضامنك وتضامن الحزب الاشتراكي الفرنسي معه».